مقالات

مجلس تأسيسي للإئتلاف: هل هذا هو الحل؟

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: كريم العرادي

كاتب من البحرين

 

سوف أعتبر إعلان إئتلاف ١٤ فبراير إنشاء مجلس سياسي تابع له، بمثابة الرد العملي والإيجابي على مقال سابق لي انتقدت فيه مشروعه الأخير الخاص بالعريضة الداعية لمجلس تأسيسي. قلت في المقال إن دخول الإئتلاف في فضاء العمل السياسي، عبر مشروع العريضة، هو بمثابة التباس في طبيعة نشأة الإئتلاف والمهام الميدانية الملقاة على عاتقه، والتي ارتبطت بهويته منذ انطلاقته في العام ٢٠١١م.

أما الآن، وبعد إعلان المجلس السياسي، ومن خلال أشخاص فوق السطح وبأسمائهم ووجوههم الحقيقية، فإن الإئتلاف تجاوز جانبا من الإشكال المشار إليه، فهو الآن يعلن نفسه حزبا سياسيا، وليس إئتلافا ثوريا خالصا، لينضم إلى بقية الأحزاب والجماعات والحركات السياسية الأخرى التي تنشط في البحرين، بمشروعها ورؤيتها السياسية الخاصة، وهو بهذا الإعلان يكون آخر “حزب سياسي” معارض يولد على الساحة المحلية. ولكن ذلك لا يعالج الجوانب الأخرى من الإشكالات العالقة في خصوص تمديد أو توسيع عمل الإئتلاف، والدخول في النشاط السياسي المعارض.

من الضروري التأكيد أولا على الحالة الصحية في توليد الجماعات السياسية المعارضة، وصحة الاستقبال الإيجابي لكل نشوء معارض، وخصوصا على ساحة الصراع القائم مع آل خليفة. إلا أن الوضعية بالنسبة للإئتلاف ستظل موضعا للالتباس والعجلة وربما إضاعة الوقت والجهد في مساحات يُفترض أن تتولاها جهات أو جماعات أخرى، ليتفرغ هو فيما برع فيه وأنجز بالفعل.

في قراءة لأبعاد تأسيس الإئتلاف لمجلسه السياسي، فإن ذلك يعني الإفصاح عن وجود هيكلية ورؤية ومشروع سياسي خاص يتمايز به، ولو في حدود معينة، عن بقية المشاريع السياسية الأخرى لبقية جماعات المعارضة. ولكن السؤال هو: ما هذا المشروع الخاص والمختلف؟ العناوين التي طرحها بيان المجلس السياسي هي ذاتها العناوين التي تبنتها القوى الثورية وجماعات المعارضة السياسية، مع تفاوت في الصيغة وفي التحريك السياسي لها. لا تختلف المعارضة في عنوان تقرير المصير، أو دولة المواطنة، وحتى فكرة المجلس التأسيسي هي حاضرة في خطاب المعارضة العام، ولاسيما في المفاصل الأخيرة التي قاطعت فيها المعارضة الوضعية القائمة للنظام الخليفي برمته.

قد يكون الفارق الذي يصنعه الإئتلاف هو تحويل هذه العناوين إلى يافطات في التظاهرات، وشعارات يرددها المتظاهرون. أي توفير الرافعة الثورية للشعارات السياسية. أي أن الإئتلاف يضخ إرثه الثوري والميداني في تعميم العناوين السياسية، سواء من خلال أسلوبه في تحويل التوقيع على العرائض إلى اشتباك ميداني، أو من خلال العمليات والاحتجاجات والتظاهرات. ويعني ذلك أن ما سيقدمه الإئتلاف هو عمل ميداني أو اشتباك ثوري (إعلامي)، من بوابة العناوين السياسية. وهذا يختلف تماما عن العمل السياسي، بما هو مشروع منهجي وحراك دبلوماسي وتفاوضي. ويتأكد هذا المأخذ مع ملاحظة أن “الإسراع”، الذي يقوم به الإئتلاف، في تعويم العناوين السياسية في المظاهر الثورية أو المظاهرات الميدانية، ما قد يسلب منها (أي من العناوين السياسية) قيمتها وجدواها وضرورتها بوصفها قاعدة لإنجاز عمل سياسي فاعل وواسع، حيث ستكون هذه العناوين مشوبة بالاستخدام العمومي، وغير مجهزة بصياغة سياسية كاملة، وعُرضة لأن تكون مبتلاة بالابتذال لكثرة الاستعمال أو لسوء الاستعمال.

البعض يعبر عن خيبة الأمل في أن يتصاغر طموح المعارضة في البحرين، وأن تكون معنية بحالها والمنافسة الشريفة في بناء جهازها الخاص، بدلا من المسارعة في تحقيق الأهم، وهو إنشاء المجلس السياسي الموحد للمعارضة البحرانية. وقد يرى البعض الآخر بأن إعلان الإئتلاف لمجلسه السياسي سيكون محفزا، أو تحديا، للإسراع في مشروع المجلس الموحد للمعارضة، وهو أمر فيه قدر من الإمكان، إلا أن الإفلات المتكرر من جلسات التنسيق المشترك، والتخافي أو التباعد أو تضاؤل التخاطر بين وجودات المعارضة وقواها؛ يُضفي على هذا الأمل غمامة لا  تغيب عن الأبصار.

أعلن تيار الوفاء وحركة (حق) قبل شهرين عن “وثيقة” سياسية مشتركة، وقد يكون ما ورد في بعضها محلا للنقاش أيضا، ولكنها كانت تتضمن أبعادا وتحديدات وعناوين سياسية جديرة بأن تكون حاضنة لمشروع التجمع أو المجلس السياسي الموحد للمعارضة، وخصوصا أن رمزية هذين الفصيلين يؤهلهما لطرح هذه المبادرة. إلا أن الوثيقة، كما يبدو، أُحيلت إلى الأدراج، وأقصى ما أحدثته هو تشغيل خاصية التقليد لدى المتنافسين. ولكن شعب البحرين، وفي هذه المرحلة الحساسة، يستحق ما هو أفضل من المنافسات البينية، كما أن جمهور المعارضة عليه أن يرفع صوته للضغط على جماعاته بأن تكف عن هدر الطاقات والأوقات في الهوامش والشكليات، والإسراع في البناء الإستراتيجي والاحترافي، وهي لن تتقدم في ذلك إلا إذا خرجت للناس في مؤتمر عام وشامل وعلني، بكل رموزها وقياداتها البحرانية – البحرانية فقط – لإبلاغ الجمهور بالخبر السار: تأسيس مجلس قيادي للمعارضة، يتولى مهام العمل السياسي الواسع، وتثبيت أقدام المعارضة في الصراع السياسي على كل الجبهات، وأن تبشر الناس أيضا بتوحيد البنية اللوجستية للمعارضة، لتكون كلها تحت سقف واحد، وبرعاية لا تمييز فيها ولا تمايز، وبعيدا عن التدافع الجانبي وتسجيل النقاط الخاصة. فهل من مستجيب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى