تقارير

وأخيرا.. الجلاد المعروف بدر الغيث إلى العلن

البحرين اليوم – (متابعات)

كان الأمر، بالنسبة للضحايا والنشطاء، أشبه ما يكون بالحدث الذي طال انتظاره. فلأول مرة، يتم العثور على صورة واضحة، ومن وسائل الإعلام الرسمية، لجلاد معروف تداول اسمه ربما آلافُ ضحايا التعذيب في البحرين، وكان اسمه مذكورا في كل إفادات قادة الثورة المعتقلين. إنه الجلاد: بدر الغيث.

تستذكر الناشطة المعروفة، مريم الخواجة، الحملة التي أطلقها مركز البحرين لحقوق الإنسان قبل سنوات، تحت عنوان “مطلوب”، ونشرت الحملة خلالها معلومات عن الجلادين المتهمين بارتكاب جرائم وتعذيب، واعتبرتهم بسبب ذلك مطلوبين للعدالة. كانت المعلومات تُنشر مع الصور المتوافرة للجلادين. بالنسبة للجلاد بدر الغيث، فقد كان من أكثر الجلادين الذين كان النشطاء والضحايا يبحثون عن صورة شخصية له، ولذلك كان نشر صورته مؤخرا حدثا مهما يستحق، بحسب الخواجة، تحديث الحملة المذكورة بوضع صورته ضمن القائمة.

تقول الخواجة بأن النشطاء قضوا وقتا كثيرا في العام ٢٠١٣م في البحث عن صورة للجلاد الغيث، المتهم بتعذيب الرموز والكثير من الكوادر والنشطاء والمواطنين، إلى أن تم الحصول عليها في صحيفة رسمية نشرت خبرا عنه بعد ترقيته لرئيس شعبة العمليات بالإدارة العامة بمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني.

بدأت “بطولات” الجلاد بدر إبراهيم حبيب الغيث في القضية المعروفة باسم “الحجيرة” في العام ٢٠٠٩م، وقام آنذاك بتعذيب المتهمين في هذه القضية، وأشرف شخصيا على اعتقال وتعذيب الأستاذ حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد وبقية الشباب. ومن ذلك الوقت بدأ نجمه في عالم التعذيب يلمع ويتم تداول في الشهادات وتقارير النشطاء.

إلا أن دوره التعذيبي ظهر بشكل أبرز في قضية “شبكة أغسطس ٢٠١٠م”، حيث تولى تعذيب الرموز والكوادر المعتقلين في تلك القضية، وخاصة الدكتور عبدالجليل السنكيس والشيخ محمد المقداد. وكان بدر حينها يحمل رتبة “نقيب” ويعمل في جهاز الأمن الوطني، وتولى شخصياً تعذيب الرموز والكوادر في سرداب القلعة (وزارة الداخلية)، وبعدها في سجن الحوض الجاف في عنبر رقم ٩ و١٠ التابع لجهاز الأمن الوطني، كما كان حاضرا في المحكمة للشهادة ضد الرموز والكوادر في قضية “أغسطس ٢٠١٠م”.

ويذهب نشطاء مهتمون بتوثيق سيرته الإجرامية؛ بأن دوره في هذه المرحلة شكّل “انعطافة” في عمله داخل المخابرات الخليفية، كما لفت أنظار مسؤوليه من الجلادين الكبار، وهو ما جعلهم يسندون إليه مهام مخابراتية وأمنية، جنباً إلى جنب دوره “البارز” في التعذيب والتفنن في أساليب انتزاع الاعترافات القسرية، وخصوصا بعد أن استعمل أبشع هذه الوسائل في العام ٢٠١٠م، حتى أن أحد الضحايا يشير إلى أن أشكال التعذيب الجسدي والنفسي التي تم استخدامها “فاقت كل الأشكال الإجرامية التي مرت عليه في تجارب اعتقاله السابقة”.

ومن تلك البوابة، وفي العام العام ٢٠١١، تم إعداد بدر الغيث ليكون الوجه الإرهابي الأبشع التي تولى تنفيذ الهجمات الإجرامية وعمليات الاستباحة التي استهدفت في شهر مارس من ذلك العام الرموز وقادة الثورة على وجه الخصوص، حيث كان حاضرا في اقتحام منزل الأستاذ عبدالوهاب حسين وتعدى عليه بالضرب مع بقية الضباط المرافقين، كما قاد الجلاد بدر عملية اعتقال الأستاذ عبدالهادي الخواجة وتسبب في كسر فكّه بضربه ورميه من أعلى السّلم أثناء الاعتقال. وشكلت هذه “البصمة” الإجرامية واحدة من أبشع الجرائم التي جعلت الغيث نموذجاً للمجرم الذي لا يتوانى على اقتراف أبشع الجرائم، وهو ما تشهد به إفادات الضحايا داخل السجون، بما في ذلك دوره في استشهاد عدد منهم تحت التعذيب، كما تم توثيق مشاركة الغيث في دفن عدد من الشهداء خفية في مقابر سرية.

بقي الجلاد بدر مختفيا طيلة الفترة القريبة الماضية، وظل خلف الأستار بعيدا عن الأنظار، بخلاف كثيرين من الجلادين الذين استطاع النشطاء والضحايا توثيق صورهم والانتهاكات التي تورطوا فيها.

كان لوالده، وهو المفتش العام في وزارة الداخية، دور أساس في تطعيمه بفنون التعذيب، حيث إن والده على صلة مباشرة أيضا بالعديد من الانتهاكات والجرائم التي تعرض لها السجناء البحرانيون على مدى السنوات الماضية.

السؤال الذي يشغل مئات، وربما آلاف الضحايا، هو لماذا تمت ترقية الجلاد بدر في منصبه الجديد وبرتبة (رائد)؟

يؤكد الضحايا والنشطاء بأن ذلك جاء تأكيدا على المنظومة الإرهابية التي تحكم النظام الخليفي، بما فيها القاعدة التي تقضي بترقية الجلادين وحمايتهم من العقاب والملاحقة، والتي تمثل بحسب أحد النشطاء “إحدى أبرز الدلالات على رسوخ العقيدة الإجرامية في نظام آل خليفة، وعدم إمكان إصلاحه أو تغييره من الداخل”.

وعلى الرغم من أن الجلاد بدر كان “حاضرا” في كل جلسات التعذيب التي تعرض لها الرموز، حيث بصمات التعذيب التي طبعها لازالت موثقة، إلا أن النظام الخليفي أراد من خلال تظهيره للعلن وترقيته “أن يتقدم أكثر في تثبيت المجرمين والجلادين داخل تركيبة النظام، والتأكيد على أن الضرب بقوة، والترهيب الممنهج، وثقافة التعذيب، والتلويح بأشرس الجلادين، هي الوسيلة الخليفية الراسخة في التعاطي مع المواطنين والنشطاء”، كما يقول ناشط سياسي بارز، والذي يضع هذا الطبع الخليفي في متناول كل الذين لازالوا  يعولون على “الإصلاح من داخل النظام، ويدفع بمشاريعه والمشاركة فيها، وبينها الانتخابات”.

لم يكن تظهير الجلاد الغيث بعيداً عن تهديدات الخليفيين بإنزال “أقسى العقوبات” بحق المعارضين والمواطنين، والوعيد بأشد الإجراءات لتكون “عبرة لمن لا يعتبر”، كما قال رئيس الحكومة الخليفية خليفة سلمان، تعليقاً على أحداث عاشوراء واحتجاج المواطنين بكتابة اسم حمد عيسى على الشوارع والدوس عليه. كما أن “الانفجار” البنيوي الذي يعانيه النظام الخليفي، والفشل العميق الذي يستولي عليه، رغم كل الإجراءات الإرهابية والقمعية؛ يدفعه للاعتقاد بأن استخدام الجلادين المعروفين، والتهديد المباشر بهم، يمكن أن يحقق له معادلة مرضية في “ميزان الرعب” مع حركة الاحتجاج والثورة المتواصلة، علاوة على أن عقيدة النظام في ترهيب “الوعي البحراني” يمكن أن تدفع المواطنين للخضوع والاستسلام، وهي العقيدة التي عبر عنها خليفة سلمان قبل ثلاث سنوات حينما امتدح ما وصفها بـ”غضبة فليفل” (في إشارة إلى الجلاد الشهير عادل فليفل)، في رسالة مباشرة إلى المعارضين بإمكان إعادة تشغيل النظام التعذيبي والترهيبي التي ارتبط بالجلاد فليفل لأكثر من عقدين من الزمان.

عدا على أن كل هذه الرسائل لن تُجدي نفعاً، فإن “غباء” النظام سيكون من أكثر الأمور تكرارا ومحلّ سرور النشطاء. فحملة “مطلوب للعدالة” التي أطلقها مركز البحرين لحقوق الإنسان، وتوقفت فجأة لأسباب فنية وإدارية، يجد اليوم أنها جديرة بمعاودة إطلاقها وبجاهزية أكبر، وفي ظروف ملائمة تُسعف أكثر في تحقيق أهدافها، حيث بات إجرام الخليفيين وإرهابهم موثقا أكثر، ومحلّ إدانة أممية غير مسبوقة، ومن الممكن أن يكون غباء النظام وحمقه هذه المرة “فرصة ذهبية” للإطباق عليه ومحاصرته بأبنائه الجلادين. لقد أصبحت الكرة الآن في ملعب النشطاء، وهم ولا شك قادرون على تسديدها في الاتجاه الصحيح، وفي المرمى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى