أبو حسن الكرزكانيمنوعة

الشهيد محمد سهوان.. نخل أوال الباسق

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: أبو حسن الكرزكاني

 

عاشَ تربة هذه الأرض.. وتنفّسَ هواءها؛ فامتدّت جذوره لتعبّر عن أصالته التي تمتدّ حتى أقاصي الخلود. هو من هذه التربة العامرة بالوفاء، ابنُ البحرين الأصيل الذي لا يعرفُ معنىً لليأس أو سقوطاً في الخذلان، ولذلك عاشَ مؤمناً بمبادئه دون تراجعٍ أو خنوع، واستشهد ثابتاً عليها.
لم تغيّره سنواتُ السجن، ولا أركعته سياط السّجان. ظلّ كما هو، لم يُدرْه الزّمانُ، بل جعل الزّمان طائعاً بين يديه ومراوحا حوله، وهو اليوم يخلّده كأيّ من العظماء. حملَ همَّ وطنه، في كلّ الجهات التي كان فيها، ومعه جرعاتٌ من الآلام التي يتوارثها أهله من الآباء والأجداد.. هو ثابتٌ على ما كان عليه، لأنّه الحقّ الذي لا يغيّره تبدّل الزمانُ وانقلابُ الظروف. في فترة التسعينات اعتقله النظام، ولفّق ضده تهمة “السلاح” في بلدة الدراز، ولكن ذلك لم يُثبت غيرَ سيرة هذا الناشط الاستثنائي الذي عاشَ منذ بداية انتفاضة التسعينات داخل السجن، وعُذّب بأبشع الأساليب، ونُكّل بأنفاسٍ تفوح بالحقد والكراهية من مرتزقة أتوا من نتائن الزمان.
لكن سنين السجن، وظلام الزنزانة لم تسلب منه العزيمة، ولم تنخر من قواه، فعاش حرّا، وكأنّ القضبان التي تحاصره ليست سوى إشعارٍ بأنّ المقاومة لابدّ منها، وأنها أحقّ وأوجب من داخل القلاع. لم يكن طيراً محبوساً في قفصه الاضطراري، مكتفياً بأن يُمنّي نفسه بلحظةٍ مفاجئة ليعود إلى السماء طائرا. كان روحاً تخرق السجن، وتُنازِل عذاباته. لأنه نسيم البحر، ونخيلُ الشطآن، ومن يديه تبتسمُ علامة الانتصار. هو تربة البحرين الخصبة، وينابيعها التي لا تجفّ عروقها في الأجساد والأرواح.
بعد سنوات السجن في التسعينات؛ خرجَ أكثر جرأةً، وعليه هالاتٌ ألمع من الصمود والأمل. حملَ معه آلام الناس دون أن يعلو فوق المنابر، أو يكون ضيفاً دائماً على طاولات الكلام. هو قائدٌ بالفعل، وليس بالقول. عرفه أهلُ البحرين وهو يحمل قربان الدوار، الشهيد عبد الرضا بوحميد المالكي، وعُرف بشخصية “اسكبار” في تمثيلة حيّة عاش البحرين فيها معاناة أهلها، ونقلَ صورة مفصّلة لما يلاحق هذه الأرض من تجنيسٍ واستهداف للسكان الأصليين، وجسّد الواقعَ في شخصية البحراني الأصيل.. وتلك هي كانت أيّامه “أيام الدوار”.
أُصيب بأكثر من ٨٠ شظية، واضطرّ أن يحاول الخروج خارج الأرض الذي عشقها على أمل تلقّي العلاج، إلا أن الغزاة وأعوانهم ألقوا القبض عليه في دولة قطر، في أكتوبر ٢٠١١م، واتّهم بتأسيس “خلية قطر” المزعومة. حُكم عليه بخمسة عشر سنة، بعد أن عُذّب بكلّ صنوف الرذيلة والانحطاط، وهو العذاب الذي تسلّى المجرمون بتنفيذه خصوصاً في موقع الشظايا التي نبتت في رأسه. كم هي المناشدات التي أطلقها أهله لعلاجه قبل أن يفوت القطار؟! ولكن تلك الصرخات وجدت آذنا صمّاء، وقلبا أصم، ليبقى بين جدران القضبان بعيدا عن أهله ومحاصرا بآلام لا يعلمها إلا الله.. كل ذلك لم يشلّ عزمه، فهو جذور الصبر المتأصلة، والإيمانُ النابع من القلب. إن ذلك بعين الله، كما كان يقول، فكان اختيار الله له بالشهادة.
كان غريباً في وطنه، وحاول أعداؤه أن يسلبوا منه الحرية، ولكنه عاش حرّاً رغماً عنهم.. حرّا في قلب محبيه، وقلبِ الثورة التي أحبّها وقادها.. فرحمة الله عليه.. شهيدا وقربانا ومعلما للأجيال القادمة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى