مقالات

علي مشيمع الأجدر بجائزة (نوبل) للسلام

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي 

كاتب من البحرين

 

أنهى علي مشيمع، يوم الخميس 6 سبتمبر 2018من اليوم الـ(36) من الإضراب عن الطعام. مشيمع شاب عانى من الاضطهاد والاعتقال والتعذيب منذ أن كان طفلا. أذكر في تسعينيات القرن العشرين بأنني قرأت خبر اعتقاله وهو لم يتجاوز، كما أتذكر، سنّ 14 عاما. لم يتوقف مسلسل اعتقاله واضطهاده منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم. رُزق مشيمع قبل أشهر بمولودته البكر، زهراء. كان يُفترض أن يقضي الوقت معها ومع زوجته في هذه الفترة الهامة من حياته العائلية. ولكن الشّاب الذي يتذكره الذين كانوا في ميادين الألفية بالبحرين، قبل العام 2009م، اختار كعادته الطريق الصعب، ومن أجل الآخرين.

ربما كثيرون لا يعرف معنى أن تُضرب عن الطعام، لأكثر من شهر، وأن تبقى في العراء، وتنام في الشارع. لكن علي وجد أن كل حياته لا طعم لها وهو يسمع كل يوم صوت والده الآخذ في الذبول. والده السبعيني محروم من أبسط حقوق الحياة، داخل سجن لا يتناسب مع الحياة الآدمية أصلا. أخذ علي على عاتقه أن ينقل هذه المعاناة المستمرة منذ أكثر من 7 سنوات، وكما هو طبعه منذ أن كان طفلا، فلم يكن شاغل علي هو والده فقط، بل آلاف غيره من السجناء، وبعضهم يوشك على الموت بسبب أمراض خطيرة.

قد يكون البعض، أو الكثير، من الناس مشغولين بحياتهم، ومشاكلهم الشخصية. في البحرين لدينا ألف مشكلة ومشكلة، واستطاع آل خليفة أن يحاصروا كل فرد بمشاكل في كل مكان، في عمله وطعامه وشرابه وفي أبسط أشكال الحياة، ومشاكل في أهله وجماعته وحزبه. ولكن القليلين الذين لا تمنعهم هذه المشاكل عن الخروج عليها، والتفكير من غير السقوط فيها، والانعزال بداخلها. والغريب العجيب أن المثقفين وأصحاب النفوذ الأكاديمي، والحضور الاجتماعي، هم أكثر الذين تهربوا من مسؤولية حمل هموم المجتمع، ونقل معاناة العموم. وإذا فعلوا شيئا من ذلك فمن أجل إكمال “البريستيج”، والتمهيد للحصول على حظوة اجتماعية أو وجاهة من هنا أو هناك أو التمهيد للمشاركة في الانتخابات. وهناك من “المثقفين” لا يهمهم أصلا كل ذلك، ويحاول أن يبرر (أو يكذب) ويقول بأن المجتمع سيكون مستفيدا منه لو أنه انعزل على كتبه ومشاريعه الثقافية والفنية. وهذه خدعة ذاتية يوهم بها المثقف نفسه والآخرين.

علي مشيمع من الشباب الذين يستحقون أن يكونوا علامة من علامات البحرين، وأنا أراه – مع نفر آخرين من أقرانه وأصحابه – أجدر بأن نعرّف البحرين بهم، أكثر من هذا المثقف أو ذلك الأكاديمي، أو ذلك الفنان، الذين يعيشون في أوهامهم، أو في تبريراتهم، أو في جُبنهم المستتر. لماذا علي أفضل من كل هؤلاء؟ لأن علي نجح “شخصيا” في إثبات نفسه إنسانا مناضلا لا يلتوي، ولا يحركه الخوف، أو يغيره الطمع الشخصي أو الإغراءات. استطاع علي أن يجعل قضية الآلاف من المنسيين في سجون البحرين؛ حاضرة ومشاهدة يوميا في شوارع لندن، وصحفها، وإعلامها، ونخبها، ومنظماتها، ومنها إلى كتّاب العالم وأدبائه. بآلامه. وبتضحيته الشخصية والعائلية عرّف علي العالم بآلام الآخرين، ومعاناتهم، والأهم من ذلك هو أنه باختياره الأسلوب الصعب نجحَ في كشف الديكتاتور أكثر، وتعريته كاملا، هو ومن يدعمه ويسنده.

يستحق علي مشيمع التكريم، من شعبه ومن العالم. وهو جدير بأن يكون شبيها بمانديلا، مثله مثل آخرين من المستحقين لهذا الوصف – وغير المستحقين – الذين اعتاد البعض على ذكرهم في كل دعاية ومناسبة. علي مشيمع هو الأجدر بأن ينال جائزة (نوبل) للسلام، لأن ما فعله يفوق ما فعله بعض الذين نالوا هذه الجائزة.

في أكتوبر من كل عام يتم التجهييز لجوائز (نوبل)، وأنا لا أحب الاقتراحات، وخاصة للمعارضة والنشطاء، ولكني أكسر القاعدة هذه المرة، واقترح على منْ لديه الهم والهمة والعزم والعزيمة والصدق والمصدافية، أن يتبنى حملة واسعة من الآن في أوساط هذه الجائزة العالمية، للتعريف بعلي مشيمع ونضاله وإضرابه، وأن يتم ترشيحه لهذه الجائزة، ولو بشكل إعلامي ورمزي في أجواء الترشيحات التي تسبق عادة الإعلان الرسمي عن الفائزين. ترشيح مشيمع لهذه الجائزة هو رسالة تقدير لعمل يقوم به هذا الشاب مما لم يفعله كثيرون منا، أو حتى تهرب عن فعله. وهو تثمين لآلامه التي ترهق جسده وتهدد حياته، في سبيل أن تزول آلام غيره وينجو الآخرين من الموت في غياهب السجون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى