الشيخ محمد التلمقالات

نقد الثورات.. الثورة البحرانية أنموذجا

altal1
الشيخ محمد التل – برلين

لا شك ولا ريب أن الثورة البحرانية التي اندلعت في الرابع عشر من فبراير 2011م هي من الثورات التي قدر الله لها أن يكون لونها وطعمها ورائحتها له من الفرادة ما له، فهي كما لها نقاط اشتراك، فلها نقاط افتراق وتمايز أيضا، فهي ليست نسخة كربونية جامدة بالية، إنما هي تحمل في أحشائها عنصر الحياة لولا بعض الكدورات المرهقة في مسيرة الثورة وسيرتها، والتي سأتناولها بشيء من العرض:

  • الكدورة الأولى/ اصطناع العداوت الوهمية:

          إن البعض تارة يفقد بوصلته الثورية ويوجهها نحو عدو وهمي آني، ليس هو العدو الحقيقي، فيجعل كل طاقته الفكرية وعمله اللوجستي نحو هدف ليس بهدف، وعدو ليس بعدو، مما يحمِّل الثورة من الأعباء التي تشدها إلى الخلف فيبطِّئ من انطلاقتها نحو الإنجاز السريع.

          وهذا تماما ما لاحظناه في الدوار من هرج ومرج كبيرين بين الجمعيات والثوار استمرت حتى الآن، ليس على مستوى الأهداف والآليات فحسب، بل تعداه إلى رمي الأشخاص بتهم غريبة، ظلم فيها كثيرون، وما زالوا يعانون.

          ويمكنني القول أن هذا إرث ما قبل الثورة سحبناه على الثورة، وهذا خطأ شنيع.

  • الكدورة الثانية/ غياب التخطيط الاسترتيجي:

          عندما كنت أتعالج في السجن ألتقيت بطبيب متعاطفا مع الثورة، دار بيني وبينه حوار حول مطالبنا وكم المدة المرسومة للحصول عليها، فلفت انتباهي إلى أمر مهم، وهي أن التخطيط ينبغي أن يضع في اعتباره الزمن الطويل، حين قال لي: كم تتوقع لثورتكم هذه؟ قلت له: من خمس إلى سبع سنوات، رد علي: أن الثوار يضعون لهم مدة لا تقل عن عشرين سنة.

          وحيث أني كنت في ميدان ثورة فبراير طيلة عامين ونصف، اطلعت من خلال أغلب مناطق الثورة على طريقة أدائها، وأهدافها، أجدني أقول أنه لا يوجد ثمة تخطيط استراتيجي، بل هو أشبه بمقاطع منفصلة الأهداف، متحدة في إطارها الزمني الذي لا يؤول إلى نتائج مرتقبة.

 

  • الكدورة الثالثة/ غياب القيادة الموحدة:

          لا أفهم من لا مركزية الأستاذ الفاضل المجاهد هي في القيادة العليا، إنما هي في القيادات الميدانية، والفرعية، حيث لها حق اتخاذ القرار المنفرد عن المركز، وبدون الرجوع إليه، وهذا آخر ما توصل له الفكر البشري في علم الإدارة.

          ولكن من أهم الإشكاليات في ثورتنا المباركة هو تشتت القيادات لدى الجماهير، وبالضرورة لا بد فيه من تشتت الأهداف والآليات التي من الصعب نزول أحدهم للآخر إلا اللمم من غير المنتمين.

          وهذا مما ينبغي أن تجتمع القيادات فيما بينها ووضع حل عاجل لها، وإلا ستفترق أمتنا إلى أمتين، وثورتنا إلى ثورتين إن صح التعبير.

  • الكدورة الرابعة/ غياب البديل الكفوء:

          من الجيد الإلفات إلى هذه الكدورة لأهميتها وهي صناعة البديل الكفوء والمخلص للخط، فمن الأهمية بمكان أن يوجد على الخط لاعبان إحتياط وإن لم يكونوا أفضل من اللاعبين الأساسيين فهم مساوون لهم على أقل تقدير.

          فاللعبة السياسية والثورية هي لعبة متغيرات زمكانية متعددة المستويات تتناسب مع قدرات الخصم، فتقدم لاعب أو تأخره يرتكز على فهم دقيق لهذه المتغيرات؛ فحين تقدم الأستاذ عبد الوهاب مثلا كان من المفروض أن تكون له بدائل في مستوى كفاءته إن لم تكن أفضل منه، تستطيع استلام الراية والتقدم بها بدون الشعور بالفارق عند الجماهير، وهكذا دواليك.

          وهذه البدائل ليس صفا واحدا أو صفين، إنما هي صفوف عديدة تُعدُّ إعدادا عاليا، لديمومة الحراك الثوري والسياسي.

وإخلاصا نقول في الختام أن الثورة لابد من أن يستلم دفة إدارتها المخلصون لله وللناس، وإلا ستكون الجناية كبيرة على هذا الشعب المظلوم أزمانا مديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى