حكايات الضحايا

الأستاذ أحمد ميرزا البلادي: هندسة الموت.. ومعاناة الألم في سجن جو

 

البحرين اليوم – (حكايات الضحايا)

بجسده النحيل وصفار لونه نتيجة حدة مرض السكلر – فقر الدم المنجلي – يقف مدرس العلوم الأستاذ أحمد ميرزا البلادي أمام جلاديه وجلاوزة سجن جو المركزي شامخا صلبا عنيدا، مصرا على أن قضية معاناته مع المرض وألمه الدائم الذي تتسبب إدارة السجن في مضاعفته؛ لا يعد شيئا أمام قضية أبناء شعبه وعدالة مطالبهم الساعية للتغيير الحقيقي.

أحمد ميرزا، من مواليد بلدة البلاد القديم سنة ١٩٨٤م. درس في مدراس البحرين، وتخرج معلما للعلوم من جامعة البحرين. امتازت طفولته بالذكاء الحاد والقدرة على الابتكار، حتى وصفه بعض مدرسيه بأنه “عقلية متوقدة”. وقبل ذلك، اتسم سلوك أحمد البلادي بعلاقة وطيدة ومتميزة مع والديه، وبالأخص مع والدته وأخوته حيث يوصف دائما بالحنون على أمه وعلى اخوته.

يحبه أهل قريته كثيرا، ويمتلك مكانة كبيرة في قلوب من يتعرف عليه أو يسمع بخصائصه وسلوكه.

في مراحل مبكرة من عمره؛ عمق أحمد ميرزا علاقته الروحية مع الله تعالي وأهل البيت، حتى صار عاشقا لأهل البيت وخدمتهم، ولم يكن هذا الارتباط الروحي أجوفا وبعيدا عن حقيقة العبودية والطاعة، فجسّد معالم الارتباط بسلوك عملي، وقوة في الموقف الاجتماعي والسياسي، فسبْحته الحسينية لا تفارق يديه، وقد اندك في معانيها، يبحث عن ساحات الشهادة، ليكون فيها ويأسف جدا ويحزن كلما ضاقت عليه السبل ولا يجد ما يحقق به هدفه.

رغم شظف العيش وقلة الحيلة، واصل أحمد البلادي دراسته الجامعية دون أن يتخلى عن مبادئه السياسية والاجتماعية، فتخرج معلما ومدرسا يحمل رسالة تعليم أبناء شعبه أصول المعرفة ويزرع في طلبته دوافع الرقي والايمان. فأحبه طلبته وتمنى آخرون أن يكون معلما لهم في مدرستهم لما عُرف منه من إخلاص وتشويق في تقديم دروسه.

تعرض أحمد للاعتقال في بدايات فرض الأحكام العرفية وناله من التعذيب والسجن ما ناله رفاقه في الدرب، ويصف منْ كان معه في السجن إصرار أحمد على عدم إبداء الضعف والوهن رغم تدهور حالته الصحية وعدم مراعاة وضعه الصحي ومرضه المزمن من قبل السجانين، إلا أن أحمد ظل يعاند ويقاوم كل أوامر السجن والمعتقل. وبعد أربعة أشهر أطلق سراحه، فواصل عمله النضالي مشاركا وفاعلا في تقصى أحوال أسر المعتقلين والشهداء والتخفيف عن معاناتهم.

 

الاعتقال والتعذيب

بعد إطلاق سراحه؛ واصل الأستاذ احمد نشاطه السياسي والاجتماعي دون اكتراث لتهديدات السلطات الأمنية، وهو ما جعله محل استهداف مباشر وعرضة للانتقام بسبب نشاطه مرة ومن قرابته بأخيه غير الشقيق الشيخ علي سلمان مرة أخرى. في سبتمبر ٢٠١٣؛ داهمت القوات الأمنية منزل والده في بلاد القديم لاعتقاله، لكنه لم يكن موجودا، وظلت المداهمات تتكرر طوال أسبوعين دون جدوى، إلى أن تم اعتقاله من مكان عمله في مدرسة عيسى بن علي الثانوية، حيث حاصرته قوات أمنية مدنية وقت انصرافه من الدوام بدون أمر قبض قضائي، ونُقل إلى مبنى التحقيقات، سيء الصيت، حيث تعرض لأنواع عديدة من التعذيب، منها الضرب والصعق بالكهرباء والتحرش الجنسي، وظل عدة أيام منقطعا عن التواصل مع العالم الخارجي، مجبورا على الوقوف على قدميه.

وأثناء التحقيق معه كان المحقق يقول له: “لن ينفعك أحد هنا وإننا جهزنا قضيتك ليكون حكمك بعشر سنوات وأكثر..”. أما القضية التي لُفقت ضده فكانت متهافتة جدا، وهي قضية تفجير سيارة بعبوة غاز قرب مركز شرطة الخميس، في الوقت الذي كان فيه مسافرا مع زوجته للعلاج. ورغم كثرة الأدلة التي تؤكد عدم صلة أحمد بالقضية، وعدم اعتراف أي من الأطراف المتهمة بالقضية على أحمد بالاشتراك المعنوي أو المباشر فيها؛ إلا أن القضاء المسيس قرر أن يصدر حكما عليه بالسجن عشر سنوات بعد حوالي سنتين من الاعتقال والتعذيب. يقول الأستاذ احمد في وصف معاناته مع إدارة سجن جو – وبعد أن صدرت عليه تلك الاحكام المجحفة: “إن هناك هندسة محددة سلفا لتعميق المعاناة والألم والانتقام، لكننا نقاوم كل ذلك لأننا نرفض أن نموت أذلاء، فكرامتنا وحريتنا قادمة، ولن نبيعها بثمن بخس”. ويضيف: “إن دماء الشهداء أمانة في أعناقنا سواء كنا داخل السجن أو خارجه”.

بعد صدور هذا الحكم؛ بدأت مرحلة التعذيب الجديدة وغير المرئية والتي يعاني منها أغلب سجناء جو وسائر المعتقلين، وهي الإهمال الطبي وتعمُّد توفير ظروف مضاعفة الأمراض، خصوصا لذوي الأمراض المزمنة، فكانت إدارة جو تمتنع عن توفير الدواء المناسب لحالته الصحية (مرض السكلر)، وتتعمد أن يكون في ظروف مرهقة، مثل السجن الانفرادي بين فترة وأخرى، لمعاقبته على مقاومة سوء المعاملة. وكان كلما طلب الذهاب للمستشفى يتعرض للضرب والتوقيع الإجباري على أنه يرفض العلاج، في حين أنه كان يقاوم سوء المعاملة ليفرض على السجانين معاملته بالأحسن.

نتيجة للإهمال الطبي المتعمد وعدم صرف الأدوية المناسبة؛ أصيب أحمد بأمراض أخرى، منها احتياجه لاستئصال المرارة وضرورة إجراء عملية جراحية له في هذا الشأن منذ عامين، إلا أن إدارة سجن جو لم تسمح له بمواصلة مواعيده مع الطبيب المتابع، ومنعت عنه الأدوية التي وُصفت له. مؤخرا، بدأت عليه أعراض جديدة في المفاصل والركبة تحديدا، حيث لم يعد قادرا على ثني ركبته أو تحريكها بوضع طبيعي. وتدعي إدارة السجن أنها لم تمنع عملية تلقيه العلاج، إلا ان الصحيح في الموضوع أن تلك الإدارة السيئة لا تسمح له بالذهاب للمستشفى إلا عندما يصل لمرحلة الخطر المحدق بموته.

ويتذكر أقرباه آخر مرة أُخذ فيها للمستشفى، حيث كان مضربا عن الطعام رغم تدهور حالته الصحية ونزول دمه لأقل من ٦ درجات، لكنه كان مصرا على مواصلة إضرابه عن الطعام حتى يتم فتح تحقيق مع الضباط الذين كانوا يضربونه ويجبرونه على توقيع أوراق تفيد بامتناعه عن تلقي العلاج. وعندما يصل المستشفى كان يُمنع على أهله زيارته، ويقول لهم الحراس أن أحمد يستحق الموت، وأنهم يعملون على يكون موته طبيعيا من مرضه السكلر.

ويصف أقراباه وضعه الصحي بأنه في حالة انتكاسة دائمة، لدرجة أن نسبة الصفرة ” البيوربين” تصل لمعدلات قاتلة بسبب تأثيرها على الكبد والطحال وتعرضه لدخول غيبوبة وتدهور في الوظائف الحيوية. بالإضافة لتدهور صحة أسنانه والنظر والسمع، نتيجة الضرب المتواصل والمبرح.

حال الأستاذ أحمد البلادي هي حال كثير من المعتقلين الآخرين الذين تتعمد إدارة سجن جو حرمانهم من العلاج، وتقلي الدواء المناسب لهم وتمنع عليهم الزيارات المنتظمة للطبيب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى