مقالاتنادر المتروك

النّازحون/ المعذّبون في الأرض

نادر المتروك - كاتب صحافي - بيروت
نادر المتروك – كاتب صحافي – بيروت

نازحون.. وعلى ظهورهم وطنٌ صغير..

معذّبون في أرضٍ لا تعرف السّماء.

 

(1)

يحملون على أكتافِهم العذاباتِ والأحلامَ المُكبَّلة.

ليسوا، بالضرورةِ ملائكةً، وخلْواً من الآثام، ولكنّهم بشرٌ أنكرتهم بعضُ الأرضِ، فاضطرّوا لأنْ يرحلوا.

أملهم، الأكبرُ، هو أن تكون ثمّة بقعة تتّسعُ لهم: تستوعبُ رغبتهم في الحياة. توفّر لهم الملجأ الآمِن، والتّربة الصّالحة لكي يُخرجوا الثّمار المغدورة في داخلهم.

تراهم في الشّرقِ، حيث لا تُشرِقُ الشّمسُ إلا باللّهيبِ والآلام. وتراهم في الغربِ، حيث تغْربُ الرّحمةُ، أو تتضاءلُ إلى حدودِ اليُتم. وحين يضّطرهم الاغترابُ إلى الذّهاب نحو المنطقةِ الوسطى؛ يفاجئهم ملِكُ الغدْر، أو سدنةُ الأحزابِ.

في سيماهُم نحيبٌ من أثرِ الحرمان، وعلى أيديهم.. وفي أيديهم.. ومن أيديهم مفاتيحُ المشكلةِ وحلّها.

 

(2)

 

نازحون.

معذّبون.

والأرضُ عندهم بلا سماء، ولا سحاب.

يستمطرون الأرضَ، ويستغيثون أنفسَهم، وكلُّ ما يأملون هو مرفأ ينتظرون عنده مركباً يقلّهم إلى سحابةٍ ماطرة.

 

(3)

 

ينزلون حيث تشاءُ لهم الرّيح. وحين يرفعون رأسهم مقاومين، تنزلُ عليهم بياناتُ البراءةِ والهجران.

بعضهم ينصاعُ للمقايضة. يدفنُ رأسه في الذلّ، أو يسحبُ لسانه إلى حيث يُعارِض ما تربّى عليه، وما تعاهد به حين كان الحالُ غير الحال.

بعضهم يلعبُ لعبة الإخفاء. يظْهِرُ نصفَه، ويُخفي نصفه الآخر.

بعضهم يستعيدُ ذكريات الطّفولة: يمسحُ كلّ شيء عبَرَ فيه، ويُعلنُ نفسه صفحةً بيضاء للجميع.

بعضهم يُمانِع، فيُقاطَع. يُمانِعُ أكثر، فيُقطَع.

 

(4)

 

يُحدّثونك عن السّفكِ والعَسف.

قلْ هي علاماتُ الرّجالِ قبل أن تنزلَ عليهم أقنعةُ الجلاّدين وآكلي الأكباد.

يزأرُ رأسُهم بالهتافاتِ المدويّة ساعةَ يحلّ الظلام. وحين تُخْرِجُ الأرضُ ضحاياها الطّيبين؛ ينفجرُ الرأسُ بالهروبِ والسّواد.

هِلالُهم سيفٌ لامِعٌ، أو كرسيّ رفيعٌ يحميهم من رزء الضّحايا.

غطاؤهم الشّرعُ المغشوشُ، وكبريتُهم المالُ المُسال.

 

(5)

 

أيّها النّازحون في الأرضِ، ميعادُكم العودة.

افسحوا عن قلوبكم الطّريق ليعبر الصّبرُ والثّبات.

هذا اللّيلُ ليس آخرتكم، وهذه الأرض المخسوفةُ اختبارُكم الأخير.

ربّكم أكبرُ، ورحمتُه أوسعُ من هذا البلاء.

مدّوا أيديكم إلى هذا السّقف. مرِّروا صدوركم على هذه الجدران. تطيّبوا بعِطرِ البابِ المفتوح على الفرج.. وتجمّلوا بأجمل الأوطان.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى