ما وراء الخبر

ماذا بعد الحكم المشدّد ضد الشيخ علي سلمان.. صعود أحصنة طروادة أم تفعيل “التضامن العلمائي”؟

الشيخ علي سلمان

متابعات – البحرين اليوم

جاء تغليظ المحكمة الخليفية للحكم ضد أمين عام جمعية الوفاق، الشيخ علي سلمان، في سياقِ سلسلةٍ من المعطيات التي تؤشّر على توجّهٍ خليفيّ مركّب تجاه معالجة “أزمة” الاختناق السياسيّ والشّعبي الذي يعاني منه الخليفيّون، وهو أمرٌ غير بعيد عن ما يترشّح – بين وقت وآخر – من محاولاتٍ خليفيّة مستميتة لإعادة صياغة المشهد السياسيّ عبر إطلاقِ نسخ جديدة من “التدجين” و”الإخضاع” و”الابتزاز” للمعارضة، وخاصة جمعية “الوفاق” التي باتت محطّة لأكثر من استهداف، وليس اعتقال أمينها العام، وتشديد الحكم ضدّه؛ إلا علامة على إدراك الخليفيين بأنّ السّبيل إلى إسقاط المعارضة السياسيّة – وبالتّالي الاستفراد بالحراك الثّوري – لن يكون متاحاً إلا بعد تقويض “الوفاق” من الدّاخل، والانقضاض على المنهج الذي أرساه الشيخ سلمان داخل تيارها (وبإحاطة أبويّة من آية الله الشيخ عيسى قاسم)، وهو المنهج الذي لم يخفِ النظام إنزعاجه منه عبر سلسلةٍ من الإجراءات القمعيّة التي طالت الجمعية وقياداتها، وعلى مدى سنوات الثورة الخمس.

هناك أوساط عارضة (ومدفوعة) في المشهد السياسيّ اعتادت على “توجيه” الانتقامات الممنهجة التي تتعرّض لها “الوفاق”؛ ومحاولة ربط ذلك بما يُرمَى في الوسط العام من “مشاريع” للمصالحة و”التفاوض” مع النظام، ومن بوابة “السماسرة” وهواة لعبة “أحصنة طروادة”، ويفضّل هؤلاء قراءة استهداف الوفاق وأمينها العام، باعتباره شبيهاً بما تعرّض له الرّاحل الشيخ عبد الأمير الجمري، حيث تم إخضاعه – خلال السنوات الأخيرة لانتفاضة التسعينات – للإقامة الجبرية  بعد صدور حكم قاسٍ ضده، فيما تمّ استغلال هذا الوضع “الانتقامي” في ترتيب مخرجٍ ممسرح لتعويم “مبادرة الخروج من الأزمة”.

سيبدو هذا “التكييف” مشبوهاً (ومكشوفاً) مع ملاحظةِ الهندسة البريطانيّة لاستهداف الوفاق، والذي ظهر بوضوح مع إعلان الأخيرة، بمعية الجمعيات الأخرى، مقاطعة الانتخابات الخليفية، وهو الموقف الذي واجهه البريطانيون باستياءٍ مفضوح، ودفعهم لتكثيف الضغط على الجمعية – وصولا لاعتقال الشيخ سلمان – وبالترافق مع توسيع الدّعم والحماية للخليفيين وتحت عنوان “السير في الاتجاه الصحيح  نحو الإصلاح”. وقد كان وجود وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في البلاد وقت صدور الحكم المشدّد ضد الشيخ سلمان؛ بمثابةِ التأكيد على دخول البريطانيين في عُمق المشروع الإسقاطيّ للوفاق، والإسهام الجدي في لعبة خلق البدائل الكفيلة بتفكيك بنيتها الدّاخليّة وتعبيد الطّريق أمام المخارج الإنقاذية للنظام الخليفيّ وفي الاتجاه الذي يحفظه من وطأةِ الاستحقاقات الإقليميّة.
بمعزل عن نظرية “التمهيد للمصالحة” بعد صدور الحكم المشدّد لمحكمة الاستئناف الخليفية؛ فإنّه يُفترض أن يؤدي هذا الحكم “الممنهج” إلى المراجعة الشّاملة لمنهج الاعتراض السياسيّ المعمول به من جانب الجمعيات ومن جانب الرموز الدّينيّة المرجعيّة على حدّ سواء، ولاسيما بعد انكسار شوكة “التضامن العلمائي” الذي كان يعِد في أول أيّام اعتقال الشيخ سلمان بما يُشبه المواقف “الصارمة” في حال المضيّ بعيداً في استهدافه، وقد تراءى فيما بعد كيف أن هذا التّضامن لم يكن أكثر من إعلان عن “المباديء” وتأكيد على الخطاب الرّافض الذي لا يجد حتى الآن ما يدعوه لاتخاذ الخطوات العمليّة التالية.

سواء أكان النظام بصدد البحث عن بيئةٍ مناسبة لترويج مشاريعه في “الالتفافِ والالتهام”، أم أنه بصدد الدّفع أكثر نحو القمع التقويضيّ؛ فإنّ الحاجة اليوم لا نظير لها في أن تعمل المعارضة والإطار العلمائي – وكلٌّ من موقعه وفي موْرده – على اجتراح الفعل الانتقالي والقطْعي، ومناط بهذا الفعل اعتماد تسمية الأشياء بأسمائها، وعلى رأس ذلك الوقوف غير الملتبس في وجْه الاختراقات الناعمة للمعارضة، وصدّ المحاولات المستمرة لإضعاف حائط الصدّ العلمائي، والذي يُراد له (أي هذا الحائط) أن يتصاغر أكثر وصولاً إلى إنجاز الهدف الخليفي (البريطاني) المتمثل في إخضاع المؤسسة الدّينية ومنابرها والهيمنة عليها بالمطلق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى