مقالات

حكاية سفك الدم في البحرين: جريمة عمرها 235 عاماً

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

متخصص في شؤون الخليج

 

في ثنايا التاريخ الشفوي للبحرين، هناك الكثير من القصص والحكايا التي لم تجد لها مساحة في الوثائق الرسمية لتاريخ البلاد، كما لم تجد لنفسها مساحةً في المؤلفات البسيطة التي تناولت تاريخ الجزيرة الصغيرة. أسبابٌ عديدة على رأسها القمع والإكراه وكلفة البوح بالحقائق؛ جعلت من تاريخ البحرين عرضةً للنسيان والضياع.

قبل 235 سنة؛ ارتكبت قبيلةُ آل خليفة أكبرَ جرائمها عندما غزت البحرين، واستغلت تدهور الأوضاع السياسية الإقليمية في إحكام السيطرة والغلبة على جزيرة البحرين. رغم ذلك، فلم يُسمح لأحد أن يكتب مجريات تلك الجريمة، أو أن يتحدث حولها إلا منْ كتب على نفسه الموت أو النفي.

في هذا السياق، سنجد أن واحدا من الذين كتبوا تاريخ البحريين مطلع القرن العشرين تجرأ وأشار خفيةً لبعض تلك الأحداث، رغبة منه في مسح آثارها ومحو تداعياتها، فكتب ناصر الخيري في كتابه (قلائد النحرين) ما نصّه: “انتخب الشيخ أحمد (يقصد أحمد آل خليفة) من خيرة رجال الزبارة عدة كانبة (أَكْنَبَ الشيءُ: غَلُظ، ويقال: أَكنَبَتِ اليدُ: ثَخُنت وغَلُظ جلدُها) من الرجال المعودين (المعتادين على) ملاقاة الأهوال. وسار بذاته على رأسها قائدا وزعيما. وحملتها السفن حتى وصلت تحت أستار الدجى إلى الناصفة (منطقة ملاصقة لجرداب)، وسار البعض إلى سترة والنبي صالح، فاحتلوا الكل ومنْ قاوم قتلوه وأعدموه الحياة (…) واستمروا يتقدمون ويحتلون القرى، ويقتلون كل منْ يقاومهم، فأشعر أهل البلاد القديم بذلك، فقامت قيامتهم وصاح النفير وظهر المخبأ وبان ما كان مستورا، وبلغ الخبر لقائم مقام الشيخ نصر سيد مدن بن سيد ماجد ففزع لصد غارة الغزاة بثلاثمائة مقاتل شاكي السلاح فرسانا ورجالة، والتقى الجمعان في سهل سوق الخميس..”.

هذا النصُّ التاريخي يصوّر ما الذي حدث قبل 235 عاماً، والذي تسأل الناسُ عنه دوما ولا تجد إجابة شافية له. فهجوم قبيلة العتوب كان ليلاً، والناس نيام، كما فعلوها في مجزرة دوار اللؤلؤة في 17 فبراير 2011م، وكما يفعلون دوما في اعتقالاتهم لخيرة الشباب والقادة الأبطال. والذين قاموا بتلك الجريمة كانوا غلاظ شداد جفاة عديمي الرحمة والشفقة، حيث اختارهم شيخهم الملقب بالفاتح ليقوموا بأبشع جريمة في أهل البحرين. لذلك أخذوا في قتْل كلّ منْ يظهر لهم، ويقاومهم، وعملوا على احتلال القرى وكتابة العذاب على أهلها.

هذه حكاية الدم الذي يطالبُ أهل البحرين بالثأر له وبمحاكمة تاريخية لأولئك القتلة وأحفادهم. وهي حكاية متجددة بتجدُّد القتلة القائمين على الحكم، ومتجددة بتجدُّد أبطال الجزيرة في سترة والنبي صالح والبلاد القديم والدراز وسماهيج والدير وبني جمرة والمعامير.

في المقابل، لم يكن لقبيلة العتوب أن تحكم أو أن تسود لولا وجود “جيش أسود” من بعض الأهالي، مهّد لهم إحكام قبضتهم، وعملَ على مراعاة مصالحهم وغنائمهم.

لستُ هنا في صدد المقابلة بين أولئك الذين تمّ تعينهم وكلاء ووزراء مصالح  آل خليفة، وبين الحاليين الذين يقومون طواعية بالدفاع عن مصالح الديوان الملكي السياسية، ويتبرعون بكل ما لديهم من دهاء وبلاغة للدفاع عن مشاريع سياسية ساقطة مثل الانتخابات المقبلة، فربما غلب الخوفُ الأسلافَ، وربما طغى الجهلُ على مصالحهم في وقتها، أما اليوم فما عذر القائمين بصلافةٍ على مناهضة إرادة الأمة ومحاولة شقّ وحدتها واللعب على أوتار معاناة الضحايا وكأنهم يملكون السم والترياق؟!

إن حكاية الدم التي بين الشعب والقبيلة الغازية؛ لم تُطْوَ صفحاتها بعد، فلا زال الدم ينزف، ولا زالت المقاومة تتبختر على الـ “عدة كانبة” المتمرسة في القتل والمتوغلة في الجريمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى