ما وراء الخبر

حمد في لندن: فشل كبير.. وخلاصات أربع أمام المعارضة

 

البحرين اليوم – (متابعات)

قبل ساعات من تنظيم الاحتجاج ضد حمد عيسى يوم السبت ١٢ مايو ٢٠١٨م قرب موقع سباقات الخيل الملكي في وندسور ببريطانيا؛ توقع المعارض المعروف سعيد الشهابي أن يتم إلغاء دعوة حمد لحضور السباقات، حيث كانت الضغوط والاحتجاجات هذا العام لافتة بالمقارنة مع العام الماضي. وبالفعل، ومع إنابة حمد لحفيده عيسى سلمان لحضور حفل التتويج؛ فإن المحتجين نجحوا في أن يحرموا حمد من التقاط صور تذكارية مع الملكة البريطانية، كالتي كان ظهر بها في الأعوام السابقة، حيث كان يحرص أن يفرش ريشه على أقصى مدى، مع إفراغ كامل لخزّان الكبت بإطلاق ضحكاتٍ غبية بجانب الملكة المتهمة بالتواطؤ مع “الديكتاتور التافه”.

المتابعون للاحتجاجات التي سبقت ورافقت زيارة حمد الأخيرة إلى لندن؛ يذهبون إلى أنها نجحت “بمقاييس هامة” في تحقيق جملة من الأهداف المرجوة، وهو ما دفع السلطات الخليفية إلى نشر تقرير خبري اليوم الاثنين ١٤ مايو ٢٠١٨م للتضليل على حقيقة الأمور، وحمل التقرير عنوانا “مبتذلا”، حيث تحدث عن “نجاح الزيارة” و”الحفاوة الكبيرة” التي حظي بها حمد في لندن، والإشادة به “في مجال التعايش السلمي وحقوق الإنسان”، وهو ما يعكس – من جهة أخرى – السهام الصائبة التي نجحت الاحتجاجات في توجيهها ناحية الوضع الحقوقي المتدهور في البلاد، وتسليط الضوء على “النظام الديكتاتوري القمعي” الذي يقوده حمد عيسى، وبدعم من المملكة المتحدة.

وقد اضطر الخليفيون، وفي ظل الاحتجاج النوعي الذي أحاط بزيارة حمد، إلى تنظيم ندوة في لندن حول “التعايش السلمي”، وكان واضحا أن الندوة التي أقامتها “جمعية هذه هي البحرين” – وهنا يمكن الاستدلال مجددا على احتضان حمد لهذه الجمعية وتورطه بكل مشاريعها، بما في ذلك زيارتها التطبيعية في وقت سابق إلى فلسطين المحتلة – وبـ”استضافة” حمد شخصيا لها، ترمي إلى “الرد” على الاحتجاجات والتعتيم على الانتهاكات والجرائم الخليفية المتواصلة. كما قدمت هذه الفعالية الرسمية دليلا إضافيا على وقوف البريطانيين – بما في ذلك قصر بكنغهام – إلى جانب الخليفيين والتواطؤ في جرائهم، حيث أقيمت الندوة في قصر وندسور، وبحضور الأمير اندرو دوق يورك الذي كالَ المديح لحمد عيسى ولدوره المزعوم في “التعايش والتسامح”.

ومن المؤشرات الأخرى التي تؤكد نجاح احتجاجات النشطاء؛ هو فبركة السفارة الخليفية في لندن لرسالة مزعومة من ٧ منظمات “حقوقية”، أُرسلت إلى السفارة وأشادت بزيارة حمد “وبجهوده الحقوقية والإنسانية”، كما تحدثت السفارة – بحسب تقرير الوكالة الرسمية – عن تنظيم المنظمات المفبركة لندوة ومرسم حقوقيا في لندن على هامش زيارة حمد، واهتمت هذه البرامج الرسمية بتلميع النظام الخليفي وتبييض الانتهاكات.

ولعلها هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الخليفيون لفبركة مثل هذه الندوات والبرامج المضللة بالتزامن مع زيارات حمد إلى لندن، ما يكشف عن حجم الامتعاض الخليفي والبريطاني إزاء الحملات التي نظمها النشطاء البريطانيون والبحرانيون هذه المرة، لاسيما مع المشاركة البريطانية النوعية في هذه الحملات، والتي شملت نوابا وأكاديميين ونشطاء من المملكة المتحدة، فيما توجت بتظاهرة حافلة في ١٢ مايو في وندسور، وارتفعت فيها الهتافات واللافتات المعبرة عن حقيقة “الديكتاتور الخليفي الذي تحرص الملكة البريطانية على استضافته وإضفاء الحماية عليه”.

وفي قراءة عامة لزيارة حمد هذا العام للندن؛ فإن هناك جملة من الخلاصات التي يُفترض من المعنيين من النشطاء والمعارضين في البحرين أن تكون حاضرة لديهم في هذا الشأن، ومنها:

١- التواطؤ البريطاني مع آل خليفة لم يعد مجرد قراءة تحليلية أو استظهار للسلوك البريطاني الخارجي، بل هو جزء من النسيج القمعي الذي يحكم البحرين ويمدّه بالقوة، ما يعني أن البريطانيين هم النواة الحقيقية للبرنامج “الديكتاتوري” الذي يهيمن على البلاد، ما يوجب على المعارضة البحرانية أن تجعله موضوعا للدرس المعمق، ليس لجهة الوقوف على أسبابه وقواعده فحسب، ولكن أيضا من أجل الخروج بصيغة سياسية مناسبة للوقوف ضده وتعريته وفكّ أساساته. ومن المؤكد بأن عملا سياسيا متواصلا في هذا المجال من شأنه أن يُضعف البناء الاستبدادي والعسكري في البحرين، ويُتيح بالتالي الفرص المناسبة لدفع الحراك السياسي المعارض في الداخل والخارج.

٢- يُذكّر حدث وندسور كلّ مرة بحقيقة ثابتة مفادها بأن التواطوء البريطاني مع جرائم آل خليفة؛ لا يقتصر على الحكومة البريطانية، بل إن ما تفعله الحكومات البريطانية من دعم وتغطية على النظام الخليفي؛ هو إمضاء للموقف الذي تعبر عنه الملكة البريطانية. وقد نجح الاحتجاج هذه المرة في إبانة هذه الحقيقة بشكل أوضح وأكثر جرأة، ومن المأمل أن يتسع هذا التظهير أكثر فأكثر، وبوسائل الاحتجاج المختلفة، على أمل أن يكوف ملف البحرين وقضية شعبها معلقة بجلاء أكبر في رقبة “المملكة المتحدة” ككل، وليس الحكومة فقط.

٣- إن المزاوجة التكاملية بين نتائج الاحتجاج “الحقوقي” والبرنامج السياسي للمعارضة؛ يُنتظر منها أن تكون أوسع نطاقا، وأسرع في انتهاز الفرص المتاحة، وفي تنضيج الثمار. فقد كان لافتا أن ينجح النشطاء الحقوقيون في تكريس حضور لافت لقضية شعب البحرين بين المنظمات الحقوقية، وفي الأوساط السياسية البريطانية على حد سواء، وهو إشعار بوجود جسور رابطة ومحفزة بين حقلي الحقوق والسياسة، إلا أن فراغا لازال قائما في بدء “الجولة السياسية” على ضفاف هذه النتائج والتطورات، وهي جولة يُتوقع منها أن تعمِّق فيها المعارضة البحرانية أكثر خطابها السياسي الموجَّه إلى مؤسسات “المملكة المتحدة”، وأن تنخرط جوهريا في دهاليز هذه المؤسسات وهي تحمل معها الملف السياسي لقضية البحرين، وهذا المسعى يستلزم الإسراع في مشروع الجبهة الموحدة للمعارضة في بريطانيا، والذي يعبر عنه حاليا تكتل المعارضة البحرانية BOBL الذي حرص رئيس مكتبه السياسي، الناشط علي الفايز، على الحضور في الاحتجاجات ضد حمد في زيارته الأخيرة، كما نظم التكتل مؤتمرا بالتزامن مع الزيارة.

٤- ستظل السفارة الخليفية في لندن وكرا خطيرا ومركزا أسود مناطا به إدارة العمليات القذرة ضد المعارضة البحرانية، وخاصة في بريطانيا وأوروبا. هذا الدور بات مكشوفا أكثر مع الفضائح التي تورط فيها السفير الخليفي فواز محمد في قضية استهداف الناشط الحقوقي السيد أحمد الوداعي، ومناورته على تقارير منظمة العفو الدولية من مقرها في لندن، وإصداره على نحو دوري بيانات ضد المعارضين والنشطاء وللتضليل على الأحداث الجارية داخل البلاد، إضافة إلى ضلوعه المباشر في تركيب دعاوى مفبركة ضد النشطاء البحرانيين في بريطانيا ورفعها إلى الأجهزة البريطانية للابتزاز والاستهداف المؤجَّل. وكان متوقعا أن السفارة تولت بشكل أساسي برنامج التضليل الذي ترافق مع زيارة حمد للندن، في حين كانت اللمسات “الوقحة” التي يُعرَف بها فواز و”بلطجية” السفارة بيّنة في هذا البرنامج. كل ذلك يدعو لأن يكون فواز هدفا للنشاط الحقوقي والسياسي المعارض، وأن يكون هناك اهتمام جدي بوضعه ضمن أولويات النشاط الاحتجاجي ضد آل خليفة في بريطانيا، وهو أمر لا ينبغي أن يكون “تكتيكيا” أو مرتبطا بشخص فواز، بل مصبوغا بإدارك طبيعة الدور الإستراتيجي الذي تقوم به السفارة، بوصفها وكرا لغسيل الجرائم والانتهاكات من جهة، ومعبرا للتواطؤ البريطاني من جهة أخرى.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى