ما وراء الخبر

العنصرية سياسة استراتيجية لدى النظام الخليفي.. العمال الوافدون مثالا

رأي البحرين اليوم – خاص

كشفت جائحة فيروس كورونا التي تجتاح العالم الكثير من المستور في البحرين، سياسيا واجتماعيا وصحيا، كما أعادت التذكير بسياسات التمييز العنصرية الخليفية ضد أهل البحرين. فعلى الصعيد الصحي أظهر حجم تفشي الفيروس في البحرين (أكثر من 10 آلاف إصابة)، وهو رقم كبير بالنسبة لعدد سكانها الذي لا يتجاوز المليون ونصف مليون نسمة، كما أظهر مدى ضعف المؤسسات الصحية وهشاشتها بعد أعوام من سياسات الإقصاء والتهميش التي مارستها السلطات في هذا القطاع الحيوي.

غير أن أمرا آخر طفا على السطح لا يمكن وصفه بالظاهرة، بل يمكن القول أنه رد فعل أملته المخاوف التي سببها الفيروس، ونعني بذلك الممارسات العنصرية ضد العمال الوافدين بعد أن تفشى الفيروس بين صفوف العمال الآسيويين الذين يعيشون بين ظهراني البحرانيين.

بداية لابد من الإشارة إلى أن النظرة العنصرية للوافدين هي حالة موجودة في معظم دول العالم سواء الخليجية منها أو الدول الموصوفة بالديمقراطية، مع تفاوت كبيرة. إلا أن هذه الممارسات عادة ما تشهد تصاعدا عند ظهور الأزمات الاقتصادية، أو في حال منافسة الوافدين أو المهاجرين لأبناء البلد الأصليين في الوظائف أو السكن أو الدراسة أو الخدمات أو غيرها.

كما أن هناك أسباب ثقافية تعود إلى اختلاف العادات والتقاليد، فعادة ما يرفض الناس الثقافات الدخيلة عليهم خاصة التي لا تروق لهم، على سبيل المثال المبسط يشعر الكثير بحالة من الامتعاض من بعض الأكلات أو السلوكيات أو المظهر العام في اللبس، وبعضهم (وهم فئة صغيرة) يشمئز من لون البشرة ..إلخ.

وقد طفت على السطح هذه الأمور بشكل واسع في الآونة الأخيرة بعد تفشي مرض كوفيد 19، خصوصا بعد انتشاره في أوساط العمال الآسيويين، وزاد الطين بله عدم انضباط الكثير منهم للإجراءات الوقائية وعقدهم التجمعات التي تشكل خطورة وسببا مباشرا في نقل المرض المعدي. ينزل معظم هؤلاء العمال في مساكن متهالكة ومكتظة متكدسين وفي غرف ضيقة لا تلبي أدنى مستويات الصحة والأمان ويتشاركون نفس الأدوات، ولذا فهم أكثر الفئات الاجتماعية عرضة لتهديد الفيروس، وبالتالي تفشي الفيروس داخل البلاد.

وكان مسؤول في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، اكد في وقت سابق من هذا العام أن البحرين تعاني تضخماً كبيراً في العمالة الوافدة، مع وجود عدد كبير منها بالبلاد، معتبراً أنَّ وضع العمالة هو الأسوأ مقارنة مع دول الخليج الأخرى، ولافتا إلى انخفاض المرتبات التي تتقاضاها هذه العمالة مقارنة مع العمالة الوطنية، التي لا تقبل الرواتب التي تقبل بها العمالة المهاجرة في العادة.

ولكي نتحلى بحالة من الموضوعية يجب أن نقر هنا أن نسبة كبيرة من العمال الوافدين تم استقدامهم من قبل المواطنين أنفسهم، وتم استخدامهم لأغراضهم التجارية، سواء من قبل كبار التجار أو حتى من أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة.

ولابد من الإشارة هنا أيضا إلى ان توقف الحياة الاقتصادية تسبب بفقدان الكثير من العمال وظائفهم، بينما يجاهد العمال غير الشرعيين منهم لتأمين غذائهم أو الدفوعات المستحقة لتجار الإقامات أو الحكومة.

وهنا يبرز دور السياسات الحكومية الخاطئة التي أدت إلى هذه التداعيات سواء على العمال الوافدين أو داخل المجتمع في البحرين. فالسلطات استغلت وضع العمال الوافدين لجني الأموال عبر بيعهم الإقامة لمدة العامين وفق برنامج ما يسمى بالفيزا المرنة الذي أطلقته عام 2017. كما وأن السلطات الخليفية تتستر على كبار المقاولين للعمالة المهاجرة الذين يجنون أرباحا على حساب العمال عبر استقطاع نسبة كبيرة من رواتبهم.

ولذا فإن هؤلاء العمال هم ضحايا أيضا للسياسات الحكومية ولسياسات المتاجرين بهم، ومن هنا ومن باب الإنسانية ومن زاوية دينية فلا يصح أبدا ولا يليق أن يتم زجر وإهانة العمال الوافدين والنظرة الدونية لهم.

يحكى أن الإمام علي (عليه السلام) كان الإمام يتجول في أزقة الكوفة, فمر بشخص يتكفف وهو شيخ كبير السن، فوقف متعجباً وقال ما هذا؟ ولم يقل من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و (من) لمن يعقل، أي انه (عليه السلام) رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه، فقال أي شيء هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف. فقال الإمام (عليه السلام): ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً. هذه هي النظرة الموضوعية التي يأمر بها الدين ويحث عليها العلماء، وهي النظرة التي تتناسب مع الثقافة الراقية والأصيلة لشعب البحرين.

اللافت في هذا الخضم هو محاولة الخليفيين إظهار أنفسهم بأنهم أصحاب القلب الكبير، والمهتمين بالإنسان، والمبادرين لفعل الخير! مع أنهم يتحملون القسط الأكبر من معاناة هؤلاء العمال كما أسلفنا، سواء عبر تشريعاتهم أو عبر تغاضيهم عن تجار البشر.

لقد أسهم الخليفيون بشكل مباشر في هذه الأزمة التي تفاقمت في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. فالخليفيون وضعوا سياسات التجنيس السياسي التي أنهكت الوضع الإقتصادي، ودمرت التركيبة الديمغرافية، واستخدمت بشكل طائفي مقيت. كما قسم الخليفيون المواطنين إلى درجات، فالخليفيون مواطنون من الدرجة الأولى يمنحون المزايا ويوهبون الأراضي وتصرف لهم رواتب دون مقابل فقط لأنهم من آل خليفة، كما أسس الخليفيون سياسة التمييز الطائفي في الوظائف والبعثات والسجون وفي الجيش والشرطة ومختلف مناحي الحياة.

ولذلك فلا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة بين بعض الممارسات الاجتماعية الخاطئة وبين السياسة المنظمة للعائلة الحاكمة، فالأولى ظهرت من دوافع الضنك المعيشي، وشعور الدونية في تعامل الدولة مع المواطنين، أما الثانية فهي سياسة واستراتيجية وطبع وسجية ممتدة لأكثر من قرنين.

إن العنصرية الحقيقة في البحرين هي تلك التي تمارسها السلطات منذ أن دنّست العائلة الخليفية تراب البحرين قبل أكثر من قرنين، وليست بعض الممارسات والتصرفات بحق الوافدين فهي عابرة وليست ظاهرة، إذ أن حالة الوعي هي الأقوى بين المواطنين، بل إن الوافدين يعيشون في مساكنهم بين ظهراني البحرانيين، ولا يستطيعون التملك أو السكن في المناطق التي يقطنها أفراد العائلة الحاكمة أو التجار الكبار. كما وان الوافدين يقيمون علاقات طيبة ومتينة مع المواطنين حتى أن كثير من البحرانيين على سبيل المثال يتحدثون اللغة الأوردية نتيجة الاختلاط في العمل ومناطق السكن فيما يوزع المواطنون الأكل على المحتاجين في المناسبات الدينية.

أخيرا، العنصرية أمر يمقته الدين والإنسانية ولايحترمه شعب البحرين رغم وجود بعض الممارسات التي لاتعدو كونها سحابة صيف عابرة ستتلاشي وتنتهي، لكن العنصرية الخليفية تظل غيمة سوداء في سماء البحرين لن تزول إلا برحيل الخليفيين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى