مقالات

السیسي وحمد.. فلافل وطعمية

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

بين الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وحاكم آل خليفة في البحرين حمد عيسى؛ قصة “حب” غير طبيعية، وقد تصل إلى مستوى “الشذوذ”. في الحقيقة، حمد لديه انشداد خاص إلى أرض الكنانة، ليس بسبب عراقتها وإبداع شعبها الجميل، وليس بالطبع بسبب روح الثورة التي لا تموت فيها، والتي تظل تسبح مع أمواج النيل مهما فعل ضباط الجيش من مؤامرات.

يرى حمد في مصر شيئا آخر. علاقته الوثيقة مع حسني مبارك، سيء الصيت، ليست سرا، وهي لم تنقطع بعد إسقاطه بثورة يناير المجيدة. ورأينا كم كان حمد وقحا حينما أرسل وفدا مخابراتيا إلى القاهرة قبيل اندلاع الثورة المصرية بأيام. وهي وقاحة تضاعفت بعد إسقاط الفرعون المصري، حيث أصر حمد على لقائه داخل سجنه وتأمين سُبل الراحة له، وبعث له برقية تهنئة حينما تمت تبرئته في محاكمة اعتبرها ثوار المحروسة بأنها “صفقة مبيّتة” مع السعودية.

حمد يعتبر مصر واحته المفضلة. يقضي فيها وقت الاستجمام والتنفيس عن مكبوتاته. لذلك كان من الطبيعي أن يصدر السيسي قانونا خاصا يسمح لحمد بتملّك العقار في شرم الشيخ، لكي يشعر بأنه في “بلده” وهو يتنقل بين السياح الأجانب ويلتقط معهم الـ”سيلفي”. الأهم من ذلك، يجد آل خليفة في عساكر مصر خبرة عريقة، ومؤثرة، في تكميم الأفواه وصناعة المؤامرات الناعمة، إضافة إلى وسائل القمع والتجسس.

ومن المؤسف أن قدر المصريين أن يكون على رأسهم عبر التاريخ حكاما فاسدين سكارى (الملك فاروق)، ومستبدين قساة (ناصر والسادات ومبارك)، وأراجيز أغبياء (مرسي)، ومجرمين تافهين (السيسي). هذه الرؤوس لا تمثل المصريين الذين لم تتوقف أرضهم ونهرهم وسماؤهم عن ولادة العباقرة والمبدعين وأصحاب الضمائر الحية. ولكنها “المسألة التاريخية” التي تجعل من الأقدار في غير مجراها المتوقع.

في كل مرة يزيد السيسي من القمع والضحك على الذقون والتآمر على ما تبقى من ثورة يناير؛ يكون حمد أكثر فرحا واستبشارا. كلما رفعَ السيسي منسوب القمع، كلما فتح حمد الأبواب لاستقباله ودعوته من أجل الاستفادة منه والتعلم على يديه. تارة باسم الإرهاب، وتارة أخرى باسم المصالح الاقتصادية المشتركة، ولكن في كل مرة يكون فيها السيسي في المنامة، أو يحل حمد فيها القاهرة.. فإن “وساخة” متوقعة بينهما. تجنيس مصريين، وتعاون أمني جديد وأوسع، والتفاهم المشترك على الانفتاح العلني المقبل مع الإسرائيليين. هذا ما يرشح عن ملفات “القمة” التي تجمعهما في المنامة قريباً.

وكانت صحيفة GDN ذكرت أن تبادل “المعلومات الاستخباراتية” بين البحرين ومصر ساعد بشكل كبير في مكافحة “الإرهاب” في المنطقة. ونقلت الصحيفة الشهر الماضي عن السفيرة المصرية في القاهرة بأن هناك دعما متبادلا بين الجانبين في الملف الأمني.

مرتزقة السيسي ينتشرون منذ مدة في البحرين، وفي مصر تروح وتجيء وفود أمنية قادمة من البحرين. هناك تبادل منافع وخبرات بين الطرفين. وما يحصل في مصر من تصعيد، غير مسبوق، في قوننة القمع، والاستيلاء الكامل على موروث الثورة، وتحويل الناس إلى مجموعات بشرية مفككة ومبتلاة بالأوهام واليأس.. كل ذلك “إنجاز” كبير فعله السيسي بمباركة من علماء السلاطين، وتصميم “إعلام المخابرات”، وبدعم من المثقفين الأذلاء، وبفضل قطاع عريض من الناس “المسلوبة إرادتهم وعقولهم”. وهو إنجاز يريد حمد أن يتعلم منه بأعلى المستويات، وأن ينقل الطاقم السيساوي الذي أنجز المهمة إلى البحرين، لكي يفعل الشيء نفسه، رأساً برأس.. وبالتفصيل الكامل.

حمد غبي. والسيسي حيّال مكّار. ولكن.. كلاهما يعرفان أن البحرين ليس مثل مصر.. وأن 14 فبراير يختلف عن 25 يناير. ليس هناك مفاضلة بين الأمرين والبلدين، ولكن هناك اختلاف. ربما تكون عظمة مصر أكبر مما نتصور، وحيوية المصريين قد تفاجئنا في أية لحظة، ولكن البحرين لها خصوصية أيضا في شعبها، وأحرارها وحرائرها. وأمامنا هذه السنوات السبع ويزيد.. فعلوا كل شيء، ونجحوا في القتل والاضطهاد اللا محدود.. ولكن هل ارتاحوا على كراسيهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى