مقالات

صرخة المظلوم في وجه الجلاد

البحرين اليوم(مقالات)

بقلم وداد حسين

في ذاكرة السنوات الماضية، مشهد محفور  وصدى الأمس يعيد نفس المأساة. التنهيدة العميقة، تقاطع الكلام في حضرة الظُلّام ..  

منذ اندلاع الثورة في فبراير 2011 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور يناير 2023، والحالة في البحرين لم تهدأ على خلفية الأزمات السياسية التي تعصفت بالبلاد. سنوات مرت على البحرانيين لا تشبه مثيلاتها من سنوات، حيث أدى المشهد المتصاعد في البحرين إلى خنق الحريات وقلب الموازين، وزج الآلاف من رموز المعارضة والسياسين والمواطنين المناهضين لسياسة آل خليفة في السجون بحكم النار والحديد، وسياسة العزل حتى اختنق النبض في الزنازين . فهناك فقط كل ممنوع إلا القمع والاضطهاد فريضة واجبة! 

في زحمة الدعايات، ضاعت الحريات وضاع صوت المعذبين وسط ضجيج شعارات دولية جوفاء، ورعاتها قرروا صم آذانهم، حتى أصبحت البحرين وطنا لحفنة قراصنة بانتظار الفدية من وجع المظلومين والسجناء وعوائلهم .

منذ عام ٢٠١١ مر على سجون النظام الخليفي بحسب  التقارير والاحصائيات ما يقارب عشرة آلاف معتقل، وما تزال السجون تكتظ بمئات المواطنين بينهم قاصرين يواجهون ظروفا تعدت حدود المنطق والعرف الإنساني في المعاملة الحاطة للكرامة، على ايدي جلاوزة النظام الخليفي، الذين تم استقطابهم من جنسيات متعددة ليسوموا أهل البلد الأصليين بألوان العذاب.

عوائل ممنوعة من الزيارات 

حزينون جدا ومكسورون ،نحن نعيش القلق الدائم على أولادنا ونخاف من أي خبر يردنا عنهم”. بهذه الكلمات تحاول عائلات وأهالي المعتقلين مواساة أنفسهم ريثما يستطيعون إيصال صوتهم لما وصل إليه الحال جراء واقع مرير يعانيه أبنائهم خلف القضبان، حال  يسوده استياء صامت أبكم، تجاه الأوضاع المتردية في السجون.

في ظل تعمّد السلطات الخليفية إطباق القبضة الامنية بحق معتقلي الرأي الذين يواجهون أحكاما قاسية ومجحفة، ومنع عوائلهم ومحاميهم من الوصول إليهم كما يجب؛ تعالت صرخات المعتقلين  وأهاليهم الذين طرق بعضهم باب لجنةالتظلمات” دون جدوى. ويواجه السجناء كماً من التشديدات الأمنية القاسية في المعاملة وفي الزيارات التي تُفرض من وراء عازل ولمدة ثلاثين دقيقة فقط كل شهر ونصف بحسب ما جاءت به استغاثات المعتقلين وما وثقته التقارير الحقوقية.

إدارة السجن تهمل عمدا مطالب المعتقلين، وتحول دون توفير أبسط احتياجاتهم من توفير الماء والغذاء والدواء، وحرمانهم من التعليم، والرعاية الطبية، والزيارات والتواصل مع عوائلهم

وفي كل يوم نسمع مأساة جديدة لوالدة معتقل تصف حال ولدها المزرية، أو حال والد يناشد بتوفير الدواء لإبنه، وأخت تطالب بالعدالة لأخيها.

 قصص ومآسي كثيرة تضج بها سجون آل خليفة، تبدأ من غصةٍ وتلعثمٍ في الكلام تصل إلى ذرف الدموع على حال لا يشبه أي حال سُنَ  للبشر بشرعة الحقوق والمواثيق. والابرياء محكومون بتهم  تتعلق بحرية التعبير سواء بموقف كلاميّ أو بتغريدة على المساحات الافتراضية في مواقع التواصل الإجتماعي أو تهم كيدية لا أساس لها من الصحة

في ظل التعتيم الرسمي الكبير على ما يجري، وفي الوقت الذي يحاول النظام نشر صور مخالفة كليا للواقع، تبرز قصص أسوأ مما يتخيّل القارئ للوضع في السجون ومعاناة المعتقلين فيها بشكل يهدد سلامتهم ويعرض حياتهم للخطر في ظل السكوت عن الاضطهاد المتعمد. فالأحكام المغلّظة القاسية التي يعانيها المعتقلون  تعدّ حكماً بقتل العائلات، على الرغم من وجودهم خارج الزنازين.

محاولات إخفاء الجرائم كالضحك على اللحى

كمن يختبئ خلف إصبعه تحاول السلطات الخليفية طمس الحقيقة، وإخفاء ما يمارسه جلاديها في أروقة السجون المكتظة بالمظلومين.

حتى الأطفال الصغار لم يسلموا من التعنيف والتعذيب حيث كشفت تقارير حقوقية تعرض الأطفال تحت السن القانوني لعقوبات مجحفة وتعذيب. لم تشفع لهم أعمارهم أمام بطش السلطة  التي تنفي مرارا وتكرارا عدم وجود تعذيب في سجونها، ضاربة عرض الحائط كل تقارير الإدانة بحقها.

ولعل  تقرير (لجنة بسيوني) واحد من أبرز مئات التقارير التي أدانت عنف السلطة، إضافة الى منظمة العفو الدولية هيومن رايتس ووتش، وسلسلة طويلة من المنظمات الدولية وفي مقدمتهم الأمم المتحدة تدين الوضع الذي يشهده السجناء في البحرين، وتطالب بضمان حقوق الإنسان للمعتقلينكل هذه المنظمات تدعو  السلطات الخليفية لضمان حقوق الإنسان للمعتقلين السياسيين وتطالب بوجوب التغيير الديمقراطي في البحرين.

على الرغم من كل حملات التعتيم المفروضة رسمياً على ما يجري في الداخل البحراني، لم تنجح السلطات أبدا في إخفاء المشهد الكارثي الذي شهدته أوضاع المعتقلين في السجون الخليفية عن أعين العالم بأسره. فعلى مواقع التواصل الإجتماعي، وثّقت حسابات عدة معاناة المعارضين والمعتقلين الذين يطالبون بالحرية السياسية وإحقاق العدالة

النظام الخليفي والاسرائيلي توأمان بلا أصل و النسخة طبق الأصل.

إذا ما عدنا بالذاكرة لأحداث ٤٨ واحتلال الأراضي الفلسطينية من قبل الإسرائيليين نجد بدون أدنى شك أن ما يجري في البحرين اليوم هو نفس السيناريو السابق وبطريقة أشد مكرا. فالخوف الإسرائيلي الذي يعانيه جراء ما يحدث في العالم من تغيير في موازين القوى دفعه للبحث عن مخرج يعزز من خلاله نفوذه. ( فما كان في الميدان سوى حديدان ) حيث لاقى عند النظام  الخليفي مطلبه  مستغلا الأزمات الداخلية في البحرين والعلاقات بين النظام البائس وشعبه

لم يكتف  النظام بعقد اتفاقيات مع النظام الاسرائيلي بل استعان بالأخير في توفير خبرات عسكرية جراء عقد اجتماعات متبادلة وفتح الباب على مصراعيه أمام الوفود الاسرائيلية، وإعلان الزيارات بدون خجل على الملأ، وبعد تعيين ضابط دائم في البحرين، باتت السجون والممارسات القمعية بحق المعتقلين نسخة طبق الأصل، ويصح القول ان النظامين وجهان لعملة واحدة في التفكير الشيطاني والقمع الممنهج.

من هذا الواقع، فإن صرخة الحقّ لا تُسكِتُها الانتهاكات، بل قد تكون سببا في اقتلاع النظام الذي يعيش على آلام وأهات الشعب. فالتاريخ يعلمنا بأن الحقوق لا تضيع إذا كان وراءها مطالب. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى