ما وراء الخبر

الخارجية العراقية تطالب باستبدال سفير آل سعود في بغداد: الحقيبة الدبلوماسية المليئة بالمفخخات

image
البحرين اليوم – متابعات

طالبت وزارة الخارجية العراقية اليوم الأحد، ٢٨ أغسطس، باستبدال السفير السعودي في بغداد، ثامر السبهان، والذي تم تعيينه قبل نحو عام بعد تردد سعوديّ في افتتاح سفارتها فسّر مراقبون بمحاولة من آل سعود لابتزاز العراق وانتزاع مواقف منه تخدم السياسة السعودية في المنطقة.

وفي بيان مقتضب، قال المتحدث باسم خارجية العراق، أحمد جمال، بأن الوزارة “تطلب من نظيرتها السعودية” استبدال سفيرها الحالي في بغداد، من غير أن يذكر تفاصيل أخرى.
وفي أول الردود الرسمية، قال السبهان على حسابه في “تويتر” بأنه ينتظر الموقف الرسمي “من الحكومة العراقية”، وعلق بطريقة ساخرة على تصريح الناطق باسم الخارجية العراقية، الذي اعتبر تصريحاته تعبر عن “أحد مكونات” الحكومة التي تتبنى “الحشد”، وتساءل السبهان “هل هي (الحكومة) مواقفة على ذلك وتتبناه؟”، وكرر السبهان العبارات “التمجيدية” والتملق لآل سعود وأنه “خادم” لهم ويتشرف بهم.

واعتاد السبهان، منذ مجيئه العراق، على التدخل في شؤونه الداخلية، وقال مراقبون بأنه حاول – منذ اليوم الأول – أن يأخذ دور “الحاكم السعودي في العراق”، حيث تولى إثارة الخلافات المحلية، وتأليب الوضع الداخلي لصالح السياسة السعودية التي تؤكد تقارير بأنها تقف وراء نمو الجماعات التكفيرية وعمليات الإرهاب في العراق والمنطقة.

وكان السبهان أعلن الأسبوع الماضي عن تعرّضه لمحاولة “جديدة” لاغتياله، ووجه الاتهام إلى إيران وإلى جماعات عراقية موالية لها في بغداد بحسب تعبيره، واعتبر متابعون هذا الإعلان – الذي حشدت له الصحافة السعودية – بمثابة “القشة” الأخيرة التي حركت بغداد مجددا باتجاه رفض “السلوك التخريبي” الذي يمارسه السبهان في العراق، بحسب تعبير سياسيين أكدوا بأن السبهان يتولى “مهمة غير دبلوماسية” في العراق، حيث أنيط به القيام بالمزيد من “تفخيخ العراق وتمزيقه طائفيا”، والتغطية على السعوديين الذين يتسللون إلى العراق للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، كما يظهر من الاهتمام السعودي “المريب” بملف المعتقلين السعوديين في العراق المتهمين بتنفيذ عمليات إرهابية.

وسبق لوزارة الخارجية العراقية أن استدعت السبهان احتجاجا على تدخلاته المتكررة في الشأن العراقي، وخاصة بعد هجومه على “الحشد الشعبي” ووصفه بالطائفي وادعائه بارتباط الحشد بأجندة إيرانية، واضعا قوات الحشد في مسافة واحدة مع تنظيم داعش الإرهابي. ومع دخول السبهان في الوسط السني العراقي، واللعب على الوتر الطائفي، يؤكد متابعون بأنه يحمل مهام “التفخيخ” في حقيبته الدبلوماسية التي انتقل بها من لبنان، حيث كان يعمل ملحقا عسكريا في سفارة آل سعود ببيروت، حيث اختارته السعودية ليفتتح سفارتها في بغداد في يونيو من العام ٢٠١م، وليكون السفير الأكثر “تفجيرا” للعراق.

اختيار السبهان لتولي سفارة آل سعود في العراق لم يأت من فراغ، حيث يحمل الرجل خلفية عسكرية وأمنية خالصة، وهي المواصفات التي ترى الرياض بأنها الأصلح لتولي مخططاتها التخريبية في العراق في ظل صراعها المشتدّ مع إيران، ومساعيها المريرة لتثبيت أقدامها في المحيط الإقليمي والمجاور لها.

وبحسب “السيرة الذاتية” للسبهان، فإنه كان يعمل طيلة حياته داخل “العالم السري” ودهاليز القوات الخاصة، وتولى مسؤولية توفير “الأمن والحماية” للأمراء والملوك والمسؤلين الأجانب، وتُوّجت جهوده “الأمنية” بتعيينه في الملحقية العسكرية في السفارة ببيروت، وهو منصب تؤكد المعلومات بأنه كان النافذة التي دخل منها السبهان في “مستنقع” الوضع الأمني في لبنان، وكان له دوره في تأجيج الجماعات المتطرفة ضد المقاومة وحزب الله، وأشارت بعض المصادر إلى دوره في تهريب الأسلحة والمخدرات في حقائب دبلوماسية تابعة للسفارة، وكانت تذهب إلى أيدي متطرفين وجماعات تكفيرية في لبنان أخذت على عاتقها الدفاع عن آل سعود في ظل اشتداد المواجهة بينهم وبين المقاومة ومحورها.

وخلال عامه الأول سفيرا في العراق، اختار السبهان أن يكون مثيراً للإزعاج الدائم، ولم يتردد في اختراق “الحدود الدبلوماسيّة” وهو يتناول الملفات الداخلية، وعلاقة العراق بإيران، كما وصّف الشخصيات والجماعات العراقية بأشد النعوت والتصنيفات، وهو ما جعله هدفاً للانتقادات العنيفة من السياسيين العراقيين الذين طالبوا علناً بطرده، واعتباره غير مرغوب فيه بالبلاد، كما أعلنت ذلك قيادة “الحشد الشعبي”، وكذلك الحال مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي قاد حملة مفتوحة ضد آل سعود، لكونهم يقفون وراء الإرهاب في العالم، داعيا العالم إلى فرض الحظر عليهم وتحويلهم إلى المحاكم الجنائية.

وارتبطت مهمة التخريب التي تولاها السبهان بالملفات التي شكّلت – حتى اليوم – محور الخلاف الإيراني السعودي في المنطقة، بما في ذلك موضوع قوات “الحشد الشعبي” التي لم يتردد السبهان في مهاجمتها واعتبارها “ميليشيات” تعمل بأجندة “إيرانية” و”طائفية”، إضافة إلى الموضوعات الأخرى المرتبطة بالإرهاب ووقوف السعوديين وراءه. ويسجل مراقبون “جرأة” السبهان في اختراق حدود اللياقة “الدبلوماسية”، ليؤكدوا بأن ذلك كان دوره “الوحيد” التي حُمِّل إليه، حيث وجد السبهان نفسه “طليقاً” في الإفصاح عن الموقف السعودي التدميري، واعتاد على تكرار توجيه الاتهام صراحةً إلى إيران ومنْ وصفهم بأذنابها في العراق بالوقوف وراء الإرهاب، وهو موقف أسّس له السبهان – وبخبرته في العمل السّري – من خلال ترديد عباراتٍ محبوكة بصياغات أمنية وبطابع طائفي جذّاب من خلال انخراطه في الوسط السني العراقي، وتجميعم حوله، والتأكيد لهم بأن آل سعود “لن يتخلوا عنهم”، وهو جهد تشطيري شبيه بالدور الذي لعبه – سرا – في لبنان، ما دفع سياسيين عراقيين إلى التحذير منه مبكرا، وخاصة مع إشارات متكررة من السبهان تساءل فيها عن إمكان تأسيس “حشد شعبي سني”، وذلك في مسعى مقصود لاستجلاب التمحور السني حول آل سعود.

اللافت أن الإدانات ومواقف الاحتجاج الشديدة التي صدرت ضد السبهان؛ لم تؤد إلى توقفه عن دوره الطائفي وتدخله “الوقح” في شؤون العراق، بحسب تعبير العراقيين، فلم يغير السبهان من محتوى حقيبته الدبلوماسية التي تتضمن ملفات مقصورة على التفخيخ وإثارة الفتن المذهبية وتأليب الأطراف العراقية على بعضها البعض. وقد اختار السبهان مزاعم تعرُّضه للاغتيال للرد على الهجوم الذي تعرض له طيلة الأشهر الماضية، وهي “حيلة” تتلاقى مع القاموس الأمني (التفجيري) الذي يطبع شخصيته ومهمته الوحيدة في العراق والتي أخذت مسارين: توسيع الاصطفاف الطائفي الداخلي، وتنصيب آل سعود أنفسهم “حماة للسنة” في مقابل ما تعتبره “دعما إيرانيا للشيعة في العراق”. أما المسار الثاني فهو تأمين “الدعم” للتخريب الأمني والإرهاب في العراق، بما في ذلك “ضبط إيقاع” المقاتلين السعوديين في العراق، والجهد الذي يبذله السبهان وطاقم السفارة لكي يحولوا دون “ارتداد” المقاتلين إلى داخل السعودية وتجفيرهم لوضعها الداخلي، وعلى نحو ما حصل مع حكاية “الأفغان العرب”.

يؤكد مراقبون عراقيون بأن مهمة السبهان في العراق استطاعت النجاح إلى حدود “لافتة”، ولكن النجاح اقتصر حتى الآن على “التخريب”، وفشل آل سعود في المقابل في تثبت حضورهم “السياسي” و”الطائفي” الذي كانوا يطمحون إليه، وعبر أدوات “التفخيخ” التي يحملها السبهان في حقيبته، وهي حقيبة باتت “مكشوفة” أمام العراقيين، ولم يعد الأمر يحتمل “التأويل” أو “دبلوماسية المواقف”، وهو ما جعل الخارجية العراقية تُفصح – أخيرا – عن طلبها بتغيير السبهان، وهو طلب سينظر إليه السعوديون باعتباره “إهانة” لها واتهاما “رسميا” بتورطها في تخريب العراق واللعب على أوتاره المضطربة. فكيف سيكون الرد الرسمي لآل سعود؟ هل يغيرون السبهان بآخر أم يعودون إلى لعبتهم المفضلة بسحب السفير وإغلاق السفارة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى