مقالاتنادر المتروك

ليس ردّاً على المثبطين!

نادر المتروك - كاتب صحافي - بيروت
نادر المتروك – كاتب صحافي – بيروت

البحرين اليوم – (خاص)
لماذا يجد البعضُ شجاعةً، في غير محلّها، لكي يُثبت لنا بأنه يملك من القدرة “الخلاّقة” لينقلبَ على نفسه مرةً تلو الأخرى، ويُعلن على الملأ، وبلا ارتجاف أمام التّاريخ، بأنه كان يجتهدُ في الخطأ؟!

 

كيف تُصبح المعاناة خسائرَ فادحة لا معنى لها، وإرهاقاً غير مجدٍ للنّفس والآخرين، في حين تكون معادلة المعاناة ذاتها – في ظرف آخر، أو زمن سابق – دافعاً للتحدي، وسبباً منطقياً للثورة والغضب؟!

 

التحوّلُ من فكرةٍ لأخرى هو طبيعةٌ بشريّة، وليس مروقاً على طبائع الأمور، وهو شكلٌ من أشكال التطوّر ونموّ العقل وإنهاض الإرادات. ولكنّه التّحوّل الذي يكون عن معاناةٍ فكريّة صلبةٍ، ونتيجة مكابدة داخليّة مستمرة، وليس من ذلك ما يفعله المغمورون، الصاعدون والهابطون بلا انتظام.. الذين يرون أن تغيير الأفكار والمواقف أيسرُ من تغيير الملابس أو استبدال عمامةٍ بأخرى.

 

للمرء أن يكفّ عن رأي شدّه إليه موجٌ من النّاس. ومن حقّه أن يغادر الملعبَ ويجلس مع لاعبي الاحتياط أو في كراسي المتفرجين، حين يجد أن إصابته أثناء اللّعب لا تُسعفه على مواصلة اللّعبة حتى نهاية الشّوطين. ولكن، ليس من حقّه أن يأخذ صفّارة الحكم عنوةً، ويُعلن خسارة الفريق، أو يتقمّص دورَ المدرّب ويفرض خطّة جديدة تتناسب مع الوجع الذي ما عاد يصبر على تحمّله.

 

ينسى كثيرون أنّ الحياة هي موقفٌ إرادي، يجب أن نختاره بعنايةٍ تُشبه الطريقة التي نختار فيها مسارَ الخروج من الحياة. والأهمّ من ذلك، فإنّ المسافة بين الحياة والموت، لا تُشبه المسافة التي يمكن أن يقضيها المرء عند خروجه من المنزل باتّجاه المقهى، أو ناحية مطعم لتناول وجبة سريعة. هي مسافةٌ تُشبه الوقت الفاصل الذي يختار الله فيه شاباً لنيل الشهادة.

 

يقترح البعض على منْ “أثخنتهم” شهورٌ معدودات من الاعتقال، أو حرمانٌ من العمل، أن يستريحوا بهدوء وبعيداً عن دائرة الضوء، أو يبحثوا لهم عن “فرصة أخرى” لا يبخل النظامُ في توفيرها بشرط الخضوع لحذاءِ أدنى مرتزقٍ لديه. ولكنها نصيحةٌ خاسرة.

 

منْ أصابه الإرهاقُ، واختار أن يجهرَ ضدّ النّاس؛ من الأفضلِ أن يمضي في هذا الخيار وحيداً، ومن غير منحه متعة “الرأي والرأي الآخر، وإلى أن يتحوّل الإرهاقُ إلى أرقٍ مدوٍّ يُشبه الكابوس. قد تكون بعده صحوة وتوبة، أو يُنتج إعلاناً رسمياً للوفاة والضمور الكامل.

 

لا حاجة لإرسال النّصائح لمنْ غلبهم الوجعُ، أو ركبهم الهَجر، أو وجدوا في “لحظة اكتظاظ المعاناة” سبيلاً للتكسّبِ والتربُّح والتمتّع بمنصّة “المحاضرة” بعد استنفاذ متعة الظهور في منصّة “الميدان”.

 

ليس من فائدةٍ للمدافعةِ والمناجزة والمثاقلة في وجهِ المثبطين والمرجفين ومروّجي النّسخ الجديدة من مقولةِ “فن الممكن”. هؤلاء لم يعودوا مؤثرين على بُعد مترين أو ثلاثة من مكان وطأة أقدامهم، وليسوا في شأنٍ عالٍ يُتيح لهم أن يكونوا سبباً في “إقناع” عجوز في الديه، أو طفلٍ في العكر، أو فتى لم يُنهِ مراحل التعليم الأساسيّة في سترة؛ لأنْ ينسى أخاً شهيداً، أو قريباً يعاني القضبان أو التهجير أو المطاردة. النّسيان هنا “خيانة” يعلمُ الصغارُ، قبل الكبار، حُرْمتَها المطلقة، ومن غير معلّمٍ أو تحريض.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى