ما وراء الخبر

معركة العتبة الأخيرة: مشيمع وفواز

 

البحرين اليوم – (متابعات)

لأكثر من سبب، يحتاج فواز محمد الخليفة سفير آل خليفة في لندن إلى سعيد الحمد وشلّة الكراهية التي دخلت في جحورها، مؤقتا، خلال الفترة التي كان المرحوم شريف بسيوني يتقصّى فيها الحقائق بالبحرين، بين يونيو ونوفمبر ٢٠١١م. بعد أكثر من أربعين يوما من إضراب علي مشيمع؛ نجح الشاب الذي فقدَ أكثر من ١٣ كيلوغراما، في إسقاط كل الأقنعة، وخرْق أغلب الأوهام والممنوعات. كان نجاجه تدريجيا، ولكنه خارج حسبان فواز الذي راهنَ على انقطاع أنفاس أبو زهراء، وانكسار شوكته وهو يرى طفلته الرضيعة من جهة، وآلام والده وخوفه عليه من جهة أخرى. ولكن كل شيء كان لغير صالح مخابرات السفارة  ومرتزقتها.

قبل شهرين، أو أكثر بقليل، كسبَ مشيمع معركة ضد فوّاز بعد أن تمت تبرئته من اتهامات ملفقة، وأعادت الشرطة البريطانية إليه أماناته التي تم الاحتراز عليها فترة التحقيق. كانت سفارة لندن، ولاتزال، تعتقد أنها يمكن أن تتعقّب النشطاء البحرانيين، وحداً تلو الآخر، وإلى حين الانقضاض على الراس العود، وإسقاط رأس العمود. كان من الطبيعي أن يتشجع فوّاز في توظيف فنونه المعروفة، وخاصة تلك التي اكتسبها وطبّقها بشراسة في فبراير ومارس من العام ٢٠١١م. لاشك، وهذا لا ينبغي أن نضعه جانبا، أنّ هتاف فوّاز اطلع برّه الذي رفعه إعلاميّون في دوار اللؤلؤة؛ هو جزء فعّال في تركيبة الانتقام التي انطبعت في شخصية الخليفيّ النزق، وإلى حدود عميقة انغرست على ملامح وجهه الذي لا يتعسّر على أي مجتهد في قراءة لغة الجسد، اكتشافَ مداها العنفي والدموي.    

ما حصل، من جملة أمور كثيرة، هو أن السجّان المغرور تحول إلى سجين ممقوت، وأجرب، وبات فواز لا يملك الشجاعة الكافية لاستعمال بوابة السفارة الرئيسية، لا في الدخول ولا في الخروج. يؤشّر ذلك، حرفيا، إلى أن القيود التي تمثل الرمز الأساس لحكاية الإضراب كبّلت كل الجهاز الدماغي والمخابراتي لفواز، وأضحت السلاسل التي تم اشتراطها لتمكين الأستاذ حسن مشيمع من العلاج والزيارة؛ تطوّق مفاصل الرواية الرسمية التي استعمل السفير المتعدد المهام أكثرَ من وسيلة لتعميمها وإسباغ قوة الحقيقة عليها.

غياب فواز، من هذه الناحية، مفهوم جيدا، وهو خيار تكتيكي صائب. فالرواية التي قدّمها الشاب علي أكثر سلاسة للجمهور، وأكثر إقناعا للطبقة الحقوقية والسياسية النظيفة في بريطانيا وخارجها. وإذا كان نفاذ الحيلة قد ألجأت علي مشيمع إلى خطوة الإضراب، فإنه من المؤكد أن مثل هذه الخطوة، بما هي تضحية وفداء بالمعنى العيسوي (أو الحسيني)؛ ستظل الأنسب في مواجهة التضليل العنيف وتشويه الوقائع والروح الانتقامية التي لا حدود لها. بمعنى آخر، فإن تسلسل النشاط الاحتجاجي الذي شارك مشيمع في بناء مقوماته؛ كان يتدرّج بنيوياً – مثل البذرة – ليصل مستواه الحالي، وليأخذ هذا المنعطف المتقدّم، أي الموجّه مباشرة إلى بيت الشر الخليفي في لندن.

لا شك أن البطولة الفردية لمشيمع لم تكن وحدها هنا. التشابك الأخوي والتضامني، والتعاضد المرن بين المهاجرين والأنصار، والأدوات التكتيكية التي تصاعدت وتنوعت خلال يوميات الإضراب (المبيت المتبادل للنشطاء والشخصيات البريطانية، الزيارات اليومية والنوعية للداعمين، التجمعات والمؤتمرات والاعتصامات والدعاء الجماعي أمام السفارة، مرورا بالرسالة الموجهة إلى ملكة بريطانيا)، كل ذلك أعطى الإضراب الفردي قوةً جماعية، وتأثيرا يبدأ من داخل السفارة إلى أروقة الحكومة البريطانية، ومن هناك إلى المكان الذي يُطبخ فيه القرار بالبحرين. ولعل الأحداث المتتابعة التي جرت للأستاذ مشيمع داخل السجن وعلى صعيد حلحلة بعض جوانب قضيته، منذ الإضراب وحتى الآن؛ تكشف عن طبيعة التأثيرات الخاطفة، والمؤثرة، لمثل هذا الاحتجاج الذي يُفترض أن يكون، في وقت لاحق، مادة للدّرس والفحص من جانب المعنيين بتطوير المعارضة، وكذلك بدرجة أكيدة من جانب المهتمين أكاديمياً بفنون المقاومة المدنية.

بالعودة إلى بعض المفاصل والإشارات، كان من المتوقع بالنسبة لفواز التعويل أكثر على المهام القذرة المرئية وغير المرئية، ومع كل كبوة يقع فيها نتيجة نجاح الإضراب. وإذا كان البعض لا يتفاعل مع الرأي الذي يقول إن إلقاء السائل الرغوي من شرفة السفارة على مشيمع، الشهر الماضي، بأنه تحذير جدي، قد يصل حد الاغتيال، فإنه لا خلاف في أن أدوات الاغتيال المعنوي ظلت رهانا قائما، وشديد الافتضاح، من جهة السفارة. ومن حسن الحظ، أن الأدوات المستخدمة في هذا الرهان، داخل البحرين وخارجها، كلها ليست على جدارة تُذكر، على الإطلاق.

لا يتوقف الأمر فقط عند سعيد الحمد، المحروق من أعلاه إلى أسفله، ولكن أيضا ببقية الأدوات الهزيلة والهزلية التي ابتلى الله بها فواز وقبيلته.

كان من المفيد جدا أن تتحرك كل هذه الأدوات، ومن المحبذ أن تفعل ذلك بطريقتها المعهودة، وإلى أن تزيد في توسيع عملها الفاشل. فهذا كفيل أكثر من أي شيء آخر في تظهير المقارنة بين صفوف المناصرين أو الداعمين. فعلى جبهة علي مشيمع هناك منظمات ورجال دين مسلمون ومسيحون وكتّاب ومفكرون وأكاديميون وحقوقيون وسياسيون وناشطون محترمون على مستوى العالم والرأي العام الحر، وعلى جبهة فواز تصطفّ مؤسسات وأشخاص متهمون بالارتزاق وبث الكراهية وإشاعة “الفجور” وترويج الأكاذيب والتغطية على الانتهاكات. على هذا النحو، فإن الإكثار من تغريدات سعيد الحمد وغباءات سوسن الشاعر ومهازل فيصل فولاذ وتحليلات الهرطقة من الحسابات والمواقع الإلكترونية التي تديرها سفارة فواز.. فيه منافع لا تُحصى في تظهير المقارنة، وتوسيع المفارقة الشاسعة بين طرفي الصراع الذي تدور حلقاته الأصعب قرب عتبة السفارة في لندن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى