ساهر عريبيمقالات

هل يقلب التدخل الروسي في سوريا موازين الصراع في المنطقة؟

ساهر عريبي - إعلامي -  لندن
ساهر عريبي – إعلامي – لندن

أثار التدخل العسكري الروسي في سوريا جملة من التساؤلات حول الدوافع التي تقف خلفه وحول مدى شرعيته، فضلا عن التداعيات التي ستتمخض عنه، وهو ما يفسر حجم ردود الأفعال التي خلفها لدى صنّاع القرار الدوليين، ولدى العديد من دول المنطقة.

من الناحية القانونية؛ فإن هذا التدخل تم بطلب من النظام الحاكم في سوريا. ووفقا للمواثيق الدولية؛ فإنه يمكن لأي دولة طلب تدخل عسكري من دولة حليفة في حال تعرض البلاد إلى خطر.
وفي الحالة السورية، فإن خطر الإرهاب لا يهدد سوريا فحسب، بل يهدد المنطقة والعالم. إلا أن المفارقة تكمن في أن الأصوات المعترضة على شرعية هذا التدخل؛ اعتبرت التدخل العسكري السعودي في البحرين في العام ٢٠١١ شرعيا، بالرغم من أنه جاء لقمع ثورة شعبية سلمية تطالب بالديمقراطية والحرية، وعلى العكس مما يحصل في سوريا التي استباحتها الجماعات الإرهابية.

أما عن دوافع هذا التدخل، فلاشك أن المصالح الروسية تقف خلفها في المقام الأول، إضافة إلى الخطر الذي يمثله الإرهاب على روسيا التي تنشط فيها جماعات مرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي.
روسيا، وبعد خسارتها لحليفها النظام السابق في العراق؛ فإن موطيء قدمها الوحيد في المنطقة هي سوريا، التي تحتفظ فيها بقاعدة عسكرية، وترتبط معها بعلاقات تاريخية وطيدة.

ومع استعادة روسيا لعافيتها، وبعد سنوات من انهيار الإتحاد السوفيتي، وبعد أن نجحت في تطوير قدراتها العسكرية وإمكانياتها الإقتصادية؛ فهي تتطلع نحو لعب دور مؤثر في المنطقة والعالم. ولاشك أن مفتاح ذلك هو سوريا.

إن الصراع على هذا البلد بلغ أوجه، وهو جزء من صراع بين محورين أساسيين في المنطقة، وهما المحور الذي تقوده إيران ويضم فصائل المقاومة في المنطقة فضلا عن سوريا، والآخر المحور الذي تقوده أمريكا ظاهريا، ويضم السعودية ومعظم دول الخليج، إضافة إلى تركيا والأردن، فيما تتولى إسرائيل قيادته عمليا.

وبالرغم من أن روسيا ليست عضوا في أي من المحورين، ولكنها تجد نفسها أقرب للمحور الإيراني، ولأسباب متعددة، إحداها علاقتها التاريخية بسوريا، وتنافسها التقليدي مع أمريكا، كما أنها تتعرض لعقوبات مشابهة لتلك التي تتعرض لها، وذلك على خلفية الأوضاع في أوكرانيا. بالإضافة إلى خفض أسعار النفط الذي وجّه ضربة للإقتصاد الروسي، وإن كان المستهدف هو اقتصاد إيران وحلفائها في المنطقة.

ولذلك، فإن التدخل الروسي يأتي في المقام الأول من أجل تعزيز الوجود العسكري الروسي في المنطقة، وعدم استبعادها من أي محاولة لرسم خارطة جديدة في الشرق الاوسط. كما أنه ورقة تلوح بها روسيا بوجه الدول الغربية لرفع العقوبات المفروضة عليها، والتي ستتم مراجعتها في شهر ديسمبر المقبل.

هذا التدخل أعاد خلط الأوراق في المنطقة، وأربك المخططات المرسومة لسوريا، والتي يتم وضعها في كل من السعودية وتركيا وسط دعم أمريكي واضح. فتوقيت التدخل، وكما يشير مراقبون، جاء لإحباط مخطط يهدف إلى اقامة منطقة حظر للطيران في مناطق من سوريا في محاولة للسماح للفصائل المسلحة بمهاجمة دمشق وإسقاط النظام وارتكاب المجازر.

يمكن تفسير ردود الأفعال التي اعترت دول التحالف الستيني، فضلا عن داعمي الجماعات الإرهابية. فالعشرات من رجال الدين السعوديين المقربين من السلطات دعوا إلى الجهاد محذرين من تحول روسيا إلى افغانستان جديدة للروس. إن هؤلاء يخشون على تنظيم داعش الإرهابي الوليد الشرعي للمؤسسة الدينية السعودية التي أنجبت القاعدة وطالبان من قبل.

ومن المعلوم أنه لا توجد معارضة معتدلة سورية قوية على الأرض، بل إن الأرض التي تقع خارج سيطرة النظام؛ يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة وجيش ما يسمى بالفتح وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وأما ما يسمى بالجيش الحر فهو اليوم اسم بلا مسمى بعد انهياره والتحاق معظم أفراده بالجماعات الإرهابية.

ردود أفعال دول التحالف، تراوحت بين وصفه بالخطأ الفادح وبين التشكيك في جديته في محاربة داعش. فهناك إدّعاء من جانبها بأن القصف الروسي يستهدف المعارضة المعتدلة، وليس الجماعات الإرهابية. وهو ادعاء واهٍ، حيث لا توجد معارضة مسلحة معتدلة وأخرى غير معتدلة، فهذه الجماعات ارتكبت من المجازر قل نظيرها في التاريخ.

هذا التدخل أثار ردود أفعال إيجابية في كل من سوريا والعراق، اللتين اكتوتا بنار الإرهاب، وأصيبتا بخيبة أمل كبيرة من جدية التحالف الدولي الستيني في محاربة داعش. فالتحالف الأخير، ومنذ إنشائه تحت ذريعة القضاء على الإرهاب؛ لم ينجح في الحدّ من تمدّد داعش، وتحت ظلّ التحالف، سواء في العراق أم سوريا، وهو الوضع الذي يثير شكوكا كبيرة حول استخدام هذا التنظيم كوسيلة لإضعاف دول المنطقة وإغراقها في نار الحروب الأهلية، وبما يخدم مصالح الدول الكبرى وإسرائيل.

وبعد هذا المختصر، فهل يمكن التعويل على هذا التدخل لتغيير موازين الصراع في المنطقة لصالح القوى المناهضة للإرهاب؟ يبدو هذا أمرا مستبعدا، بل وليس من الحكمة التعويل عليه. فهذا التدخل آني وسينتهي حال تحقيق روسيا لأهدافها وفي طليعتها رفع العقوبات، وضمان إعطاء دور لنظام دمشق لرسم مستقبل سوريا عند أي تسوية مقبلة. ولكن يمكن للقوى المناهضة للإرهاب استثماره لتغيير دفة الصراع لصالحها، فهو يوفر فرصة تاريخية تفرض على هذه القوى،إعادة استجماع قواها من أجل خوض معركة مصيرية لدحر قوى الإرهاب، وإفشال كافة المخططات التي تستهدف المنطقة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى