المنامة

تعدّيات صحيفة “البلاد” و”فليفل”: استدراج النّظام الخليفي.. والرّد الذي يُوجِع “رأس الفتنة”

IMG-20140722-WA0015

البحرين اليوم – (خاص)

احتشد مواطنون مساء اليوم الثلثاء، ٢٢ يوليو، أمام صحيفة “البلاد” للاحتجاج على ما نشرته من إساءة لأحد أئمة المسلمين الشيعة. رئيس المجلس العلمائي، السيد مجيد المشعل، كان حاضراً في الوقفة الاحتجاجيّة وسط حضور أمني استبق تجمّع المواطنين.

على مدى أسبوع، وحتّى اليوم الثلثاء، شهدت البحرين عدّة مظاهر لافتعال الشّحن الطّائفي، في وقتٍ يُعاني فيه النّظام الخليفيّ من تفاقم أزمته مع الشّعب وامتدادها إلى حدودٍ لامست العلاقات السّياسيّة في داخل البلاد وخارجها.

مراقبون يضعون علامات استفهام أمام هذه الحوادث التي لا يخفى ارتباط النّظام بالجهات التي تقوم بها وتعمل على إثارتها، ويُحذّر هؤلاء من المبالغة في التّعاطي مع هذه الحوادث، والانجرار إلى ردود الأفعال “الوقتيّة” التي يستهدفها النّظام.

الإثارات الطائفية الجديدة بدأت مع تعدّيّات الجلاّد عادل فليفل، وكان من الواضح – بحسب متابعين – أنّ الأخير كان يرمي لاستدراج “المعارضة والوسط الوطني العام” إلى زاويةٍ مقصودة، لاسيما وأنّ تكفيريّات فليفل جاءت في أعقاب إغلاق “المجلس العمائي” وختمه بالشّمع الأحمر، وهي خطوةٌ تصعيديّة أراد منها “النّظام استكمال مفاعيل هدْم المساجد وحرب الهويّة التي أطلقها بمعونة جيش الاحتلال السّعودي في مارس ٢٠١١م”، يقول أحد المعارضين، والذي يُضيف بأنّ “إحجام الثّورة عن السّقوط في المستنقع الطّائفي، أفشلَ مشاريع الفتنة الكبرى التي كان يُخطّط لها الخليفيّون والسّعوديّون، في مسعىً منهم لاختيار البحرين قاعدةً للفوضى المتدحرجة، والتي جُرّبت في سوريا والعراق لاحقاً”.

الإعلام الخليفي لم يتوقّف عن ترويج أنّ “فتنةً مذهبيّة” تسود البلاد، وذلك لتبرير استدعائه للقوّات الأجنبيّة والتّشكيك في طبيعة الثّورة ومنطلقاتها. والملاحظ أنّ وزير الخارجيّة الخليفيّة – الذي يُحاول الظّهور اليوم في صورةِ المُناهض للطّائفيّة – أكّد بأنّ إحدى دواعي “التّدخّل الأمني” هو الحدّ من “الفتنة المذهبيّة” التي بدأت “تمدّ عنقها” في سياق الثّورة، على حدّ زعمه.
ترافقَ ذلك مع تولّي خليفة سلمان، رئيس الحكومة الخليفيّة، بنفسه مشروع التأجيج المذهبي، ورعايته الرّموز التكفيريّة وواجهاتها، أمثال محمد خالد، السعيدي، وعادل فليفل. وقد تقصّد خليفة أن تكون رعايته مباشرةً، وعلنيّة، وبعبارات صريحة في الثّناء والحماية.

في المحصّلة، أخفق المشروع الخليفي في إشعال الفتنة، وفي إشغال الثّورة بها، ولم تفلح “سيوف الرّفاع”، ولا “ساحات البسيتين” في الهدف المرسوم لها.

مع تمدّد الفتنة في سوريا، وبعد ذلك في العراق، كان من الواضح أنّ مشروع الفتنة المذهبيّة لآل خليفة على قيْد التحريك مرّة أخرى. إعطاء الضّوء الأخضر للخلايا التكفيريّة في أزقة المحرّق والرّفاع والبديع، كان رسالةً مبكّرة، وشديدة الوضوح، وهو وضوح غير قابل للشكّ أو التأويل مع رفْع أعلام القاعدة، والإفصاح عن تأييد الجماعات المسلّحة التي تُقاتِل في سوريا، وهي جماعات تشترك في النزعة التكفيريّة والتّلاقي مع المشروع السّعودي.

لم تنجح هذه الخطوة أيضاً، وتوارت وجوه الفتنة لبعض الوقت، فيما بقيت الثّورة في مأمن من الاستقطاب المذهبي وحافظت على نفسها من المنزلق مرّة أخرى. وهو ما جعلَ الثّورة تكسبُ قوّة إضافيّة في الميدان، وعلى مستوى المصداقيّة في الخارج.

ما يحدث الآن هو أنّ النّظام الخليفي يُعيد اللّعبة المذهبيّة مرّة أخرى، وهو يأمل أن يُحقّق مراميه القديمة بالاستفادة من “التّضخّم الطائفي” الذي يعمّ أجواء المنطقة مع تظهير “قيادات تكفيريّة” من البحرين منخرطة في صُلب التنظيمات المتشدّدة في الخارج، ومنهم أفراد من عائلة البنعلي المعروفة بولائها الخليفي وارتباطها بأكثر من عملٍ مخابراتي محلّي وإقليمي.

ومن خلال فليفل أراد النّظام أن يُجرِّب حظّه، وأن يرمي بالزّيت على الغضب الشعبي العام الذي تصاعد بعد الإجهاز الخليفي على المؤسّسة الدّينيّة الأكبر التي تحظى برعاية كبار علماء البحرين.

يستبعد متابعون أن يكون ما وردَ في صحيفة “البلاد” هو مجرّد “زلّة لسان” أو “سوء تعبير” من كاتبٍ معروف بتخندقه في جُحور الطائفيّة. كان يعلم منْ يقف وراء الصّحيفة – خليفة وابنه علي – بأنّ ما نُشِر من إساءة إلى الإمام المهدي ستُثير استفزاز المواطنين، وأنّ السّخط سيكون مُضاعفاً في ظلّ تراكم “التّعدّيات المذهبيّة”.

إلا ما يطمح إليه الخليفيّون ليس فقط “إشغال” الثّورة وبيئتها بردود الأفعال “الطّبيعيّة”، ولكن أيضاً الدّفع بهذه الرّدود لأن تكون “واقعاً عاماً” يُملي على الثّورة بقيّة مسارها، وبما يُعينه على استكمال مشروع “القضم المتدرّج” للجمعيّات المعارضة من جهة، والاستفراد لاحقاً بالقوى الثّوريّة ووسطها الشّعبي الواسع، من جهةٍ أخرى.

بحسب التّجارب السّابقة، فإنّه من المرجّح أن يفشل النّظام في ذلك. يعود ذلك لسببٍ رئيسي، وهو أنّ “الرّد” الشّعبي والسياسيّ والثّوري على هذه التّعدّيات لم يعد “مؤقتا” و”محدوداً” وموجّهاً فقط إلى “حدود الحوادث وشخوصها”.

الرّدود باتت توجّه إلى النّظام نفسه، ووضعت الردود هذه الحوادث ضمن “المشروع الكبير” لهذا النّظام. واللافت أنّ الثّورة ليست وحدها في اعتماد هذا المنهج في مواجهة التّعديّات والانتهاكات المذهبية، حيث عبّر الرّموز الدّينيّة والسياسيين عن ذات المنهج، ولم ينساق أحد للإيحاءات “الخادعة” التي يُحاول بعض أطراف النّظام تعميمها، والتي تسعى للقول بأن “فليفل لا يمثلني” و”لا للطائفية” – وهي هاش تاغات يتخفّى خلفها وزير الخارجيّة الخليفي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى