ما وراء الخبر

بعد إعلان قناعة العلماء باستهداف الوجود والهوية.. ما العمل؟

image

البحرين اليوم – متابعات
باقتضاب وبمعانٍ مباشرة، انتهى كبار علماء البحرين إلى تسجيل التشخيص النهائي لما يجري في البلاد، وبعد بلوغ الهجوم الخليفي المرحلةَ التي يصفها معارضون بـ”مفصل النهاية”.

البيان الذي أصدره اليوم الاثنين، ١٨ يوليو، أربعة من كبار العلماء، وبينهم الشيخ عيسى قاسم، سجّل “النقطة الفاصلة” في مجمل الصراع القائم مع آل خليفة، حيث أكدوا أنّ ما يحصل اليوم هو “استهداف للوجود”، وبما يعنيه ذلك من تخطيطٍ ممنهج يُراد له أن يصل إلى نتيجة واضحة مفادها “تفريغ” ما وصفه البيان بـ”المكون الشيعي” من البلاد. وفي حين يرى معارضون بأنّ محتوى البيان العلمائي ليس جديداً، إلا أن تصريح العلماء به، وإعلانهم الواضح بأن الاستهداف الوجودي هو “أمر قائم” وعلى قدم وساق؛ هو تقدُّم هام على صعيد تسجيل المواقف ضد الخليفيين، ومن المؤكد بأن ذلك سيكون له أثره في تقريب نقاط الاشتراك في الرؤى السياسية، وخاصة بين الجماعات السياسية والقوى الثورية التي حددت منذ أعوام رؤيتها للصراع مع آل خليفة باعتباره صراعا “على الوجود والهوية”، ومن المهم هنا – وعلى صعيد التأريخ – التنويه بالأسبقية التي سجلها الدكتور سعيد الشهابي – أمين عام حركة أحرار البحرين – الذي اشتغل مبكراً، ومنذ سنوات سابقة، على تنوير الرأي العام وبهذه الرؤية، وحذّر من مخاطرها وعدم التصدي لها قبل فوات الأوان. وهي ذات الرؤية التي داومَ على التنبيه لها الأستاذ حسن مشيمع، وغيره من قيادات الممانعة، الذين دعوا إلى التأمل الجاد أمام ما يُعرف بـ”تقرير البندر”.
القيادي المعارض مجيد ميلاد وفي قراءةٍ لبيان العلماء الجديد، يقدّم قراءة موازية له ويؤكد فيها بأنه يمثل أول بيان يشير إلى “الخطورة البالغة” التي تواجه المواطنين في البلاد. ويرى ميلاد، الذي أُفرج عنه مؤخرا، بأن البيان خلُص إلى قناعة مؤكدة بأن هناك “استهدافا في الوجود أولا، وفي الهوية ثانيا، وفي المعتقد ثالثا، والشعائر رابعا، وفي الفرائض خامسا”، ودعا ميلاد للتأمل الخاص في مفردات “الوجود” و”الهوية” و”المعتقد” و”الشعائر” و”الفرائض” التي وردت في البيان.

يحدد البيان، إذن، المعالمَ الأساسية للحرب الخليفية القائمة ضد السكان الأصليين، وعلى الرغم من كثافة البيان واعتماده على الاقتضاب الشديد، إلا أن هناك من يذهب إلى أن البيان العلمائي الجديد لم يكن في وارد استنطاق الشواهد، والاستدلال المفصّل على المدعى، بل كان بصدد تثبيت النتيجة النهائية وإعلان الخلاصة أو القناعة التي وصل إليها العلماء بعد سيل الهجوم الخليفي والممتد مدى السنوات الخمس الماضية، وهم (أي العلماء) كذلك ليسوا في وارد وضع شروط التفاوض، أو تقديم اقتراحات للمعالجة، وذلك “لأن القناعة التي أعلنها البيان معناها أن الخليفيين يضعون سيوفهم على أصل الوجود، وجوهر الهوية، وهو موقف حربيّ لا مجال معه للتفاوض، أو تحسين شروط اللقاء الممكن”، وفق ما يحلل أحد الناشطين الذي يدعو إلى استثمار البيان العلمائي الأخير لتعزيز “القواعد المشتركة للمعارضة” والدفع نحو “تأسيس برنامج سياسي جديد، وانطلاقا مع القناعة التي أعلنها العلماء”، والذي يبدأ بعدم توصيف ما يجري في البلاد على أنه “أزمة” و”خلاف سياسي” على “صلاحيات البرلمان” أو “الدوائر الانتخابية”، بل إن الوضع الراهن يمثل “حربا حقيقة” تستهدف هيكل السكان الأصليين ووجودهم، وبكل تفاصيل هذا الوجود الذي تمتد من الهويات الوطنية والتاريخية وحتى الفرائض العقدية والشرعية.

السؤال الطبيعي بعد بيان العلماء الجديد هو: ماذا بعد؟

بالنسبة للنظام الخليفي، فإنه فتح باب “الحرب”، وقطع خطوط الرجعة، ولا شك أنه أعدّ عدته لخوضها حتى النهاية، وبالاستعانة بحلفائه وداعميه الإقليميين والدوليين. مواجهة هذه الحرب تتطلب “الإيمان العميق” بأن هذه الحرب ليست سياسية أو لأسباب تتعلق بمحاولات إجبار المعارضة على تقديم تنازلات معينة، وإنما هي حرب “استئصال”، وأنها تنفيذ “جذري” لمشروع “الاقتلاع” المخطط له منذ زمن، وأن الحاكم الحالي، حمد عيسى الخليفة، يمثل “رأس الأفعى” في هذا المخطط. هذا “الإيمان العميق” يبدو أنه تحقق، وتم الاقتناع به، سواء من المعارضة السياسية الرئيسيّة – وعلى رأسها الوفاق – أم من جانب كبار العلماء. أما الخطوة التي تلي ذلك؛ فينبغي أن تتحرك وفق العنوان التالي:

‫-‬ مواجهة أدوات الحرب وابتكار وسائل أو طرق لإنتاج البدائل:‬

الخليفيون بدأوا الحربَ الوجودية من خلال سلّة متنوعة، ومتسلسلة من عمليات الاستنزاف المتدرج، أو الموت البطيء للسكان الأصليين. وقد استعملوا في ذلك أدوات مختلفة من القتل المادي والرمزي: (الاستهتار الممنهج بالمقدسات والشعائر، اعتقال الرموز والنشطاء والكوادر من مختلف الفئات والجهات، تقليص قيمة الوجود الشيعي في الدولة أو إنهاؤه تدريجيا، الاستخفاف بكبار علماء الدين وسحب الاعتبارية الوطنية والرمزية عنهم، قطع الطريق أمام التواصل العائلي وبناء الأسر البحرانية سواء بتصعيب المعيشة أم بالاعتقال والتهجير الواسع وهدم الأسر والعوائل أم بالقتل المباشر أو التدريجي عبر تعميم الغازات السامة داخل المناطق السكنية وتعبئة الأجسام بها وبالتالي االتهيئة للأمراض المزمنة القاتلة مع الوقت، كسر كل المحرمات العقيدية والدينية وإنهاء القوة المستقلة التي تمثلها المؤسسة العلمائية..).

هذه أدوات فاعلة وبالغة الخطورة في الحرب القائمة، ويراهن الخليفيون على نتائجها المدمِّرة في المستقبل. ومن العبث مواجهة هذه الحرب من غير الإلمام بتفاصيل هذه الأدوات، ومفاعليها المتدحرجة، ودون وضْع اقتراحات بديلة لمواجهة كل أداة قاتلة يمارسها الخليفيون في الخفاء والعلن. وهو ما يتطلب من المعارضة – بكلّ أطيافها وتوجهاتها – إنهاء طريقتها التقليدية، وعشوائيتها، وحزبيتها، والتفكير الجاد في بناء مشروع “نهضوي” و”تنموي” يحفظ الوجود، وينمّي الهوية الوطنية، ويوفر كل سُبل النهوض الشامل لمجتمع الثورة، داخل البلاد وخارجها. من اللازم على النشطاء اليوم، وعموم المواطنين، محاسبة المعارضة “المقتدرة”، وإلزامها بمثل هذا المشروع، وإلا فإن الجميع سيكون “شريكاً” – من حيث لا يدري – بتسليم السكان الأصليين إلى الهاوية والضياع، وحينها لا ينفع بيانٌ ولا صراخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى