ساهر عريبيمقالاتمقالات

عودة أمريكية وشيكة إلى الإتفاق النووي مع إيران

البحرين اليوم – مقالات

بقلم: ساهر عريبي

يتصدر الإتفاق النووي الذي أبرمته مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين إضافة إلى ألمانيا) سلم الاهتمامات الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة التي تولت مقاليد السلطة الأربعاء 20 يناير 2021.

ينبع هذا الاهتمام من كون الاتفاق يعَدّ انجازا للإدارة الديمقراطية السابقة برئاسة باراك أوباما الذي أبرمته عام 2015، وقد عاد مهندسو ذلك الاتفاق إلى الإدارة الحالية وأبرزهم مستشار الأمن القومي جاك سوليفان وويندي شيرمان نائبة لوزير الخارجية، فيما كان يشغل الرئيس الحالي جو بايدن منصب نائب الرئيس عند توقيع الإتفاق.

ولذلك فإن الإدارة الجديدة تسعى للحفاظ على هذا الانجاز الذي حققه أركانها في عهد الرئيس السابق أوباما وأدخله دونالد ترامب في حالة موت سريري منذ إعلان انسحاب بلاده منه عام 2018 وفرضه عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على طهران، دفعت إيران إلى تخفيض التزاماتها ببنود الإتفاق في ظل عجز الدول الأوروبية الطرف في الإتفاق، عن تخفيف وطأة العقوبات على إيران.

كانت أشد الخطوات التصعيدية من جانب طهران هي رفعها نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20٪ في تجاوز كبير للحد المسموح به في الاتفاق وهي نسبة 3.67٪. هذه الخطوة التي تزامنت مع إعلان الإيرانيين قدرتهم على تخصيب اليورانيوم لأكثر من 20٪ أثارت قلق الديمقراطيين، ما دفع بالمرشح لقيادة الدبلوماسية الأميركية أنتوني بلينكن إلى التحذير من أن إيران باتت قريبة من إنتاج مواد انشطارية تكفي لصناعة قنبلة نووية خلال ثلاثة او أربعة شهور. تحذير جاء خلال جلسة الاستماع التي عقدها مجلس الشيوخ للتصديق على تعيين بلينكن وزيرا للخارجية.

قد يبدو هذا التحذير مبالغا فيه إلا أنه يحمل بين طياته رسائل متعددة بعثها بلينكن إلى طهران وإلى مجلس الشيوخ وإلى باقي المعنيين بالملف النووي الإيراني. وقبل الخوض في فحوى تلك الرسائل لابد من التطرق إلى المقاربة الديمقراطية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

تُبنى تلك المقاربة على اعتقاد الديمقراطيين، بأن منع طهران من الحصول على سلاح يمر عبر بوابة اتفاق يكبلها ويبقيها بعيدة عن تحقيق هذا الحلم. فالإتفاق نص على احتفاظ إيران بما لا يزيد عن خمسة آلاف وستين من أجهزة الطرد المركزي الأقدم والأقل كفاءة في منشأة نطنز حتى عام 2026.

ونص على تخفيض مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 98 في المئة إلى 300 كيلو غرام، وهي كمية لا يجب تجاوزها حتى عام 2031.

كما يجب الحفاظ على مستوى تخصيب المخزون بدرجة 3.67 في المئة. وتنفيذا للاتفاق أرسلت إيران أطناناً من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا. كما ان الاتفاق لا يسمح لها بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو حتى عام 2031.

ووافقت إيران على عدم تشغيل أو تغذية مفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل بالوقود نظرا لأنه ينتج البلوتونيوم الذي يستخدم في صناعة الأسلحة النووية. ولم يسمح لإيران ببناء مفاعلات نووية إضافية تعمل بالماء الثقيل أو تكدس أي مياه ثقيلة زائدة حتى عام 2031.

لكل ذلك تبدو المقاربة الديمقراطية التي ولد إثرها الاتفاق النووي سليمة, وما يعضد صحتها هي أن مقاربة ترامب للبرنامج النووي زادت من مخاطر قرب انتاج إيران لمواد انشطارية تدخل في صناعة سلاح نووي، بعد أن دفعها انسحاب ترامب من الاتفاق إلى التخلي عن التزاماتها.

ولذلك فإن تلويح بلينكن بقدرة إيران على انتاج مواد انشطارية تستخدم لإنتاج سلاح نووي خلال بضعة شهور، تعطي رسائل وإشارة تحذيرية لجميع المعنيين بأن سياسة ترامب خطرة يجب التراجع عنها كما وصفها بلينكن، وأن الطريق الوحيد للسيطرة على طموحات إيران النووية هو الاتفاق النووي. وأن مثل هذا الاتفاق تجب العودة إليه خلال ثلاثة إلى أربعة شهور أو على أقل تقدير في النصف الأول من هذا العام لقطع الطرق أمام طهران لتوليد سلاح نووي.

واما من جانب طهران فلاشك بانها تريد العودة إلى الاتفاق في أقرب وقت ممكن، فهي لا تطالب بغير التزام جميع الأطراف بنوده، وحينها ستتخلى عن خطواتها التصعيدية. كما وأن طهران وبالرغم من الخطاب التصعيدي في البرلمان، فهي لا تريد الخروج من الاتفاق لعلمها بتبعات ذلك، ليست الاقتصادية فحسب وإنما العسكرية أيضا. وهو مايفسر عدم إعلان مجلس الشورى الذي يسيطر عليه المحافظون انسحاب إيران من الاتفاق بالرغم من معارضة المحافظين العلنية له، وإلقاء اللوم فيما حصل على الإصلاحيين الذين أبرموا الاتفاق بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

ومع قرب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في شهر حزيران المقبل المتوقع فوز المحافظين بها بعد أن أقصي التيار الإصلاحي من المشهد عقب منع معظم مرشحيه من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإن تقديم المحافظين تنازلات عبر إضافة ملاحق جديدة للاتفاق تبدو بعيدة. ولذلك فإن ترك القيام بهذه المهمة للحكومة الإصلاحية خلال النصف الأول من هذا العام سيبقي المحافظين بعيدا عن تحمل المسؤولية ولربما سيستخدمون أي تنازلات لتعزيز حظوظ فوزهم على الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة بالرغم من قبولهم الضمني بتلك التنازلات.

ولذا فإن هناك رغبة أميركية – إيرانية وكذلك اوروبية لطي هذه الصفحة خلال النصف الأول من هذا العام, ومن المتوقع أن تنشط مفاوضات خلف الكواليس بين إيران والإدارة الأميركية الجديدة ولربما تلعب قطر دور الوسيط بعد أن حافظت على علاقات جيدة مع طهران طوال السنوات الماضية فيما ساد البرود علاقتها بإدارة ترامب، كما وترى الدوحة أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل أزمات المنطقة. إلا أن مما لاشك فيه بان المفاوضات ستكون شاقة مع إصرار الإدارة الأميركية على وضع برنامج إيران الصاروخي ونفوذها اقليمي على طاولة المفاوضات.

إلا أن سيف العقوبات الأميركية المسلط على إيران من جهة, وورقة زيادة تخصيب اليورانيوم من جهة أخرى، ستدفع الطرفين الأميركي والإيراني إلى الالتقاء في منتصف الطريق وفق مبدأ رابح -رابح، فالاتفاق سيبقي البرنامج النووي ايراني حيا ويرفع عن إيران العقوبات ويبعد عنها خطر الهجمات العسكرية على غرار قتل علماءها واستهداف منشآتها, وسيسجل للإدارة الديمقراطية نجاحها في منع إيران من صناعة سلاح نووي، وفي الحفاظ على أمن حليفتها إسرائيل وفي تطمين حلفاء أمريكا في منطقة الخليج، وفي تأمين المنافع الاقتصادية لحلفائها الأوروبيين الذي تضرروا جراء انسحاب ترامب من الاتفاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى