ساهر عريبيمقالات

سيناريوهات الحرب السعودية على اليمن

ساهر عريبي - إعلامي -  لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

فاجئت المملكة العربية السعودية المراقبين فجر يوم الخميس الماضي, بإعلانها الحرب على اليمن لأجل إستعادة ماسمّته الشرعية فيها. وذلك بعد نجاح حركة انصار الله “الحوثيين” في السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المدن الأخرى, والذي صاحبه هروب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه هادي منصور من العاصمة صنعاء وتوجهه نحو مدينة عدن في الجنوب.و يعتبر توقيت اعلان هذه الحرب ذكيا, في ظل دخول المفاوضات بين ايران والدول الكبرى مرحلة الحسم.

ولم يكن الهجوم الجوي السعودي لوحده غير متوقع, بل ان الحلف العسكري الذي تقوده السعودية اليوم والمكون من 10 دول , هو الآخر لم يتنبأ أحد بولادته, بالرغم من الزيارات المحمومة التي سبقت الإعلان عنه, والتي قام بها رؤساء العديد من الدول المتنافرة في المنطقة الى السعودية مؤخرا, وفي طليعة هؤلاء الرئيس المصري والرئيس التركي وامير قطر.

فقد شكّل إصطفاف هذه الدول مجتمعة خلف السعودية مفاجئة كبيرة للمراقبين, الا ان المفاجاة الأكبر كانت في دخول السودان في هذا الحلف, وهي الخطوة التي جاءت تتويجا لمرحلة من تدهور العلاقات بين الخرطوم وطهران, ولترسخ واقع التحاق السودان بالمحور السعودي, وخروجها من المحور الإيراني, بالرغم من انها لم تكن عضوا أساسيا فيه, بل يمكن القول انها كانت عضوا بصفة “مراقب”.

ويعتبر تشكيل تحالف الأضداد هذا, نجاحا للسعودية في اعادة هيبتها كدولة كبيرة في المنطقة على المدى القريب. وذلك بعد ان منيت بهزائم شتى مؤخرا, بالرغم من إنفاقها لمئات المليارات من الدولارات على تأجيج نار الحروب الداخلية في كل من العراق وسوريا, في سعي منها لتقليص نفوذ هاتين الدولتين وبالتالي اضعاف المحور الإيراني.

ومع تراجع الدور العراقي والسوري في المنطقة لأسباب تتعلق بالنزاعات الداخلية فيهما والحرب ضد الإرهاب في البلدين, فإن الساحة خلت للسعودية لزعامة الدول العربية, خاصة بعد أن تحوّلت مصر الى رهينة بيدها, تغدق عليها العطايا مقابل شراء مواقفها, وهي اللعبة التي أجادها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي, الذي لايرى في دول الخليج سوى كيس من المال, مع علمه بنقطة ضعف تلك الدول الا وهي افتقارها للقوات العسكرية المقاتلة والمضحية, ولإعتقادها ان بإمكانها الإستعانة بجيوش خارجية للدفاع عنها, مقابل أموال تُدفع لها, وكما حصل في حرب تحرير الكويت.

كما وان السعودية وعبر ضمها تركيا لهذا الحلف, نجحت في ان تفرض نفسها كزعيمة للمحور السنّي , قبالة المحور الإيراني في المرحلة الحالية. ويشكل التأييد الأمريكي والبريطاني لهذا التحالف الذي يحظى بمباركة اسرائيلية غير معلنة , يشكل نقطة عطف في صياغة مستقبل المنطقة . فهذا التحالف يأتي في ظل دخول المفاوضات النووية مع الدول الكبرى مرحلة الحسم, إذ من المتوقع ان يتم التوقيع على اتفاق نهائي حول هذا الملف خلال النصف الأول من هذا العام , ولذا فيبدو ان هذا الإصطفاف خلف السعودية , سيعيد التوازن بين المحورين ولن يعطي ايران اليد الطولى في المنطقة.

الا أن كل تلك الفرضيات تتوقف على عامل واحد الا وهو سيناريو نجاح العمليات العسكرية السعودية في اليمن, وأما في حال فشلها فإن هذا التحالف سيتفكك وستتبرأ الاطراف المشاركة فيه من بعضها البعض.

وتبدو فرص النجاح للوهلة الأولى كبيرة, مع الأخذ بنظر الإعتبار احتلال موازين القوى العسكرية لصالح السعودية وحلفائها. فالسعودية تقود هجوما جويا مدعوما ب200 طائرة حربية مع دعم لوجستي ومخابراتي امريكي, وهي تهاجم بلادا فقيرة وذات وقدرات العسكرية محدودة.

ومع علم السعودية ومن تجاربها السابقة استحالة احتلالها لليمن فإن نجاحها يتمثل في تحجيم دور الحوثيين وتشكيل حكومة في اليمن تابعة لها ولا تخرج عن طوعها. وتعتقد السعودية أن هذا الهدف يمكن تحقيقه عبر استمرار توجيه ضربات جوية مؤثرة على المنشأت الحيوية والعسكرية في اليمن , في محاولة لإجبار الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح على الجلوس على طاولة المفاوضات, والقبول بالمشروع السعودي الذي يتمثل في اعادة هادي منصور الى سدة الحكم وتشكيل حكومة موالية لها.

الا ان مراهنة السعودية في نجاحها في تحقيق هذا الهدف, على الإستمرار بضرباتها الجوية وان اقتضت تدمير كل اليمن, يعتبر مغامرة كبيرة بالرغم من الدعم الدولي الذي تحظى به اليوم. فهذا الدعم لايمكن ان يستمر طويلا. فإن استمرار الحرب التي يدفع المدنيون اليمنيون ثمنا غاليا لها, سيؤدي الى ارتفاع الأصوات الدولية المنادية بوقفها, ولعل موقف الإتحاد الأوروبي الحالي الأخير مؤشر على ذلك, بعد ان اعلن عدم تأييده للعمليات العسكرية, واذا أخذنا بنظر الإعتبار الموقف الروسي والصيني فمن المحتمل ألا تنجح السعودية في اطالة امد الحرب.

ولعل هذا ما يعوّل عليه الحوثيون الذين يرفضون تقديم تنازلات اليوم, لعلمهم بأن السعودية لن تستطيع الإستمرار في هذه الحرب لأكثر من شهر, فهي تستهدي بالنموذج الإسرائيلي في الحرب على غزة من اجل تركيع حركة حماس. هذا اذا ما فرضنا ان هذه الحرب استمرت بلا مفاجآت. واما ان لجأ الحوثيون الى الرد سواء عبر ضرب قواعد عسكرية سعودية أو مطارات او منشآت بالصواريخ البالستية التي من المحتمل حيازتهم لها, فان هذه الحرب ستتحول الى هزيمة منكرة للسعودية وستكون لها آثار ليس فقط على دورها الإقليمي أو العربي ,بل ستكون لها انعكاسات كبيرة داخل السعودية , سواء على صعيد العائلة المالكة او على صعيد المملكة كدولة.

فعلى الصعيد العائلي ,هناك صراع خفي يدور بين مختلف أجنحة عائلة آل سعود , وبدا هذا الصراع جليا مع تسلم الملك الجديد لمهامه. اذ بدأ عهده باقصاء جناح الملك السابق عبدالله وخاصة ابنه متعب, وتعيين محمد بن نايف وليا لولي العهد, وابنه محمد وزيرا للدفاع, فيما يبدو صفقة يعَّين من بعدها محمد بن سلمان وليا لولي العهد بعد ازاحة مقرن من ولاية العهد وهو امر متوقع.

فهذا التحالف بين المحمّدين هو الذي يقود المملكة اليوم, وقد وصفه مصدر مقرب من الوليد بن طلال بلعبة الصبيان. ولذا فإن أطرافا في العائلة الحاكمة تتمنى فشل هذه العملية العسكرية, لتصب نقمتها على الملك سلمان وطاقمه, وقد يؤدي ذلك الى اعادة رسم خارطة الملك في المملكة , اذ من الممكن ان يتم عزل سلمان من العرش لمرضه, خاصة وان من يملك توقيعه اليوم هو ابنه محمد, وهو مايفتح الطريق لتولي مقرن للحكم واجراء تغييرات على ولاية العهد بما يؤدي الى الإطاحة بمحمد بن نايف ومحمد بن سلمان, وعودة متعب بن عبدالله الى الواجهة.

واما على صعيد المملكة فهي بالأساس ممزقة ومتعددة الولاءات وتفتقد للهوية الوطنية قبالة الهوية القبلية والمناطقية وحتى الطائفية, ولذا فمن المحتمل اندلاع اضطرابات في مختلف انحاءها, خاصة اذا ما اخذنا بنظر الإعتبار عدد السجناء السياسيين المعتقلين في البلاد والبالغ ٣٠ الفا حسب تقديرات مراقبين, فإن الإضطرابات ستعم حتى العاصمة الرياض.

واما على الصعيد العربي والإقليمي فإن التحالف الحالي ستتفكك عراه وسيلقي كل من اطرافه بمسؤولية الهزيمة على السعودية, التي سيتراجع دورها وستنكفأ داخليا مشغولة بصراعات العائلة وبالإضطرابات الداخلية, وهو ماسيضعف المحور السعودي ويعطي اليد الطولى للمحور الإيراني , وستكون اول تداعياته هزيمة قوى الإرهاب في كل من العراق وسوريا ولبنان. وعودة العراق وسوريا لدورهما العربي الرائد.

واما على الصعيد الخليجي فإن تداعيات الهزيمة ستكون كبيرة على مختلف دول الخليج سلبا او ايجابا. ولاشك بان عمان ستكون الرابح الكبر وهي التي لم تشارك في هذه الحرب, واما الخاسرون فكثر وفي طليعتهم النظام الحاكم في البحرين. فهذا النظام الذي يعاني من ضغط داخلي شديد جراء الثورة الشعبية المتواصلة, القى بجميع بيضه في السلة السعودية, ولذا فإن هذا النظام سيكون اكبر المتضررين من خسارة السعودية للحرب, وسيجبر على تقديم تنازلات للشعب البحراني, رفض تقديمها طوال السنوات الأربع الماضية مدعوما بالجيش السعودي.

ومع الأخذ بنظر الإعتبار الإتفاق النووي الإيراني المحتمل توقيعه فإن ايران ستقود المنطقة وستصبح قوة كبرى فيها, وهذا الأمر يشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل, وبشكل أقل لأمريكا وأوروبا, لأن الاخيرتين لديهما قناعة بأن الإيرانيين حكماء يمكن التفاهم معهم على الكثير من الملفات, وان التهور والإضطراب ليس سيدا الموقف في السياسة الإيرانية المعروفة بحنكتها . وهكذا فإن اسرائيل ستلقي بكامل ثقلها خلف السعودية للحيلولة دون خروجها خاسرة من هذه الحرب, الا ان محاولتها معرضة للفشل, كما هو حال مساعيها التي توشك ان تفشل في اجهاض الإتفاق النووي.وهكذا يبدو سيناريو خسارة السعودية للحرب مظلما وقاتما لها وحلفائها.

واما نجاحها فسيرسخ قيادة المحمّدين للملكة ويعجّل بالإطاحة بمقرن من ولاية العهد وتعيين محمد بن سلمان وليا لولي العهد. واما على صعيد المنطقة فسيعيد ترتيب الأوراق فيها. ولربما تتوجه السعودية مرة اخرى نحو العراق وسوريا لتحقيق نصر فيهما,وان كان النصر لا يعني سقوط نظاميهما, ولكن بقاء سيادتهما منقوصة مع استنزافهما بالحروب الداخلية, واضعاف دورهما الإقليمي, يعتبر نصرا للسعودية التي ستعزز من دورهما الإقليمي وتتفرغ الى مختلف ملفات المنطقة وخاصة الملف اللبناني, وهو مايضعف الدور الإيراني.

الاّ نجاح أي من هذه السيناريوهات , رهن بثلاثة عوامل, واولها هو ربط الدول الكبرى التوقيع على الإتفاق النووي مع ايران, بعدم تدخلها في اليمن, وهذا مايعني المماطلة في توقيع الإتفاق وحتى نجاح العملية العسكرية السعودية في اليمن, التي ستكون مكافئة لها مقابل الإتفاق مع ايران وهو مايطمئنها على الأوضاع داخل جزيرة العرب.

واما العامل الآخر فهو شدّة ردّ اليمنيين وهو مرتبط بشكل كبير بالعامل الأول ومتوقف على ردة الفعل الإيرانية. فمن المحتمل ان لن يكون هناك رد حوثي فيما لو حصلت ايران على اتفاق يلبي مطالبها وطموحاتها النووية. واما في حال تعذّر ذلك فسيكون الرد شديدا. واما العامل الثالث وهو الأهم فهو مدى صمود اليمنيين خلال الأسابيع القليلة القادمة التي ستكون أشد عليهم من الأسبوع الاول من الحرب, اذ ستشتد الهجمات الجوية في محاولة لتركيعهم, وان اقتضى الأمر فسيتم الاستعانة بآخر ورقة الا وهي ورقة القوات البرية, وقوامها الجيش المصري. الا ان دخولها سيعني هزيمة منكرة للسعودية فاليمنيون لن يقبلوا اعادة احتلالهم وتكرار تجربة عبدالناصر وهم المعروفون ببأسهم وهو ماسيحول اليمن الى مستنقع للقوات المحتلة .

وحينها ستسعى السعودية للخروج بماء وجهها من هذه الحرب, ويتمثل ذلك في دعوة مختلف الاطراف للجلوس على مائدة التفاوض في مسقط مع عدم استبعاد اي منها من السلطة, الا ان ذلك سيعتبر ايضا هزيمة كبيرة للسعودية .

فاجئت المملكة العربية السعودية المراقبين فجر يوم الخميس الماضي, بإعلانها الحرب على اليمن لأجل إستعادة ماسمّته الشرعية فيها. وذلك بعد نجاح حركة انصار الله “الحوثيين” في السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المدن  الأخرى, والذي صاحبه هروب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه هادي منصور من العاصمة صنعاء وتوجهه نحو مدينة عدن في الجنوب.و يعتبر توقيت اعلان هذه الحرب ذكيا, في ظل دخول المفاوضات بين ايران والدول الكبرى  مرحلة الحسم.
ولم يكن الهجوم الجوي السعودي لوحده غير متوقع, بل ان الحلف العسكري  الذي تقوده السعودية اليوم  والمكون من 10 دول , هو الآخر لم يتنبأ أحد بولادته, بالرغم من الزيارات المحمومة التي سبقت الإعلان عنه, والتي قام بها رؤساء العديد من الدول المتنافرة في المنطقة الى السعودية مؤخرا, وفي طليعة هؤلاء الرئيس المصري والرئيس التركي وامير قطر.
فقد شكّل إصطفاف هذه الدول مجتمعة خلف السعودية مفاجئة كبيرة للمراقبين, الا ان المفاجاة الأكبر كانت في  دخول السودان في هذا الحلف, وهي الخطوة التي  جاءت تتويجا لمرحلة من تدهور العلاقات بين الخرطوم وطهران, ولترسخ واقع التحاق السودان بالمحور السعودي, وخروجها من المحور الإيراني, بالرغم من انها لم تكن عضوا أساسيا فيه, بل يمكن القول انها كانت عضوا  بصفة “مراقب”.
ويعتبر تشكيل تحالف الأضداد هذا, نجاحا للسعودية في اعادة هيبتها كدولة كبيرة في المنطقة على المدى القريب. وذلك بعد ان منيت بهزائم شتى مؤخرا, بالرغم من إنفاقها لمئات المليارات من الدولارات  على تأجيج نار الحروب الداخلية في كل من العراق وسوريا, في سعي منها لتقليص نفوذ هاتين الدولتين وبالتالي اضعاف المحور الإيراني.
ومع تراجع  الدور العراقي والسوري في المنطقة لأسباب تتعلق بالنزاعات الداخلية فيهما والحرب ضد الإرهاب في البلدين, فإن الساحة خلت للسعودية لزعامة الدول العربية, خاصة بعد أن تحوّلت مصر الى رهينة بيدها, تغدق عليها العطايا مقابل شراء مواقفها, وهي اللعبة التي أجادها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي, الذي لايرى في دول الخليج سوى كيس من المال, مع علمه بنقطة ضعف تلك الدول الا وهي افتقارها للقوات العسكرية المقاتلة والمضحية, ولإعتقادها ان بإمكانها الإستعانة بجيوش خارجية للدفاع عنها, مقابل أموال تُدفع لها, وكما حصل في حرب تحرير الكويت.
كما وان السعودية وعبر ضمها تركيا لهذا الحلف, نجحت في ان تفرض نفسها كزعيمة للمحور السنّي ,  قبالة المحور الإيراني في المرحلة الحالية. ويشكل التأييد الأمريكي والبريطاني  لهذا التحالف الذي يحظى بمباركة اسرائيلية غير معلنة , يشكل نقطة عطف في صياغة مستقبل المنطقة . فهذا التحالف يأتي في ظل دخول المفاوضات النووية مع الدول الكبرى مرحلة الحسم, إذ من المتوقع ان يتم التوقيع على اتفاق نهائي حول هذا الملف خلال النصف الأول من هذا العام , ولذا فيبدو ان هذا الإصطفاف خلف السعودية , سيعيد التوازن بين المحورين ولن يعطي ايران اليد الطولى في المنطقة.
الا أن كل تلك الفرضيات تتوقف على عامل واحد الا وهو سيناريو نجاح العمليات العسكرية السعودية في اليمن, وأما في حال فشلها فإن هذا التحالف سيتفكك وستتبرأ الاطراف المشاركة فيه من بعضها البعض.
وتبدو فرص النجاح للوهلة الأولى كبيرة, مع الأخذ بنظر الإعتبار احتلال موازين القوى العسكرية لصالح السعودية وحلفائها. فالسعودية تقود هجوما جويا مدعوما ب200 طائرة حربية مع دعم لوجستي ومخابراتي امريكي, وهي تهاجم بلادا فقيرة وذات وقدرات العسكرية محدودة.
ومع علم السعودية ومن تجاربها السابقة استحالة احتلالها لليمن فإن نجاحها يتمثل في تحجيم دور الحوثيين وتشكيل حكومة في اليمن تابعة لها ولا تخرج عن طوعها. وتعتقد السعودية أن هذا الهدف يمكن تحقيقه عبر استمرار توجيه ضربات جوية مؤثرة على المنشأت الحيوية والعسكرية في اليمن , في محاولة لإجبار الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح على الجلوس على طاولة المفاوضات, والقبول بالمشروع السعودي الذي يتمثل في اعادة هادي منصور الى سدة الحكم وتشكيل حكومة موالية لها.
الا ان مراهنة  السعودية في نجاحها في تحقيق هذا الهدف, على الإستمرار بضرباتها الجوية وان اقتضت تدمير كل اليمن, يعتبر مغامرة كبيرة بالرغم من الدعم الدولي الذي تحظى به اليوم. فهذا الدعم لايمكن ان  يستمر طويلا. فإن استمرار الحرب التي يدفع المدنيون اليمنيون ثمنا غاليا لها, سيؤدي الى ارتفاع الأصوات الدولية المنادية بوقفها, ولعل موقف الإتحاد الأوروبي الحالي الأخير مؤشر على ذلك, بعد ان اعلن عدم تأييده للعمليات العسكرية, واذا أخذنا بنظر الإعتبار الموقف الروسي والصيني فمن المحتمل ألا تنجح السعودية في اطالة امد الحرب.
ولعل هذا ما يعوّل عليه الحوثيون الذين يرفضون تقديم تنازلات اليوم, لعلمهم بأن السعودية لن تستطيع الإستمرار في هذه الحرب لأكثر من شهر, فهي تستهدي بالنموذج الإسرائيلي في الحرب على غزة من اجل تركيع حركة حماس. هذا اذا ما فرضنا ان هذه الحرب استمرت بلا مفاجآت. واما ان لجأ الحوثيون الى الرد سواء عبر ضرب قواعد عسكرية سعودية أو مطارات او منشآت بالصواريخ البالستية التي من المحتمل حيازتهم لها, فان هذه الحرب ستتحول الى هزيمة منكرة للسعودية وستكون لها آثار ليس فقط على دورها الإقليمي أو العربي ,بل ستكون لها انعكاسات كبيرة داخل السعودية , سواء على صعيد العائلة المالكة او على صعيد المملكة كدولة.
فعلى الصعيد العائلي ,هناك صراع خفي يدور بين مختلف أجنحة عائلة آل سعود , وبدا هذا الصراع جليا مع تسلم الملك الجديد لمهامه. اذ بدأ عهده باقصاء جناح الملك السابق عبدالله وخاصة ابنه متعب, وتعيين محمد بن نايف وليا لولي العهد, وابنه محمد وزيرا للدفاع, فيما يبدو صفقة يعَّين من بعدها محمد بن سلمان وليا لولي العهد بعد ازاحة مقرن من ولاية العهد وهو امر متوقع.
فهذا التحالف بين المحمّدين هو الذي يقود المملكة اليوم, وقد وصفه مصدر مقرب من الوليد بن طلال بلعبة الصبيان. ولذا فإن أطرافا في العائلة الحاكمة تتمنى فشل هذه العملية العسكرية, لتصب نقمتها على الملك سلمان وطاقمه, وقد يؤدي ذلك الى اعادة رسم خارطة الملك في المملكة , اذ من الممكن ان يتم عزل سلمان من العرش لمرضه, خاصة وان من يملك توقيعه اليوم هو ابنه محمد, وهو مايفتح الطريق لتولي مقرن للحكم واجراء تغييرات على ولاية العهد بما يؤدي الى الإطاحة بمحمد بن نايف ومحمد  بن سلمان, وعودة متعب بن عبدالله الى الواجهة.
واما على صعيد المملكة فهي بالأساس ممزقة ومتعددة الولاءات وتفتقد للهوية الوطنية قبالة الهوية القبلية والمناطقية وحتى الطائفية, ولذا فمن المحتمل اندلاع اضطرابات في مختلف انحاءها, خاصة اذا ما اخذنا بنظر الإعتبار عدد السجناء السياسيين المعتقلين في البلاد والبالغ ٣٠ الفا حسب تقديرات مراقبين, فإن الإضطرابات ستعم حتى العاصمة الرياض.
واما على الصعيد العربي والإقليمي فإن التحالف الحالي ستتفكك عراه وسيلقي كل من اطرافه بمسؤولية الهزيمة على السعودية, التي سيتراجع  دورها وستنكفأ داخليا مشغولة بصراعات العائلة وبالإضطرابات الداخلية, وهو ماسيضعف المحور السعودي ويعطي اليد الطولى للمحور الإيراني , وستكون اول تداعياته هزيمة قوى الإرهاب في كل من العراق وسوريا ولبنان. وعودة العراق وسوريا لدورهما العربي الرائد.
واما على الصعيد الخليجي فإن تداعيات الهزيمة ستكون كبيرة  على مختلف دول الخليج سلبا او ايجابا. ولاشك بان عمان ستكون الرابح الكبر وهي التي لم تشارك في هذه الحرب, واما الخاسرون فكثر وفي طليعتهم النظام الحاكم في البحرين. فهذا النظام الذي يعاني من ضغط داخلي شديد جراء الثورة الشعبية المتواصلة, القى بجميع بيضه في السلة السعودية, ولذا فإن هذا النظام  سيكون اكبر المتضررين من خسارة السعودية للحرب, وسيجبر على تقديم تنازلات للشعب البحراني, رفض تقديمها طوال السنوات الأربع الماضية مدعوما بالجيش السعودي.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار الإتفاق النووي الإيراني المحتمل توقيعه فإن ايران ستقود المنطقة وستصبح قوة كبرى فيها, وهذا الأمر يشكل مصدر قلق كبير  لإسرائيل, وبشكل أقل  لأمريكا وأوروبا, لأن الاخيرتين لديهما قناعة بأن الإيرانيين حكماء يمكن التفاهم معهم على الكثير من الملفات, وان التهور والإضطراب ليس سيدا الموقف في السياسة الإيرانية المعروفة بحنكتها . وهكذا فإن اسرائيل ستلقي بكامل ثقلها خلف السعودية للحيلولة دون خروجها خاسرة من هذه الحرب, الا ان محاولتها معرضة للفشل, كما هو حال  مساعيها التي توشك ان تفشل في اجهاض الإتفاق النووي.وهكذا يبدو سيناريو خسارة السعودية للحرب مظلما وقاتما لها وحلفائها.
 واما نجاحها فسيرسخ قيادة المحمّدين للملكة ويعجّل بالإطاحة بمقرن من ولاية العهد وتعيين محمد بن سلمان وليا لولي العهد. واما على صعيد المنطقة  فسيعيد ترتيب الأوراق فيها. ولربما تتوجه السعودية مرة اخرى نحو العراق وسوريا لتحقيق نصر فيهما,وان كان النصر لا يعني سقوط نظاميهما, ولكن بقاء سيادتهما منقوصة مع استنزافهما بالحروب الداخلية, واضعاف دورهما الإقليمي, يعتبر نصرا للسعودية التي ستعزز من دورهما الإقليمي وتتفرغ الى مختلف ملفات المنطقة وخاصة الملف اللبناني, وهو مايضعف الدور الإيراني.
الاّ نجاح أي من هذه السيناريوهات , رهن بثلاثة عوامل, واولها هو ربط الدول الكبرى  التوقيع على الإتفاق النووي مع ايران, بعدم تدخلها في اليمن, وهذا مايعني المماطلة في توقيع الإتفاق وحتى نجاح العملية العسكرية السعودية في اليمن, التي ستكون مكافئة لها مقابل الإتفاق مع ايران وهو مايطمئنها على الأوضاع داخل جزيرة العرب.
واما العامل الآخر فهو  شدّة ردّ اليمنيين وهو مرتبط بشكل كبير بالعامل الأول ومتوقف على ردة الفعل الإيرانية. فمن المحتمل ان لن يكون هناك رد حوثي فيما لو حصلت ايران على اتفاق يلبي مطالبها وطموحاتها النووية. واما في حال تعذّر ذلك فسيكون الرد شديدا. واما العامل الثالث وهو الأهم فهو مدى صمود اليمنيين  خلال الأسابيع القليلة القادمة التي ستكون أشد عليهم من الأسبوع الاول من الحرب, اذ ستشتد الهجمات الجوية في محاولة لتركيعهم, وان اقتضى الأمر فسيتم الاستعانة بآخر ورقة الا وهي ورقة القوات البرية, وقوامها الجيش المصري. الا ان دخولها سيعني هزيمة منكرة للسعودية فاليمنيون لن يقبلوا اعادة احتلالهم وتكرار تجربة عبدالناصر وهم المعروفون ببأسهم وهو ماسيحول اليمن الى مستنقع للقوات المحتلة .
وحينها ستسعى السعودية  للخروج بماء وجهها من هذه الحرب, ويتمثل ذلك  في دعوة  مختلف الاطراف للجلوس على مائدة التفاوض في مسقط مع عدم استبعاد اي منها من السلطة, الا ان ذلك سيعتبر ايضا هزيمة كبيرة للسعودية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى