المنامةتقارير

البحرين اليوم تكشف عن شهادات تؤكد ضلوع ناصر بن حمد في تعذيب الشهيد كريم فخراوي حتى الموت

البحرين اليوم-خاص

تمر بعد يومين الذكرى التاسعة لجريمة اغتيال الشهيد الحاج كريم فخراوي، والذي اعتقلته السلطات الخليفية في يوم 5 أبريل 2011، وسلمته بعد أيام جثة هامدة مبضعة بسياط الجلادين. ليس ذلك فحسب وإنما توعدت من يلتقط له صورا بالويل والثبور، لتخفي الجريمة وتمحي الأثر، لكن ذلك التهديد لم يجدي نفعًا، وأبى بعض الشبان إلا أن يلتقطوا صورا لجسد الشهيد الطاهر، وهو ممدد على المغتسل لتكون شاهدا ودليلا فاضحا وواضحا وكافيا للعدالة في اليوم الموعود.

بطريقة ما حصلت (البحرين اليوم) على معلومات تروي تفاصيل مروعة لرحلة العذاب التي عاشها الشهيد كريم فخراوي إلى أن صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية. نذكر هنا جانبا منها ونتحفظ على جزء آخر لحين الوقت المناسب. ونضع تلك المعلومات بيد القارىء والباحث والمدافع عن حقوق الإنسان ليتحرى ويتحقق، مستثنين أجهزة القضاء الخليفي وكل فروعه، إذ أنها مؤسسات أنشأت وتم هندستها لتجريم الضحايا والدفاع عن المجرمين.

الشاهد الجلاد عبد الله البلوشي:

ولا بأس هنا أن نورد اسم الراوي والشاهد مع معلومات عامة عنه، فهو لم يتحدث لـ (البحرين اليوم) مباشرة، وإنما سرد الوقائع إلى مقربين وانفتح الباب على مصراعيه لمعلومات ذات صلة، وخطوط متشابكة لمجموعات “يحسبون كل صيحة عليهم”.

شخص يدعى عبد الله عبد القادر البلوشي، أصوله تنحدر من بلوشستان، لكنه يحمل جنسية البحرين، حاله كحال ألآف المرتزقة. 

التحق البلوشي بوزارة الداخلية في العام 1994، وتحديدًا في قسم الحراسات الخاص بحماية البوابات. في العام 2005 تم ضمه إلى”جهاز الأمن الوطني” وأصبح كاتبًا للمحاضر، وفيما بعد مساعدًا للعقيد عيسى صالح حسان النعيمي في التحقيق ” التعذيب”، أما النعيمي فهو ضابط مغرور، مشهور بطائفيته، وقذارة لسانه، وسجله الحافل في التعذيب، نُزعت من قلبه الرحمه، وانسلخ من القيم الإنسانية ليتطبع بالحيوانات بل هو أضل سبيلا.

يقول عبد الله البلوشي في روايته، بعد إعلان “السلامة الوطنية” في البحرين، صدرت أوامر لجهاز الأمن الوطني لاعتقال “المدعو” كريم فخراوي. وقد تم تنفيذ الأمر، حيث قام قسم العمليات بهذا الجهاز بمباشرة الإعتقال والتحفظ عليه.

وللعلم بأن هناك عدة أقسام قد باشرت عملية التحقيق معه، منها قسم العمليات، والقسم الخاص بمراقبة السفارة الإيرانية، إلى جانب قسم مراقبة الهواتف.

تم تسليم أمر التحقيق مع كريم فخراوي للعقيد النعيمي، وبما أنني (عبد الله عبد القادر البلوشي) كنت الكاتب الرسمي والمباشر في التحقيق فقد بدأنا وافتتحنا ذلك بأسئلة تدور بالدقة حول محورين أساسيين:

1- حول العلاقة العامة والارتباط الفعلي مع إيران.

2- حول أساس علاقته مع جمعية الوفاق.

 كان ذلك في مبنى جهاز الأمن الوطني وتحديداً في البناية الجديدة، وهو المكان الذي تم فيه تعذيبه تعذيباً ممنهجاً للاعتراف بذلك، إلا أنه أنكر كافة الإرتباطات بإيران وبجمعية الوفاق أيضا، وهو يؤكد: “إنني رجل أعمال فقط، وبحكم عملي فإن كافة ما أقوم به له علاقة بالعمل، كما وإن لديكم جهاز استخبارات دقيق بإمكانكم التأكد من حقيقة ما أقول، حيث إن كل ما أقوم به أمر طبيعي …

في بداية الأمر كان (الشهيد كريم فخراوي) جالساً أثناء التحقيق على كرسي، ويحيطه مجموعة من الضباط وأفراد من الأمن الوطني في جلسة التحقيق.

ابتدأ التعذيب برفسة في صدر الشهيد:

وجه العقيد النعيمي اتهامه لفخراوي قائلا: أنت الوسيط المباشر بين إيران وجمعية الوفاق.

 أنكر حينها (الشهيد) الإتهام وبقوة، فبادره النعيمي برفسة شديدة في صدره، كادت أن تخرج روحه في ساعتها.

ثم قال النعيمي وبكل برود: يستاهل مثل الكلب.

وفيما كان فخراوي مصرا على أقواله وهو يؤكد: لا يوجد شيء أخفيه عليكم ولديكم كافة الوسائل للتحقق من ذلك.

أدار النعيمي نظره لي، وقال “سأخرج وأعود وعليك بتأديبه حتى يعترف”. 

كان لدى كريم فخراوي شعر كثيف وناعم، وقد أمسكته وضربته بقوة لأرطمه بالطاولة..

ارتفع صراخ فخراوي، وأنا مستمرٌ في تعذيبه، ولم أتوقف إلى أن عاد النعيمي وسألني: هل اعترف؟!

قلت له: لا يا سيدي إنه يكابر. 

صرخ النعيمي في وجه فخراوي عالياً : إن لم تعترف الآن سنقوم بإحضار زوجتك وبناتك وسنرى تعترف أم لا!

حينها سالت دموع فخراوي على وجنتيه وكان يبكي بحرقة.. والنعيمي يواصل تهديده مؤكدا: اسمع.. عندنا أوامر بالحصول على اعترافاتك حتى لو أدى ذلك إلى قتلك. 

ومن أكثر الأشياء التي تميز النعيمي هو كرهه الواضح للشيعة، ولمراجعهم وطقوسهم، وعلى الدوام في جلسات التحقيق والتعذيب يسبهم ويشتمهم، وينال منهم، وكنت أشاطره لأنهم يستحقون كل ذلك

بعد وجبة دسمة من التعذيب أمرني النعيمي بإرجاعه إلى الزنزانة.

كانت زنزانة فخراوي في المبني الجديد وتحديداً تحت الأرض، وقد وضع في مصباحها كاميرة صغيرة جداً لمراقبة كل تحركاته فيها، مع وضع حراس من قوات الكمندوز، خارج الزنزانة كلهم من الأصول الباكستانية ذوي البنية القوية، وأجسادهم ضخمة مفتولي العضلات، وهؤلاء يتم استخدامهم للتعذيب بأشكال المتنوعة.

قمت بإرجاع فخراوي إلى الزنزانة ودفعته بقوة إلى داخلها وقلت للحراس “اشتغلوا عليه ولا تخلونه يرتاح”.

قام الحراس بواجبهم بتعذيبه وضربه بالهراوات على ظهره وهو واقف وصراخه يعلو، إلى أن جثى على ركبتيه من شدة الضرب، وتوقف التعذيب قليلا.

في تلك الأثناء جاء فريق تحقيق من قسم آخر يريدون أخذه، وبما أنني الموكل على تعذيبه والتحقيق معه بأمر العقيد النعيمي قلت لهم: أين ستأخذوه؟! يكفي أن حاله مشرف على الهلاك والموت.. ثم تركوه وخرجوا. 

الشهيد فخراوي في مواجهة ناصر بن حمد:

آثار التعذيب في جسد الشهيد كريم فخراوي

كنا نراقبه عبر الكاميرة فلاحظناه قد جلس في إحدى زوايا الزنزانة جلسة المصلي يتمتم بشفتيه.

جاء موعد تقديم الطعام له بعد ما يقارب ساعتين، إلا أنه لم يتناول طعامه، واكتفى بشرب قليل من الماء.

عند الساعة الرابعة عصراً لاحظت أمراً غريباً في المبنى حيث اجتمع عدد من الضباط والمدراء وهم في وضعية الترقب لاستقبال مسؤول رفيع المستوى. في تلك الأجواء كنت أتساءل مع نفسي ماذا يحدث؟! هل أن الملك سيحضر؟ أخذت أدقق أكثر حتى لاحظت دخول سيارات رباعية الدفع داخل جهاز الأمن الوطني، وكنت حينها في غرفة المراقبة، فلمحت نزول ابن الملك ناصر بن حمد مع حراسه. وللعلم فإن ناصر بن حمد هو المدير المباشر للإدارة الفعلية لجهاز الأمن الوطني، وقد كان بمعيته كل من العميد محمد هزيم والعميد أحمد بو زيد والعقيد النعيمي وغيرهم.

أثناء تفقده لسير التحقيقات اقترب ناصر بن حمد من زنزانة كريم فخراوي ورمق ببصره نحو فتحة الباب. بعد ذلك تم تقييد فخراوي من الخلف، ووضع عصابة على عينيه ..

دخل ناصر بن حمد على فخراوي في زنزانته وسأله: هل تريد إسقاط النظام؟ 

ردّ فخراوي بكل “وقاحة”: سينتصر الدم على السيف.

استشاط ناصر بن حمد غضبا وخرج من الزنزانة على الفور، وقال للضباط: سأصعد إلى الأعلى وأريد صوت صراخه يصل إليّ.

دخل عليه حينها الضباط وليس الحراس، واحتوشوه وقاموا بتعذيبه بشتى الوسائل، وهو خائر القوى متعب ومنهك من التعذيب السابق. وقد سالت الدماء على بدنه وظهره وتلطخت ملابسه، و أنا أقول في نفسي: يستاهل أكثر.

الساعات الأخيرة:

أتينا إليه في اليوم التالي علّه يرضخ ويقدم اعترافاته، سأله العقيد النعيمي: هل ستعترف أم لا؟! 

لم يتكلم ولا بحرف واحد، وفضّل السكوت التام ..

توعده النعيمي مرة أخرى بإحضار عائلته وبالخصوص زوجته وبناته، إلا أن فخراوي أبى إلا أن يكمل سكوته وصمته، ليكون فيه جواب الرفض على الاعتراف

أمرنا بعد ذلك باستئناف تعذيبه.. كانت الساعة حينها تقترب من الواحدة فجراً.. فابتدأنا بتعذيبه ساعتين متواصلتين لغاية الساعة الثالثة فجراً..

كان التعذيب متعدد الأشكال بالهروات والركل والضرب المتواصل ناهيك عن الصعق بالكهرباء، وغير ذلك، ولم يتوقف التعذيب حتى غاب صوته ولفظ أنفاسه.

ورغم أن غالبية المعذبين من “البحرينيين” من ضباط وأفراد، إلا أنهم بعد مقتل فخراوي ألصقوا التهمة بالحراس بعد أن أعطوهم تطمينات بأنهم سيحاكمون وسيتم الإفراج عنهم لاحقا مع مكافأت مجزية، وهو بالفعل ما حصل بعد ذلك.

كان ذلك مختصر رواية الجلاد عبد الله عبد القادر البلوشي، وكان يرويها متفاخرا لبعض المقربين، وهو يصور مساهمته في التعذيب بطولة تستحق الإشادة، ذلك لأن نجل الحاكم الخليفي ناصر بن حمد نفسه قد بارك عملية التعذيب، فتسابق الجلاوزة ليجدوا لهم حظوة وكل يحدث نفسه “إشهدوا لي عند الأمير”.

ومما لا شك فيه وباعتراف النظام الخليفي نفسه بعد قبوله بتقرير بسيوني، أن قصص التعذيب التي أدت إلى الوفاة وغيرها كانت تتم بشكل ممنهج، يكشف عن كمية الغل والحقد الذي طبع في قلوب الخليفيين. وهي شهادة من عشرات الشهادات التي تختصر معاناة البحرانيين في ظل حكم عصابة لم تتورع عن ارتكاب الفظائع البشعة، والتي من بينها اغتصاب النساء، وهدم المساجد، والتفنن في استخدام كل وسائل الخسة والدناءة ضد من يعارض حكمهم أو يبدي رأيا مخالفا لتوجهاتهم.

وإذا كان نجل حمد الخليفة نفسه يباشر التعذيب أو يباركه، فذلك لوحده دليل على أن إصلاح النظام الخليفي إنما هو “كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى