مقالات

مملكة الفوضى: فنتازيا انهيار العائلة الحاكمة في البحرين

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

هل أصبحت منطقة الخليج أمام نظام إقليمي جديد؟ وهل أن فكرة الاستقرار في أنظمة الخليج أصبحت مهددة بفكرة اللا متوقع؟ فخلافا لحالة الاستقرار السياسي وثبات المعطيات في التحليل السياسي؛ أصبحت السياسية في دول الخليج غير مستقرة، وبات من الصعب التكهن بمخرجاتها السياسية التي تظهر وكأنها مشهد في مسلسل فنتازيا.

بداية فنتازيا السياسة كانت مع تصاعد ثورات الربيع العربي بداية 2011 إذ بدأت الأحداث السياسية تصدر بطريقة غير متوقعة، وعلى خلاف الثوابت المألوفة. بل إن القرارات السياسية التي تم اتخاذها طوال السبع سنوات الماضية باتت تشكل في نهايتها معطى جديدا في رسم التحالفات السياسية، وفي طريقة التفكير المعمول بها ضمن حلقات النخب السياسية في أنظمة هذه المشيخات.

بداية فنتازيا أنظمة الخليج ظهرت في ليبيا، وكيف أن قرار مجلس الأمن الدولي كان معلقا بمواقفة دول الخليج الغنية بالنفط، ومن ثم بروز منظومة مجلس التعاون الخليجي بديلا عن مجلس الجامعة العربية، وهكذا توالت الأحداث في سوريا لتكون بعض الأنظمة الخليجية متورطة حتى النخاع في العظم السوري الصلب، وفجأة تنتهي أسطورة منظومة مجلس التعاون بلا سابق إنذار، وتعود دبلوماسية التوغل السعودية إلى طبيعة عملها التخريبي في دول المنطقة العربية في نوع أنواع “مقاومة المهزوم”.

وفي السياق المحلي بالخليج؛ تتقلب المواقف السياسية بوتيرة غير معهودة، وتقوم على توالي الصراعات الداخلية بين أسر تلك الأنظمة. فالنظام السعودي خاض ولا يزال معركة كبيرة ومؤلمة بين أقطاب البيت السعودي لم تنهيها ليلة القبض على محمد بن نايف ومواليه، فيما لم تفلح جهود محمد بن سلمان في تحويل وجه السعودية الوهابي إلى وجه ليبرالي حداثي. والإمارات، ذات الاستقرار السياسي، دخلت كما يبدو في طور التوسع الأمبريالي الذي سيقضي على ما تبقى من مخزونها المالي، فضلا عن تجذر الصراع بين إمارة دبي وأبوظبي رغم حالة التوالف الظاهرية، إذ يعتقد أبناء مكتوم أن أبناء زايد خطفوا سيادة دبي المالية وسلبوها كل ما تم إنجازه طوال الثلاثة عقود الماضية.

نتيجة لذلك لكل ذلك صار واضحا إمكانية حدوث أغرب التوقعات السياسية وأبعدها عن الواقعية التي حكمت المنطقة طوال عدة عقود. ولعل مثال الأزمة القطرية ومشكلاها مع دول الحصار تعطي نموذجا واضحا لمسار هذا الإطار التحليلي، وبالمثل فإن التحولات العميقة في بنية الدولة السعودية تؤدي الغرض نفسه.

بالانتقال للشأن الداخلي في البحرين؛ فإن انطباق هذه المقولة يكاد يكون حرفيا أيضا، سواء تعلق الأمر بطبيعة التحولات الاقتصادية أو السياسية الداخلية، أو تعلق الأمر بالتوقعات المستقبلية التي يمكن اختيار إحداها. فبنية العائلة الحاكمة القوية أخذت مكانا جديدا بعد ظهور الخلاف الداخلي إلى المشهد الإعلامي. إذ رأى الجميع أن الخلافات الداخلية بين أقطاب بيت الحكم الخليفي فقدت توازنها الذي أعطي لها منذ عزل الحاكم عيسى بن علي في 1923 على أقل تقدير. فصيغة ثنائية الحكم والإدارة باتت تخضع لمعادلات جديدة غير مألوفة من قبل، خصوصا وأن الطرف القوي فيها يعتبر من خارج الامتداد الوراثي للحكم، والمقصود هنا هم الخوالد الذين استبعدوا من ثنائية الحكم منذ عهد عيسى بن علي مطلع القرن الماضي، وعادوا للمشاركة في الحكم مع مجيء حمد عيسى في 1999.

قد يبدو هذا الصراع الإعلامي هامشيا إذا ما قيس بطبيعة الخلافات القديمة بين أفراد العائلة الحاكمة، أو الأخذ بتركة الحروب الأهلية التي نشبت بين العائلة الخليفة في منتصف القرن التاسع عشر، ولكن في كل الأحوال؛ فإن النظر إلى مخرجات تلك الصراعات من شأنه أن يؤكد فرضية التحول السياسي أيضا. فقد أسهمت تلك الخلافات التاريخية في تشكيل أنماط جديدة في طبيعة الحكم، وهذا ما يكمن توقعه في الخلافات الدائرة حاليا.

كانت الخلافات السابقة تدور في أغلبها بين حاكم ماسك بزمام الأمور وبين متمردين عليه، كما في حالة محمد الخليفة الذي تمرد على حكم عمه معتقدا بانه الوريث الشرعي لأبيه، وهكذا هي الصراعات المتتالية بين فرعي الحكم سلمان وعبدالله والتي أفضت في نهايتها إلى قتل الحاكم علي بن خليفة في 1867 على يد قوات أبناء عبدالله بمساعدة محمد بن خليفة. ورغم حالة الانتصار إلا أن التدخل البريطاني وقتها أعاد تشكيل الحكم خلافا لمخرجات الحرب بين الطرفين، واعتقل محمد بن الخليفة ونفاه لليمن ونصب عيسى بن علي حاكما على البلاد بعد أن كان طريدا في قطر. وكان من نتائج ذلك أن وراثة الحكم أصبحت في صلب الابن الأكبر للحاكم، وانتهت دورة حكم الأخوة التي استمرت قرابة الأربعة عقود. وكان عيسى بن علي قد ورث ابنه الأكبر سلمان ليكون وريثا للحكم، لكنه توفي مبكرا في تسعينات القرن التاسع عشر وعين نجله الثاني حمد وريثا للحكم في 1904 ووافقت بريطانيا على هذا التعيين. رغم ذلك فإن الإدارة الفعلية كانت بيد الابن الثالث لعيسى بن علي، أي عبدالله، الذي كان يحكم البلاد فعليا بمشورة والدته عائشة. وتحدثت التقارير البريطانية عن مدى نفوذ كل من عبدالله ووالدته خصوصا بعد زيارة عبدالله للندن في 1919 حيث قوي نفوذه ونفوذ والدته في معارضة الإصلاحات الإدارية التي كانت بريطانيا تعتزم إدخالها على نظام الحكم. وتعتبر العلاقة التي نشأت بين حمد وأخيه عبدالله بداية عملية لثنائية الحكم القائمة على تقاسم الحكم والإدارة، فالأخ الأكبر يتولى أمور الحكم رسميا، والاخ الأصغر يتولى الإدارة الفعلية لمجريات الحكومة وهي الثنائية التي استمرت طوال عهد حكم عيسى سلمان الخليفة وأخيه خلفية سلمان الخليفة منذ سبعينات القرن الماضي وحتى موت عيسى سلمان الخليفة في 1999.

بحكم تولي حمد عيسى الخليفة الحكم كان يجب ان تحدث تغييرات إدارية تتوافق ونظام ثنائية الحكم، أي أن تهيء البلاد لحكم سلمان ولي العهد وأخيه الأصغر ناصر. ولكن قوة وتمسك خليفة سلمان بمنصب رئاسة الوزراء أعاق إتمام هذه الصفقة، الأمر الذي سمح للخلافات البينية بأن تتجذر كثيرا، خصوصا في ظل التنافس السياسي الذي كان محتدما بين حمد عيسى وعمه خليفة سلمان.

بعد تولي حمد عيسى الحكم في 1999 أراد الأخير إضعاف منصب عمه وسحب مصادر القوة لديه، فعمل على طريقين متضادين، هما:

  • الأول: الاستقواء بالطرف الشعبي عبر ما يسمى بميثاق العمل الوطني والانفتاح السياسي.
  • الثاني: الاستقواء بالخصوم التقلديين لعمه خليفة سلمان، أي تقريب فرع الخوالد للحكم وإعطاؤهم مكانة سياسية عالية من خلال الديوان الملكي.

في المقال التالي سنرى كيف تفاعلت فتنازيا التحول السياسي في الخليج مع معطيات الإرث السياسي في العائلة الخليفية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى