ما وراء الخبر

نظام “الريتويت” في البحرين: أيّ فرصة سانحة للانتقام “التاريخي” من قطر؟

 

البحرين اليوم (متابعات)

وجد آل خليفة في الأزمة الخليجية الراهنة فرصةً ذهبيةلإخراج كلّ ما يضمرونه منذ زمن ضد حكّام آل ثاني في قطر، وقد وجدوا الفرصة سانحة أيضاً لتسديد المزيد من القمع والانتهاكات ضد السكان الأصليين في البحرين على طريقة “عصفورين بحجر”، ولكن المواطنين يبدو أنهم لم يجدوا الكثير مما هو مسلٍّ في الأسطوانة الخليفية المشروخة، وتحديداً وفق المحتوى المفبرك الذي قدّمه وزير الداخلية الخليفي راشد عبدالله اليوم الاثنين، ٧ أغسطس ٢٠١٧م، في صحيفة الشرق الأوسط السعودية.

لن تُصاب أسماع البحرانيين بالرجفة أو الطنين المفاجيء وهم يتابعون ما يقوله الخليفيون عن الدعم القطري لثورتهم التي تكاد أن تكون الأطول والأكثر مظلومية في التاريخ الحديث للعرب. تحلّى أهل البحرين بقدر كبير من المناعة ضد هذه الأراجيف بعد أن صبّ عليهم الخليفيون، طيلة الأعوام الستة الماضية، سلسلةً لا تنتهي من تهم الارتباط بالخارج والولاء لإيران، وما عاد من غير الطبيعي بعد ذلك أن تواصل الثورة مسيرها ومسيرتها رغم كلّ هذه التهم المعلّبة، وعلى الأغلب أن الأخيرة أسهمت بشكلٍ ما في تعميق الكراهية لهذا النظام الذي يقتنع البحرانيون – اليوم وأكثر من أي وقت مضى – أنه (أي النظام) لا يليق أن يبقى على هذه الأرض، ويصرّون على رحيله وانتهاء حكمه البغيض.

lvl220130116074432

وإذا كان المتظاهرون، منذ ١٤ فبراير ٢٠١١م؛ وجّهوا آل خليفة إلى طريق الزبارة للرحيل إليها؛ فإنّه من المُبهج بالنسبة لمتابعي المصيرِ المرير لآل خليفة أن يدمجوا بين دعوات المواطنين لرحيل الخليفيين إلى الزبارة (قطر)، وبين الحال الراهنة التي تحوّلت فيها قطر إلى الشيطان الأكبر في نظر قبيلة آل خليفة وإلى الحدّ الذي يرى عارفون بطبائع الاستبداد الخليجي؛ بأنه لن يكون بمستطاع آل خليفة أن يُرْخوا أيديهم ويمدّوا أرجلهم بأمان بعد الآن، إلا حين يجدوا أنفسَهم منتصرين على آل ثاني، انتصارا لا خلاف فيه. من غير حصول هذه النشوة؛ فإن مصير آل خليفةالحتمي، كما يقول المعارضون البحرانيون، هو الزّوال الحتمي

جزء من فهم هذه الأمور يمكن استنطاقه من قراءة سرديّات الاتهام الخليفيّ المستجد الموجّه لقطر بالوقوف إلى جنب ثورة البحرين. لم يتأخر آل خليفة في تشبيك هذا الملف في سياق الأزمة مع قطر والحصار عليها الذي بدأ في ٤ يونيو ٢٠١٧م، حيث بدأ التلفزيون الرسمي بنشر مهاتفة مسؤول قطري مع القيادي في جميعة الوفاق (المغلقة) الشيخ حسن سلطان، وبنى عليها المحللون ما هو مُعدَّ للتطبيل عليه من الرياض وأبوظبي، وعلى النحو الذي يُتيح لذوي العقول الفارغة أن تبتلع أكذوبةَ أن قطر وراء تأجيج الاحتجاجات في البحرين، وأنّ عشرات الآلاف من المواطنين الذين ملأوا ساحات أكثر من ٨٠ بالمئة من بلدات البحرين؛ كانوا موجّهين بالكونترول عبر الدوحة، وسرّاً، وأن تلك الحشود لم تكن تعرف أنه تُدْفع بتوجيه من الدوحة لإقامة جمهورية ولاية الفقيه“! لن يمنحَ أصحابُ هذه العقول، الإفتراضية، لهمَّتهم ما يكفي من الوقت للبحث قليلا في موقع غوغل، لمشاهدة قوافل الموالين لآل خليفة وهي تتوافد على قطر لتقديم الشكر إلى الشيخ يوسف القرضاوي، المرجع الديني لآل ثاني، لكونه قطعَ كما أُريد على الأقل خطوطَ اتصال ثورة البحرين بالربيع العربي بعد أن اعتبرها طائفيةوانتزع منها عمقها الوطني.

من جهة أخرى، فإن ما أورده راشد عبدالله في حواره مع الشرق الأوسط يكفي سبباً لاعتبار آل خليفة غير مؤهلين لأنْ يكونوا حكّام للبحرين ولأهلها. فخلاصة ما يدعيه الوزير الخليفي يقول – وبعد الملل الذي كرهه الكثيرون لكثرة اتهام إيران وحزب الله – إن القطريين اخترقوا كلّ شيء في البلاد، من الشرطة والجيش والمواطنين السنة والشيعة، كما أن الدوحة كادت أن تُشكل تهديداً لإغراق البحرين في الظلام بقطع الغاز عنها، وبالتوازي مع امتناع القطريين عن إرسال الأموال لآل خليفة الذين تسوّلوا على دول الخليج بعد أن تلاعبوا بأموال الدولة وأكثروا فيها الفساد حتى أصبحت البلاد على حافة الإفلاس. كلّ ذلك يعني أن منْ يحكم البحرين إما أنه جاهل في شؤوة إدارة الدول، أو أنه غافل بسبب فساده واستبداده عن بواطن الأمور. طبعاً هناك احتمالات أخرى يقترحها علينا رئيس تحرير صحيفة (العرب) القطرية، عبدالله العذبة، الذي يقول بأن النظام في البحرين عديم الأثر والتأثير في كلّ ما يجري حوله، وأنه يتبع السعودية في القول والفعل، وإنْ أُعطي ترقية خاصة بمنحه صلاحية القيام بدور الريتويت وليس وضع اللايك فقط!

INAF_20170807183459624

غابت إيران وحزب الله، إلا قليلا، عن “براطم” الاتهامات الموجهة لثورة البحرين، وحلّت محلّهما الدولة التي لا تتجاوز مساحتها ١١ ألف و٥٠٠ كم مربع، وبتعداد سكاني لا يزيد عن المليونين وبضعة آلاف. ولكن المفارقة هنا أن آل خليفة حمّلوا القطريين “اتهامات” تفوق كلّ الاتهامات التي وُجّهت إلى طهران وحزب الله! فهم يقفون خلف كلّ الأزمات والمشاريع التدميرية والتخريبية التي تكاد تغرقُ فيها البحرين، وعموم المنطقة، بما في ذلك تبني وجهة نظر المعارضة البحرانية في “إسقاط النظام وإقامة دولة مرجعيتها ولاية الفقيه” كما قال راشد عبدالله، وذلك في واحدةٍ من أبشع عمليات التزييف التي لا يفعلها غيرُ هذا الوزير، ونظامه، الذي حمل على عاتقه تنفيذ فظائع لا تُحصى بحق البحرانيين على مدى الأعوام الماضية، وقد كان له صوته المبكِّر في التشنيع على عقائد المواطنين و”افتاؤه” في شؤون مذهب الشيعة واعتبار بعض ما فيه هو من “البدع”.

يتوقع الكثيرون في البحرين أن يتوسّع الهجوم الخليفي على قطر، ومن قناة ملف الثورة البحرانية تحديداً، وهو الملف الذي يؤرق آل خليفة بعد أن لم يجدوا له حلاّ يُناسب طموحهم الذي يرقى لعقيدة “اجتثاث” السكان الأصليين، وهو الطموح الذي يدرّبهم عليه أسيادهم آل سعود اليوم وهم يجرّبون “حظهم” في العوامية. وبحسب المقابلة في (الشرق الأوسط)؛ فإن الخليفيين سيكشفون التفاصيلَ المزعومة حول تدخلات قطر في دعم “الإرهاب” في البحرين، و”تصدير الفكر المتطرف، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، إضافة إلى نقل تكنولوجيا صناعة المتفجرات”. وبحسب ما نشرته صحيفة الأيام اليوم الاثنين، فإن البداية قد تكون مع إعادة “اللعب” في القضية المتهم فيها المعتقل الشيخ حسن عيسى، حيث نشرت الصحيفة شيكاً لرجل أعمال قطري اعتبرته دليلا على تمويل تفجير سترة، وهي قضية يُنظر فيها منذ أكثر من عامين في المحاكم الخليفية، ولكن راشد عبدالله وجد – كما سلف القول – الوقت مناسباً لإعادة الفبركة فيها وبما يُسعف آل خليفة على أداء دور أكبر من “الريتويت”.

خبرة المواطنين مع آل خليفة تقول بأنهم سيُصابون بخسران جديد في معركتهم المفتوحة ضد قطر. بالنسبة لكثير من المعارضين، فإنه من المؤمَّل أن يرفع الخليفيون أكثر من مستوى الهجوم على الدوحة، لكي تجد الأخيرة مبررا إضافيا لفتح المزيد والمزيد من الملفات السوداء لآل خليفة وآل سعود. إنّ أهم ما يُمتع المواطنون في الخليج هو المتابعة الشيّقة لهذا التفاضُح الإعلامي المتبادل الذي تمارسه المشيخيات ببعضها البعض، ولعل في ذلك ما يعود، في خاتمة المطاف، بالمنفعة لشعوب المنطقة التي تتوق إلى اليوم الذي تتخلص فيه من أنظمة الفساد، والترهيب والاستبداد، ومن غير قيامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى