ما وراء الخبر

الخليج وإيران: كعصفٍ مأكول

 

البحرين اليوم – (متابعات)

لم يعد مجديا الحديث، منذ يونيو ٢٠١٧م، عن منظومة مجلس التعاون الخليجي، فهذه المنظومة باتت تنتظر الوقت المناسب لإعلان الوفاة رسميا مع دخولها الموت السريري منذ أكثر من عام، إلا أن الأحداث الدراماتيكية المتسارعة التي تسبق هذا الإعلان “المحمود” والمنتظر؛ تشير إلى أن دول الخليج المنضوية في هذا المجلس آخذة في الانحدار السياسي وفي تشطي علاقاتها التي كانت في يوم من الأيام يُنظر إليها باعتبارها “نموذجا” في التعاون الإستراتيجي والتشابك الوثيق. وإذا كانت دولة قطر بدأت منذ مدة تعتاد التعايش مع وضعها الجديد خارج هذه المنظومة، فإن بقية الدول الخليجية، وتحديدا الكويت وسلطنة عُمان، ليست بعيدة عن خطوط التماس القريبة من لحظة التباعُد، وربما الانفجار الحتمي في وجه الحلف السعودي الذي يريد تأكيد هيمنته على القرار الخليجي، وبمؤازرة صريحة من إسرائيل والولايات المتحدة. وليس ما يُقال عن غضب أمريكي ضد الكويت بسبب موقفها من الملف الفلسطيني، ببعيد عن الدفع الإسرائيلي لآل لسعود لإضافة الكويت ثانيةً في سياسة العزل والقطيعة، فيما الحال نفسه مع سلطنة عُمان سيكون مرشحاً في أي وقت، وبانتظار “القشة الأخيرة” فوق مسرح التغاير، والتباعد، المعروف بين مسقط والحلف السعودي، وخصوصا في العلاقة مع إيران والتوجهات الإقليمية والدولية الأخرى.

جاء إعلان المجلس الثنائي المشترك في ٦ يونيو ٢٠١٨م بين السعودية والإمارات ليكون تأسيسا على التحولات الجذرية الجارية على ضفاف مجلس التعاون الخليجي، وكان بمثابة “الاحتفال” بمرور عام على “الحرب” المفتوحة على دولة قطر، حيث تأكَّد أن الثنائي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يتوليان المهمة الأمريكية/ الإسرائيلية الأكبر في استيلاد المولود الجديد المرشَّح أن يخلف مجلس التعاون، فيما شكّل غياب النظام الخليفي عن المجلس المذكور تكريساً لوضعية الاستلحاق التي فُرضت على الخليفيين بعد أن آثروا أن يكونوا تابعين بالمطلق لرافعة المساعدات السعودية والإماراتية، والتي استتبعت تدخلات عميقة في خارطة البحرين المحلية وسياساتها الخارجية، وعلى النحو الذي جعل الإماراتيين يخوضون سيناريوهات عديدة في إعادة رسم تشكيلة الحكم الخليفي، وذلك في السياق الذي كشفه مصدر دبلوماسي لموقع “ميدل إيست آي” مؤخرا بشأن المسعى الإماراتي لإثارة “الإضطرابات” داخل البحرين، وهذه المرة في صُلب التركيبة الخليفية، بإزاحة رئيس الوزراء الخليفي خليفة سلمان وإحلال الطريق أمام الأذرع الخليفية التي أسهمت، بتبعية مطلقة، في تسليم البحرين للمشروع الإماراتي/ السعودي.

 

إيران.. وقطر

 

من جانبها، تواصل قطر سلوكها المفضّل في المناوشة ضد الحلف السعودي الإماراتي، وهي تسعى في كل مرة لأن تُظهر قدرتها على اختراق الحصار المفروض عليها، وتختار أن تتقدّم بين وقت وآخر في اجتراح خطوات التحدي، وفي سلوكٍ استعلائي متعدد الوجوه ترنو منه إحراق خطوط الرجعة باتجاه المربع السعودي، كما يبدو مثلا مع الدعوى القطرية المرفوعة في ١١ يونيو ٢٠١٨م ضد الإمارات أمام المحكمة الدولية استنادا على التداعيات غير الإنسانية التي تسببت بها المقاطعة المفروضة على الدوحة. وبالتوازي، وجدت الأخيرة أنها مضطرة، وفق التكتيك السياسي على الأقل، للإنفتاح الأوسع مع إيران واعتبارها “شقيقة” أكثر وفاءا من بعض دول الخليج العربية، وهو أمر تُدرك الجمهورية الإسلامية أنه موقف ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، ولكن مع الحذر الهاديء، ولاسيما في ظل الانكشاف المتسارع للمشروع السعودي في استعداء إيران، وعدم مبالاة الرياض في الإفصاح عن وقوفها وراء كل المشاريع العدائية ضد طهران، وتحديدا تلك التي تُطبخ في تل أبيب وواشنطن، وبالمحددات التي يرى الإسرائيليون والأمريكيون أن آل سعود هم أفضل من يغذّيها بالشحنات المذهبية، والدموية، في الوقت نفسه.

في المحصلة، فإن عاما كاملا من الانشقاق داخل البيت الخليجي أظهر إيران أنها الأذكى من كلّ الأعراب والمشيخيات القبائلية، وقد تتابعت عند أبواب طهران غنائم سياسية وإستراتيجية هامة على صعيد تثبيت رسوخها القيادي في المنطقة، وتأكيد براعتها في العبور الآمن والمنجِز بين الألغام والأشراك السعودية والإسرائيلية، فضلا عن كون الإيرانيين استراحوا – في حدود كثيرة – من ذلك الثقل الذي أرهق كاهلهم طيلة سنوات ماضية وهم يحسبون ألف حساب لكيلا يتفجّر الإقليم مذهبيا وللحيلولة دون استغلال السعوديين للتوترات السياسية في تأجيج الموروثات الطائفية المقيتة. فبعد الاصطفاف الجديد الذي وُلد مع أزمة الخليج، وانكشاف الهوى الإسرائيلي الكبير في أفئدة آل سعود، واستطاعة محور المقاومة الولوج المتتابع في الانتصارات الميدانية رفقة التمسُّك بالمباديء العليا التي تتعلق بقضية فلسطين والوحدة بين المسلمين.. فإن المحور الإيراني يكون قد أتمّ فقرات العمود الفقري المعوَّل عليه في صدّ المشروع الأمريكي/ الإسرائيلي في المنطقة، وفي إجبار الأدوات الخليجية المستعملة لهذا المشروع، وتحديدا السعودية والإمارات، لأن تخلع عنها الأقنعة والخطابات التأويلية، وتُفصح بوضوح تمركزها في لبّ هذا المشروع، وأنها على استعداد لمحو كل الثوابت في سبيل تحقيق أهدافه التدميرية.

 

آل خليفة.. العبيد المناكيد

 

أما آل خليفة، فقد خرجوا من كل أشغال العمالة والاستلحاق بنتيجة مخزية، حيث أضحوا بامتياز “عبيدا مناكيد”، بعد أن كانوا “أنجاسا” وهم يعبرون عن فشلهم المستفحل بالإمعان البشع، وغير المعقول، في إجراءات القمع والاضطهاد ضد المواطنين والمعارضين، وبالمزيد من تأدية “أعمال السخرة” لصالح الحلف السعودي، وهم بهذه الوضعية سيكونون في مهبّ الريح أمام المتغيرات الجذرية التي تُنذر بها تحولات الإقليم والعالم، وهي وضعية يُفترض أن تهيء الأرضية المناسبة للمعارضة البحرانية، بقواها الشعبية والسياسية، وعلى قاعدة التشبث بالثورة ومنطلقاتها الأصيلة.

ويمكن رصد وضعية آل خليفة، سياسيا، بأنهم في طور “الإنفلات المزمن”، لجهة العجز عن بناء وضع جديد في الداخل يكون مريحا لبنية الاستبداد والقمع القائمة، وهو عجز له صلة مباشرة بالمآل الذي وجد الخليفيون أنفسهم في مواجهته، وهو عدم جدوى كل الوسائل التقليدية وغير التقليدية في إخضاع المواطنين للأمر الواقع، وفي إعادة ترميم العلاقة مع عموم الناس، وقد ساعد على ذلك أن الخليفيين لم يتوقفوا ألبتة عن إثبات أنهم أبعد ما يكونون عن إصلاح الوضع الداخلي، وأنهم يتورطون في كل مرة في إفساد البلاد اقتصاديا وسياسيا وحقوقيا، فضلا عن رهنها للإرادات الأجنبية. وبحسب طبائع السنن والأحوال، فإن هذا “الإنفلات” سيكون له انعكاسه الطبيعي على بنية العائلة الخليفية نفسها، وفي حدوث تشققات داخل قواعدها وأذرعها وأعمدتها، وبما يزيده الخلافُ و”الصراعُ” على البقاء والغنائم شقاقاً عميقاً ومصيريا، وهي حال سيجدها رعاة الخليفيين مبررا اضطراريا لإعادة تشكيل الحكم الخليفي بغية إمداده بما يمكن من الاستمرار لتأدية الأدوار الوظيفية. إلا أن تداعي العجز الخليفي إلى سائر النظام وأنحائه، وضمور كل المهيئات لنسج روابط جديدة مع العباد والبلاد؛ يجعل شتى جهود ترميم الخليفيين وإعادة إنتاجهم محاطة بالعبث والفشل الحتمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى