ملفات

(2) “الصندوق الأسود” لحزب الله الحجاز: تحقيقات السعودية حول تفجير الخبر.. ولعبة الاتهام الجاهز

 

الحلقة الأولى:

(1) “الصندوق الأسود” لحزب الله الحجاز: كيف تم اختطاف أحمد المغسل؟

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

مع لقاء الملك السعوديّ اليوم الجمعة، 4 سبتمبر، بالرئيس الأمريكيّ باراك أوباما، فضّل التلفزيون السعودي (الإخباريّة) إعداد برنامج حول المعارض أحمد المغسل وتسليمه إلى السعودية.

الأخبارية
برنامج في “الإخبارية” السعودية، الجمعة 4 سبتمبر، يثير ملف أحمد المغسل.

البرنامج شدّد، وبطريقةٍ البروغوندا، على الحديث عمّا أسماه “إنجازات” السعودية في مكافحة الإرهاب، معتبرا القبض على المغسل باعتباره “مثالا” نموذجيا على هذا الدور.

اللافت أنّ الرواية السعوديّة القديمة تم إعادة إحيائها، وتحديداً بشأن الزّعم بارتباط المغسل في تفجير الخبر عام 1996م، ومنه الحديث عن “كنز” من المعلومات التي تكشف – بحسب الرواية المتجددة للسعودية – عن ارتباط إيران وحزب الله بعمليات إرهابية واغتيالات في أكثر من بلد.

لا شك أنّ هذا الترسيم الكاريكاتوري الذي تقدّمه السعودية لا يقف بعيداً عن الضّخ المتزايد باتجاه إيران وحزب الله، والسّعي الحثيث من أجل سحب التهمة الموجهة إلى النظام السعودي برعاية الإرهاب، وتوجيهها إلى مكان آخر. وهو تكتيك يقول العارفون بالعقل السعوديّ بأنه جزء من الآليات التقليدية التي يمارسها آل سعود، وخاصة في سياق خلط الأوراق، والهروب إلى الأمام، وإخفاء معالم الجريمة التي تؤشّر عليهم.

 

صحيفة "الرياض" السعودية، وقبل أيام من إعلان القبض على المغسل، نسبت تفجير الخبر إلى "القاعدة"
صحيفة “الرياض” السعودية، وقبل أيام من إعلان القبض على المغسل، نسبت تفجير الخبر إلى “القاعدة”

في الأيّام التالية التي أعقبت تسليم المعارض البارز أحمد المغسل إلى السلطات السّعوديّة، وبعد إعطاء الضوء الأخضر للكلام، بدأت وسائل الإعلام السعوديّة تشنّ سلسلة من الدّعايات التي كان واضحاً أنّها وقعت في “سكْرة” الفرح بالقبض على الرّجل الذي كان ملاحَقاً لأكثر من 19 عاماً.

“السّكْرة” أفقدت الأجهزة الأمنيّة والإعلاميّة التابعة للنّظام السّعودي “التّوازن” في إدارة “الأكاذيب”، وخاصة في ملف الاتّهام المزعوم الرئيس الموجّه ضد المغسل، أي تفجيرات الخبر.

وكما تمت الإشارة في الحلقة الأولى، فإنّ صحفا سعوديّة رسميّة، وقبل أيّام من إذاعة خبر اختطاف المغسل وتسليمه للرياض، أكّدت بأن التفجيرات كانت من تدبير تنظيم القاعدة، وبشكل واضح. إلا أن هذا الإرباك يتّصل مباشرةً ب”الإرباك” التي أحاط عملية التحقيق التي جرت في السعودية والولايات المتحدة حول هذه العملية، وما لابسها من تداخلاتٍ تُشبه “الانتفاخ” السعوديّ الذي ظهر بعد تسلُّم المغسل، والحديث عن “دور مخابراتي سعودي” طويل المدى، والنَّفس، وأنّ “الأمريكيين كانوا آخر من عرف بالموضوع”، بحسب ما قالت صُحف السعودية.

 

 

تحقيقات تفجير الخبر: تصميم الاتهام ضد “شيعة” المنطقة الشرقية

 

يؤكد التحقيق الوثائقيّ الذي أعدّه الباحث السياسي فؤاد إبراهيم، بأنه قبل أن يبدأ التحقيق في الحادث وملابساته؛ وجّهت السلطاتُ السعودية أصابع الاتهام الى مواطنين شيعة، ينتمون بحسب رواية وزارة الداخلية إلى “حزب الله الحجاز”. وبناءاً عليه جرى اعتقال عشرات من المشتبّه بانتمائهم للتنظيم، بمن فيهم منْ يُعتقد بأنهم قيادات عليا في التنظيم المذكور.

وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق وارن كريستوفر
وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق وارن كريستوفر

على الأرض، كان هناك منْ يعمل بوتيرة سريعة على إخفاء معالم الحدث من مسرح الإنفجار. فقد طالب وزير الخارجية الأميركية، وارن كريستوفر، حينذاك – والذي كان في زيارة إلى الرياض – بالوقوف على الإنفجار، إلا أن طلبه قوبل بلا مبالاة متعمّدة، وتمّ تأخير وصوله إلى موقع الإنفجار بعد أن تغيّرت معالمه، وأزيلت الآثارُ التي يمكن أن تدّل على الجهة المسؤولة عن الإنفجار.

وكانت هيئة التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) قد طلبت فور الانفجار من السلطات السعودية المشاركةَ في التحقيق، إلا أن الأخيرة رفضت الطلب من حيث المبدأ، وسُمِحَ لأفرادٍ منها بزيارة الموقع بعد مرور أيام على وقوع الانفجار.

أصرّت الداخلية السعودية، ممثلةً في وزيرها الأسبق نايف بن عبد العزيز – الذي شنّ عليه لاحقاً الشيخ نمر النمر، المحكوم بالإعدام، هجوماً عنيفاً – على ترسيخ روايةٍ واحدة للرأي العام الأميركي وللإعلام الدولي، وأوصدت في المقابل الأبوابَ أمام أي كلام عن أطرافٍ أخرى قد تكون ضالعة في انفجار الخبر، مثل تنظيم القاعدة، أو ربما أطراف داخل عائلة آل سعود نفسها.

 

وكالة (آي بي سي) تنشر تحقيقاً يُحدث صدمة في المنطقة الشرقية والعالم

 

CNl9iWsUYAArztfبقي ملف انفجار الخبر مفتوحاً، ولم يُحسم نهائياً في تحديد الجهة المسؤولة. ولكن وكالة (آي بي سي) الأميركية نشرت تحقيقاً مطوّلاً في الفترة ما بين 23 و27 سنة 2009 أحدث صدمةً في الأوساط الحقوقية والقضائية والإعلامية والشعبية، وفي أماكن مختلفة من العالم، وخاصة في السعودية، وبشكل أكثر تحديداً في المنطقة الشرقية، حيث يُعتقل نحو 10 معتقلين في السجون السعودية منذ العام 1996 بتهمة الضلوع في الانفجار، دون محاكمة أو تمثيل قانوني يكفل حقوق السجناء.

التحقيق المُشار إليه عزّز من قناعة كثيرين بأنّ منْ قام بتفجير الخبر، هم من “الوهابيين المتطرفين”، وأن آل سعود أرادوا تحريف التحقيق بغرض لصق الاتهام بالشيعة، ولأهداف معروفة، ومنها:

– تصفية حسابات آل سعود مع الشيعة معهم، رغم أنها كانت قد أقامت حواراً مع قيادات شيعية في الخارج عادت فيما بعد إلى البلاد، وهو حوار أزعج رجال الأمن.

– إن الحكومة السعودية لم ترغب في أن يعرف العالم أن أنصارها في المنطقة الحاضنة للسلطة من أتباع المذهب الرسمي؛ هم وراء التفجير، خاصة بعد اتهامها لشخصياتٍ وهابية متطرفة عادت من أفغانستان بالقيام بتفجير العليا عام 1995م، وأعدمت أربعة منهم.

 

المعارض السعودي سعد الفقيه
المعارض السعودي سعد الفقيه

سعد الفقيه، المعارض السلفي المقيم في لندن، دأب منذ وقوع انفجار الخبر على تكرار نفي أن المواطنين الشيعة كانوا وراء تفجير الخبر، وأن منْ قام به هم من السلفيين من جماعة أسامة بن لادن (قبل الإعلان بصورة رسمية عن تشكيل تنظيم القاعدة).

وقال الفقيه، في لقاء له مع قناة (العالم) الإيرانية في 5/7/2009م: “إننا منذ سنة 1996 أعلنا أن الفاعل الحقيقي لتفجيرات الخبر ليس الشيعة، وإنما يقف وراء الانفجار تنظيم القاعدة”.

جاء ذلك في تعليق له على التحقيق الأميركي. وأضاف، موضّحاً أسباب إلقاء التهمة على المواطنين الشيعة: “بعد تكرار الحادث في انفجار الرياض، كانت الحكومة السعودية تخشى أن يُقال أن هناك تحديًّا داخلياً من قبل المجتمع”، مشيرا إلى أنه “لو اعترفت الحكومة السعودية بأن هناك تحدياً من داخل المجتمع السعودي السني، فإنها بمثابة اعتراف بأن هناك تفجيرات متكررة من قبل قوة داخلية عجزت الحكومة السعودية عن إيقافها”، وأوضح أنه كان “أجمل وأحلى للحكومة السعودية أن تقول أن الفاعل أقلية محسوبة على دولة خارجية، لأن هذه الصياغة لا تقدح في استقرار النظام السياسي”، بحسب تعبيره.

كان يرى الفقيه أن السلطات السعودية تخفي عن قصد حقيقة ما جرى في عملية الخبر، وأنها أخفت المعلومات المتعلقة بالتفجيرات، مضيفاً بأن الحكومة لم تكن مضللة، بل عرفت المجموعة وقصدتها، واعتقلت أعضاءها ونقلتهم من باب التضليل وإخفاء الخبر.

ولكن ماذا يقول التحقيق الأميركي؟

هذا ما نتابعه في الحلقة المقبلة..

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى