ساهر عريبيمقالات

الحرية حق.. وليست منّة

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: ساهر عريبي

إعلامي عراقي مقيم في لندن

أكدت الشرائع السماوية والمواثيق الدولة على قدسية حرية الإنسان وعلى حمايته من مختلف صنوف الاعتقال وسلب الحرية التعسفي، حتى أصبح هذا الحق حجر الزاوية في إقامة العدل في أي مجتمع كان، سواء أكان ذلك المجتمع إسلامي أو غير إسلامي. فالشريعة الإسلامية لم يرد فيها حكم يقضي بسلب حرية شخص ما لارتكابه جرم معين، لأن الجرائم كانت مشخصة وأحكامها معروفة مثل السرقة والزنا والقتل وغيرها ممن فصّلت الشريعة طرق إثباتها والعقوبات المترتبة عليها، ولذلك فلم يكن هناك سجن في زمن الرسول الأكرم أو في زمن الخليفة الأول.

وبحسب ما ورد في كتب التاريخ؛ فإن الخليفة الثاني كان أول من أسس سجنا، وفق ما ذكر ابن همان في كتاب “شرح فتح الغدير” المصنف في الفقه الحنفي، وورد فيه أن الـسـجـن لم يكن مـوجودا في زمن الرسول الأكرم ولا زمن خلافة أبي بكر، بل كان المجرمون يحجزون في المسجد أو في دهليز المنازل، حتى جاء عمر بن الخطاب فاشترى بيتا في مكة خلف دار الندوة من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم واتخذه سجناً دائماً.

وأما على صعيد الشرايع الوضعية؛ فإن حرية الفرد تمثل أحد الأركان الأساسية في النظام الديمقراطي، حيث يمنع الإعتقال والإحتجاز التعسفي وبلا وجود أدلة على خرق القانون. وقد نصّت المادة التاسعه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه (لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً) فيما أكدت المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسيه على أن (لكل فرد الحق في الحرية والسلامة و الشخصية ولايجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه).

وأما الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان فقد نصت في الفقرة الأولى من المادة الخامسة على أن لكل إنسان الحق في الحرية والأمن، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلاوفقاً للطرق القانونية.

لكن العديد من الأنظمة الدكتاتورية في العالم لم تراع حرمة هذا الحق الإلهي الذي منحه للإنسان، بل إنها أمعنت في سلبه بلا ارتكاب أي جرم يستحق تلك العقوبة. وأما المفارقة في ذلك فهي قبول العديد من تلك الأنظمة لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهد المدني للحقوق المدينة والسياسية.

أحد تلك الأنظمة في عالم اليوم هو النظام الحاكم في البحرين الذي زجّ بأكثر من أربعة آلاف بحراني في السجون، لا لذنب ارتكبوه سوى ممارسة معظمهم لحقوقهم الأساسية التي ضمنتها الشرايع السماوية والمواثيق الدولية، وأهمها حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات. حتى أصبحت البحرين أكبر بلد عربي من حيث نسبة السجناء إلى عدد السكان.

وقد وثقت المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بالإضافة إلى خبراء الأمم المتحدة للعديد من حالات الإعتقال التعسفي في البحرين، وكانت آخرها منظمة العفو الدولية البحرين التي وصفت سجن الحقوقي البحراني نبيل رجب بالإعتداء المشين على حرية التعبير. والأمر ينطبق على قادة ورموز ثورة الرابع عشر من فبراير الذي اعتبرتهم سجناء ضمير.

ولم تكتف السلطات بسلب هؤلاء الأبرياء حريتهم؛ بل عرّضتهم لشتى صنوف التعذيب التي حرمتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وأصدرت عليهم أحكاما مطوّلة بالسجن وفقا لإعترافات أُنتزعت تحت التعذيب.

لقد ترك سلب حرية هؤلاء المعتقلين آثارا سلبية على مستقبلهم وعلى عوائلهم بشكل سبّب معاناة كبيرة بشكل غير مسبوق في تاريخ البحرين الحديث، في وقت صمّ فيه النظام آذانه عن النداءات المحلية والدولية التي تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين وخاصة الذين يعانون من متاعب صحية، ومنهم الحقوقي البحراني عبدالهادي الخواجة الذي دعت الدنمارك سلطات البحرين مرارا وتكرا لإطلاق سراحه، وكذلك الأستاذين حسن مشيمع وعبدالوهاب حسين والحقوقي نبيل رجب وإلياس الملا وآخرين.

واليوم وبعد مرور سبع سنوات على إندلاع الحراك الشعبي في البحرين – والذي فشلت السلطات في القضاء عليه أو في طي صفحته – تحاول السلطات الحاكمة في البحرين أن تمن على البحرانيين بإطلاق سراح أبنائهم الذين سُلبت حريتهم بغير وجه حق وفقا لقرارات محاكمها التي تفتقر للحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة بحسب تقييم المنظمات الحقوقية الدولية.

والأنكى من ذلك أن السلطات تروج لهذه المنّة عبر أشخاص سعيا منها لتسويقهم شعبيا لأهداف لا تخفى على كل متابع، وفي مقدمتها الترويج للإنتخابات النيابية المقبلة في هذا العام، التي تسعى السلطات عبر التحشيد للمشاركة الشعبية فيها إلى إضفاء الشرعية على نظام حكمها الفاقد للشرعية أصلا. وقد انجرّ البعض إلى هذا الفخاخ تحت يافطة إنهاء معاناة السجناء وأهاليهم، فيما رأى فيها البعض الآخر فرصة لركوب الموجة لتحقيق اهداف شخصية ولتلميع صورة النظام.

إن حل هذا الملف الشائك لن يتم عبر المنّ على المعتقلين وعلى عوائلهم بالعفو عنهم وإطلاق سراحهم، لأنهم لم يرتكبوا جرما يستحق هذه العقوبات، بل عبر المبادرة إلى إطلاق سراحهم وتقديم كافة التعويضات اللازمة لهم جرّاء الأضرار الشديدة التي لحقت بهم وبعوائلهم، وتقديم كافة المعذّبين وجميع من أصدر أوامر القاء القبض التعسفية ومن أصدر تلك الأحكام الجائرة؛ إلى العدالة، لأن كرامة الإنسان وحريته أعظم من جميع هؤلاء الذين انتهكوها ومهما كانت مناصبهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى