مقالاتنادر المتروك

ضغط الاختبار العملي لتضامن العلماء مع الشيخ علي سلمان

نادر المتروك - كاتب صحافي - بيروت
نادر المتروك – كاتب صحافي – بيروت

مع ترقّب جلسة محاكمة الشّيخ علي سلمان، يوم غد الثلثاء ١٦ يونيو، والمفترض أن تكون مخصّصة للنطق بالحكم؛ تتقدّم أمام الجميع صورةٌ مكثفةٌ لمجريات السّنواتِ لأربع الماضية، وكيف انقطعَت حبالٌ واتّصلت أخرى.

تجاربُ عديدة مرّت. كانت العِبرُ والدّروس كافيةً لتقويم الأخطاء، وإصلاح النّواقص، والخروج من كلِّ ذلك نحو معارضةٍ أكثر جدّية، وأكثر تناسقاً، وأقلّ تلبّساً بميراثِ ما قبل ١٤ فبراير، المليء بالتناقضات وصراع الأحزاب والمناكدة المتبادلة.

لا شكّ أنّ الجميع تغيّر بعد ١٤ فبراير. سلطة، ومعارضة. السلطة، لأنها التي تملك القوّة (قوّة القمع) فقد تغيّرت نحو المزيد من تنويع مستويات القمع. المعارضة، لأنها في موضع الالتماس، وردّ الفعل، فقد كانت تغيّراتها بمثابة الانتقال من موضعٍ إلى آخر، ولكن من غير إحداث خروج كامل من الدائرة. كان مستوى التغيرات متفاوتاً، وأكثرها جرت تحت صدمة الحدث، ومقاومة الاهتزاز أو الإنهاك. لم تُجر ذلك على قاعدة المراجعات، ونقد الذّات. لهذا السّبب، لم تتحوّل تغيّرات ١٤ فبراير إلى واقعٍ جديد حقيقيّ بالنسبة للمعارضة، وبقيت آثار ١٤ فبراير مقصورةً على تحسينات في الخطاب، وتعديلات في الشّكل العام. أمّا الجوهر فبقي على حاله القديمة.

في موضوع الشيخ سلمان، تظهر تقاطعات البقاء والإبقاء من ناحية، والتغيّر والاعتبار من ناحية أخرى. أمين عام الوفاق اجتهدَ في إظهار أبرز الاستفادات. نجحَ صاحب الكاريزما الأخّاذة في استحضار الجميع في خطابه. كان جريئاً في كسْر التقاليدِ الموروثة، وهزّ منبرَه بالشعارات والهتافات التي حسِب معها كثيرون بأنّ نصائح عبد الوهاب حسين ومحاولات حسن مشيمع لإنهاءِ شتاتِ المعارضةِ قد آتت أكلها، وأنّه قد حانَ قطافها. إلا أن التغيّر لم يكن وضعاً عاماً، ولم يخرج من دائرة الشيخ سلمان. والأكثر من ذلك، فإنّ التغيّر لم يكن مسنوداً بمحوريّة حدث ١٤ فبراير، بما هو منطلق للحدث الثّوري، بل بالتطوّرات الحدثيّة التي جرت ما بعد هذا التاريخ، وخاصة مع اتّساع سلطان قمع النّظام، وانكسار شوكة الجمعيّات المعارضة، بعد أكثر من انقضاض قمعي وُجّه لقادتها، وآخرهم الشيخ سلمان نفسه.

من الممكن قياس هذه الفكرة بالمرور على بيانات العلماء المعروفين في البحرين، وآخرها النداء الأخير لكبار العلماء، والذي شكّل تكريساً للملاحظات الجوهريّة التي طبعت الفعل التضامني للعلماء مع الشيخ سلمان، منذ لحظة اعتقاله في ديسمبر ٢٠١٤م. وهي ملاحظات، فيما يبدو، من الخصوصيّات التي لازمت الحالة العلمائيةفي البحرين منذ على الأقل تضخُّم الرأسمال القمعي للنّظام، واصطكاك المشهدِ السّياسيّ، ووصول المعارضة في مشروع الحوار إلى الحائط المسدود.

أراد العلماء تحويل قضية الشيخ سلمان إلى ثيمة للاختزال والاحتجاج، وليس إلى علامة أخيرة من علاماتٍ أخرى على انتهاء ذرائع النّظام وانكشاف حقيقته الكاملة. عملياً، تعاطى التضامن العلمائي مع اعتقال الشيخ سلمان بوسائل مزدوجة، جمعت بين فكرة: (اعتقال الشيخ سلمان ليس كأي اعتقال)، وبين فكرة: (الإفراج عن الشيخ سلمان هم المطلب الأساس). لاشك أن كلّ فكرة تنتمي إلى خطابٍ، وممارسةٍ، ومشروع مختلف. والجمع بينهما أعطى انطباعاً بأنّ تهافتاً، أو أحاديّة بيّنة، طغت على إدارة الحملة التضامنيّة برمّتها، وجاء النداء العلمائي الأخير ليُقدّم وجهاً من وجوهها الجديدة.

هذا الإزدواج الخطابي في تضامن العلماء أفضى أولاً إلى إعطاء إيحاء بأنّ اعتقال الشيخ سلمان يمثّل حدثاً قطيعيّاً، ما يعني أن الإفراج عنه، أو الإمعان في استهدافه بحكمٍ قاس، سيضطر معه المسار العلمائي إلى اتّخاذ موقفٍ حاسم وحازم مختلف عن المسار السّابق، وهو توقّع شعبي ضاغط، ومن المحتمل أن يتشكّل في أبعاد ضاغطة متعدّدة لاحقاً. إلا أنّ هناك منْ يلمسُ   “مراوحة في التضامن العلمائي، ولاسيما مع التشديد في الإيحاء بأنّ الإفراج عن سلمان، خاصةً، يعني التهيئة للحلّ السياسي، ومواجهة لالعنف والتطرف والإرهاب، بحسب ما جاء في النداء العلمائي الأخير. وهذه إشاراتٌ ذهب البعض إلى كونها تنطوي على استجداء احتاج معه الأنصار إلى تشغيل طاقة التأويل، فيما وجده الناقدون (والمخالفون) شاهداً آخر على المآلات الطبيعيةللتضامنيّات ذات المنبت الحزبي.

من جانب آخر، وعلى نحو معاكس، فإنّ أوساطا معارضة معيّنة تسلّل إليها قدرٌ من التشكيك في قدرة التيار العلمائي على الوفاء بالمتوقعات الشعبيّة، خاصة في حال لجوء النظام إلى التصعيد والحكم على الشيخ سلمان. حينها سيكون العلماء أمام اختبار عملي لتقديم ردّ الفعل الذي يتناسب مع محتوى التحذيرات، والتضامن المركزي.

هنا، قد تكون رسالة المعتقل حبيب مبارك، رغم بساطتها وحُرقتها وأحاديّتها، نموذجا يعكس كلاما يُشبهه ما يدورُ في الصّدور والمجالس الخاصة. لا يكفي القول بأن هذا الكلام هو مجرد آهات، أو هو تنفيس عن آلام السجن والشعور الفردي بأنّ هناك قصورا في التضامن العام. قد يكون الأمر فيه مثل ذلك أو بعضه، ولكن هناك أموراً أخرى، ظلّ التغاضي عنها أو ترحيلها أو اعتبارها إحساساً مؤقتاً؛ سبباً في تضخيمها وتحويلها إلى مشاكل عالقة، ومصدراً لمشاكل أخرى.

جوهر المشكلة، إذن، يتعلق بفكرة التضامن. اندفع الجميع إلى إنتاج تضامن متعدّد. مطالب الثورة بقيت حاضرة، ولكنّها جاءت رديفة أو تابعة أو ملحقة بموضوعات التضامن التي تتابعت مع تضخّم ملف الانتهاكات. مع الوقت، وبسبب تدني الطاقة، ونتيجة الاندفاع التلقائي مع الظرف الساخن؛ تكثّف الخطاب العام للمعارضة في لغة التضامن والحملات التضامنيّة التي حوّلت خطاب التضامن إلى أداة لإحداث الفرق، وليس تأسيس برامج التضامن الممنهج. لهذا السّبب، أخذت تلك البرامج صورا صاعدة، في أوّل الأمر، ثم أخذت تنحسر في دوائرها التقليدية، فيما بقي خطاب التضامن على ذات المستوى من التلويح بالتهديدات المطوَّلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى