ما وراء الخبر

“سقط حمد”: العمل السياسي بعد السقوط الفعلي للنظام

 

البحرين اليوم – (متابعات)

منذ فترة، هناك دعوات متكررة من جهات وشخصيات معارضة في البحرين لترتيب الوضع السياسي المعارض، والتحرك السريع من أجل تجهييز بنية حقيقية وجادة لعمل سياسي واسع ضد النظام الخليفي. هذه الدعوات ليست وليدة عجز أو ترهّل في الجسم البحراني المعارض، كما أنها ليست إشغارا لفراغ عارِض أو جانبي، وهي لا تأتي تعبيرا عن فشل الحراك الشعبي أو نفاذ خيارات العمل الثوري في الداخل. المسألة لها علاقة، في الحقيقة، بالسلسلة الطويلة من الفشل الخليفي، والإخفافات المتتالية التي يقع فيها أو يتورط بها، ولكن ليس هناك ما يضعها في دائرة التوظيف والتلقيح السياسي العاجل. فواحدة من المهامات المطلوبة في العمل السياسي هو تجميع إخفاقات النظام وتحويلها إلى ملف حيوي في حلبة الصراع السياسي، والخروج به في كل الاتجاهات وعلى الأصعدة كافة. ومن هنا يمكن القول بأن واحدا من أسباب نجاح آل خليفة في الاستمرار، رغم فشلهم غير المحدود، هو عدم كفاية أدوات التقريع والفضح المتبعة في نزْع طاقتهم على الاستمرار وفي إخراس آلة الفشل عن مواصلة العمل.

قبل أشهر، تحدثت شخصيات في الخارج، من جمعية “الوفاق”، عن مشروع سياسي تتحضر للإعلان عنه، وكان يؤمَّل أن يكون هذا المشروع متقاطعا مع المشاريع السياسية الناجزة التي بدأ فريق من المعارضين الشّبان التأسيس لها، استنادا على الخبرات المتاحة، وبناءاً على الملاحظات المعروفة التي تُوجَّه إلى طبيعة العمل المعارض منذ أكثر من ست سنوات. وحتى الآن غير معروف ما المشروع السياسي الذي تحدث عنه الشيخ حسين الديهي وآخرون، كما لم تتضح حتى اليوم المعالم الأساسية للمشروع السياسي المكمِّل، أو الموازي، الذي بدأ يظهر من خلال البيانات السياسية الأخيرة لتكتل المعارضة البحرانية في بريطانيا، وهي بيانات أفرزت قراءات سياسية واعدة، وكشفت عن ملامسة دقيقة للمشهد السياسي الداخلي وطبيعة الخطاب السياسي المطلوب. بيد أن البطء في تفريع مثل هذا المشروع، وعدم الانتقال السريع نحو الخطوات التالية – وفي ظل توالي النظام في الفشل – يُفقد المعارضة السياسية الكثير من الفرص المتاحة، ولاسيما في هذه الفترة الحساسة التي يُفترض أن تكون “مختبرا نموذجا” لاختيار آليات جديدة في العمل السياسي، ولو عبر الإعلان عن الجبهة السياسية الموحدة – أو ما يُشبهها – والدخول بها في مفاصل الصراع والتجاذب الإقليمي والدولي.

ما يمر به النظام الخليفي اليوم هو وقت مثالي لبدء عمل سياسي متعدد الجهات والجبهات. فالنظام الآن يخوض مرارة “الوقت الضائع”، وهو لا يفعل شيئا غير الاستفادة من ضعف المواجهة السياسية ضده، فيما لم يعد قادرا على إنتاج المزيد من وسائل السلطة القامعة أو مبررات الإبقاء والتغطية على الاستبداد المعسكر. كما أن تزايد الارتهان بالخارج، وفتْح الأبواب و”القواعد” أمام القوى الأجنبية؛ هو تأكيد على حقيقة أن الخليفيين استفرغوا القدرة الذاتية على الاستمرار، واستولى العطب على هذه القدرة التي توفر لهم الطرق السريعة للانتشار البيني والتسويق في الخارج. وللتذكير كذلك، فإن إعادة الترويج لإشاعات “حل الأزمة”، والإفرج عن السجناء؛ هو دليل آخر على العودة إلى الصندوق القديم من المحاولات المكشوفة، كما أنه تنبيه على أن أدوات القمع لم تعد ناجحة في تمديد السلطة الاستبدادية، ما يُجبرها على تكرار الأدوات القديمة وتجريبها مرارا، ما يكشف اليأس الداخلي في النظام وانسداد آفاق المخارج من حوله، وعلى النحو الذي يظهر مثلا مع تعلّق النظام بمخزون النفط الصخري والترويج لاكتشافه باعتباره خلاصا وفتحا جديدا، في الوقت يعرف الجميع التحديات الجمة التي تحيط استثمار هذا النفط واستخراجه من الأصل.

خلال السنوات الماضية؛ تدهور الوضع الإقليمي على نحو متصاعد ونوعي، وتباينت العلاقات بين المحاور المؤثرة في السياسات الإقليمية، ومع مسلسل الحروب في سوريا والعراق واليمن، والتوتير المتعمد في دول عديدة؛ انكسرت كل روابط الاندماج وخطوط الاتصال التقليدية، وخاصة مع الفوضى التي أظهرها الخليفيون وهم يتخبطون في ورطات المشاركة (الإشراك الجبري) في هذه الحروب والأزمات. ومن الحصيف تعميق الرؤية في وضعية النظام الخليفي وهو يترامى في الحروب والأزمات الإقليمية، ولا يكف عن التخبط مرة تلو الأخرى في إخفاء ترهلاته البنيوية الناتجة عن تلك الفوضى. في مثل هذه الأحوال، وإضافة إلى الفشل الداخلي المركب، فإن النظام يشق أمام المعارضة طريقا واسعة للنفاذ من أجل توجيه الضربات القاتلة، وذلك بالعمل على تقديم النظام باعتباره بذرة من بذور التوتر والصراع الإقليمي، وسببا في تأجيج أسباب التصدعات الأخطر في المنطقة، ولاسيما بعد أن تحول كاملاً إلى أداة استعمالية واستسلامية بيد الأنظمة التخريبية، وعلى رأسها نظام آل سعود. مثل هذا الملف يمكن أن تصعد به المعارضة في الرواق السياسي الدولي، لتعمل على تظهير هذه الجرثومة التدميرية وخطرها على الأمن والسلام في المنطقة، والتحرك في هذا الإطار في السياقات التي ينمو فيها الأصدقاء الجُدد والمحتلمون، جنبا إلى جنب الأعداء المفترضون لآل خليفة. إنها الحاجة الماسة للانخراط في دهاليز المجتمع السياسي العالمي، وإعلاء الصوت المدروس بأن جزءا كبيرا من الموبقات والمخاطر الكبرى في المنطقة يمكن التخلص منها فيما لو تم بتر السرطان الخليفي وقطْع شرايين آل سعود عن البحرين.

لقد “سقط حمد”، والمطلوب من المعارضة السياسية أن تبني على هذا السقوط، وتسعى لإنتاج الواقع الجديد بعد إزاحة ركام هذا السقوط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى