المنامةما وراء الخبر

متابعات: من “اسحقوه”.. إلى “عصف الغيارى”.. كيف هو حال “الورد” في البحرين؟

Capture

البحرين اليوم – (خاص)

 

متابعات

ما وراء الخبر

 

 

جريمة هتْك الأعراض في البحرين ليست حدثاً مفاجئاً.

هي – لا شكّ – حدثٌ “يهزّ الأبدان والأرواح”، ولكنّ الشهادات الموثقة على هذه الجريمة لم تكن غائبةً على أحد من الناس والناشطين، ومنذ السنة الأولى للثورة.

الكاميرا، منذ العام 2011م، وثّقت هذه الجريمة المتسلسلة. الاعتداء على النساء في الشوارع والساحات. اعتقالهن بوحشية، وإلقاء الشتائم عليهمن، وإجبارهن على الاستلقاء على الأرض وهن مقيدات من الخلف.. هذه صورٌ لا تغادر محفوظات أجهزة الحاسوب، ولا تزال حاضرة في محرّكات البحث بمواقع التواصل الاجتماعيّ، وذلك في حالِ أنّ ذكراة أحدٍ من الناس نست ذلك، أو أُصيبت بالثقوب الطارئة.

هتْكُ الأعراض في البحرين؛ أشعلَ الخطابَ الثّوريّ الأعلى في منبر جامع الإمام الصادق بالدراز. كانت صرخة “اسحقوه” التي أطلقها آية الله الشيخ عيسى قاسم؛ من الصّرخات النادرة، وغير المسبوقة، والتي ظهر فيها الشيخُ غاضباً وعلى نحوٍ قالَ بعضُ متابعيه خلال عقود ثلاثة؛ بأنه “لم يُرَ هكذا من قبل”. سرعان ما أسّست هذه الصّرخةُ “الشرعيّة” لخيار “الدفاع المقدس”، والذي تراه القوى الثوريّة المعنى الآخر لفكرة الدفاع عن النفس في وجه أيّ تهديدٍ ينال النفس أو العرض أو المال.

خطبة الشيخ قاسم كانت في السنة الأولى من الثورة، وهو ما يعنيّ أنها كانت “حرارةٌ أولى” لما كان قد بدأ مبكّرا من انتهاكات طالت النساء البحرانيات.

جاء المحقق شريف بسيوني، وسجّل جانباً آخر من هذه الانتهاكات في تقريرٍ يمكن الرجوع إليه في أيّ وقت. قصصٌ ومرويات كثيرة عن انتهاك الأعراض لم تنقطع طوال هذه السنوات. كان الخليفيون يمارسون هذه “العادة الأصيلة فيهم منذ الغزو الأول لهذه البلاد قبل أكثر من قرنين من الزّمان”، يقول ناشط بحرانيّ وهو ينتقد التراجع الذي أُحيط بالعبارة التأسيسيّة في الدفاع عن الأعراض، “اسحقوه”، والتي يرى أنّه سرعان ما تمّ الالتفاف عليها، و”إدخالها في دهاليز التأويلات”، وإلى أنّ فقدت “معناها، ثم اختفت من الخطاب السياسيّ للمعارضة”.

يُسجل هذا الناشط كيف أنّ العديد من المفردات والمواقف التي سجّلها الشيخ قاسم؛ كان يمكن أن تُترجَم إلى وضع سياسيّ معين، وعلى نحو “تؤسّس لانتقال ميداني وسياسيّ مغاير لما ذهبت إليه الأمور خلال السنوات الماضية، وخاصة من جانب الجمعيات السياسية”، مؤكداً بأنّ هناك منْ “كان يشعر بالحرج من الخطاب الثوريّ الذي بادرَ الشيخ قاسم لتأسيسه، وكأنه كان يضع الأسس الأولى للحراك البحراني”. إلا أن الحركةَ السياسية العامة في البلادِ؛ أخذت اتجاهاً لا ينسجم مع “تلك التأسيسيات المفاهيمية التي اشتغل عليها الشيخ قاسم”.

خلال السنوات الماضية، دُشنّت العديد من الفعاليات، وخاض المواطنون أنشطة إعلاميّة وميدانيّة عديدة للتنديد بالاعتداء على النساء، والحملة الأخيرة التي أُعْلِن عنها تحت شعار “عصف الغيارى” تأتي في سياقِ هذه الفعاليات التي أُريد منها إظهار الغضب والاستياء، وإقامة المزيد من عمليات الفضْح لهذا النظام الذي لا يُراعي أبسط “معايير العروبة والإسلام”. هذه هي الفكرة العامة التي يطرحها منْ يدير هذه الأنشطة أو يدعو ويُشارك فيها.

ولكن هناك منْ يقول بأن إطلاق هذه الفعاليات تحت تأثير “ردة الفعل”، يجعلها “مؤقتة”، ومحدودة في الزمان، لتختفي بسرعة من غير تحقيق أثر ملموس، أو ذي جدوى.

هذا النقد يتوجه إلى مسار الفعاليات الخاصة بالتضامن مع نساء البحرين تحديداً، ويشير أصحاب هذا النقد إلى أن هناك قصورا في بناء “خطة الدعم والمساندة”، وخلْط “الأبعاد الإعلامية والحقوقية والميدانية” في تلك الفعاليات، ومن غير “التخصّص فيها”.

يرى هؤلاء أنّ التعدي الذي واجهته المرأة البحرانية، منذ بدء الثورة، كان يجب أن يأخذ الاهتمام “الثابت” من الجميع، وأن يُعالَج بشكل جذري، انطلاقاً من الأساس “الشرعي” الذي أرساه الشيخ قاسم عبر مقولة “اسحقوه”، والتي كان يُفترض أن يُخصّص لها عمل تأسيسي واسع، “يبدأ من جمْع الفتاوى الخاصة بانتهاك عرض النساء في البحرين خاصة”، و”الأساس الشرعي للدفاع عنها”، وبالتالي صياغة الموقف الميداني الملائم في مثل هذه الحالات.

ويضيف هؤلاء “بعد إقامة هذا التأسيس الشرعي، يأتي العمل الإعلامي والحقوقي”، والذي يتطلب أيضاً أن يكون مراعياً “لتعدد الجهات المعنية بالخطاب، في الداخل والخارج”، وبالطريقة التي تستهدف تحقيق أهداف محددة “وعلى رأسها؛ تأكيد الوجه الإجرامي للنظام الخليفي، والعمل على تحصيلِ دعم حقوقي دولي استناداً على الوثائق التي تكشف طريقة تعامله مع النساء”.

حصل ما يُشبه “الإجهاض” لهذا الجهد المطلوب، كما يقول البعض.

كان هناك خشية لدى البعض من أنّ تطوُّر الرد “الرافض” لجريمة هتْك الأعراض؛ سيعني سدّ الطريق أمام أيّ “حوار” مع النظام المتّهم بهذه الجريمة، والذي لم يفعل شيئاً في سبيل ردّ التهمة عنه، أو الظهور بأنّه بريء منها.

كان معنى أن يكون الخليفيون – في الخطاب السياسيّ العام – مصداقاً للمجرمين الذين يستحقون “السّحق” الشرعي لكونهم يدفعون بقوّاتهم ويبرّرون لجلاّديهم بهتك أعراض الحرائر؛ هو أنّ أيّ “تفاوض” أو “تلاقٍ” أو “تعاطٍ” أو “جلوس” معهم هو بمثابة مصافحة المجرم الذي ينطبق عليه موْرد “السحق”.

ولذلك، يضيف ناقدون، كان الهمّ الأكبر لبعض السياسيين هو “تمييع” ملف “هتك أعراض النساء”، ابتداءاً من تذويب مشروع “اسحقوه” بالتأويلات الدائرية، وبعمليات لا تنتهي من الإبعاد عن الذاكرة، وصولاً إلى وضْع هذا الملف الخطير في سياق القائمة الطويلة من الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان، ليضيع هذا الملف ضمن هذه القائمة، وكأنه لا يختلف عن قمع مسيرة بغاز سام، أو إقامة حاجز اسمنتي حول بلدة ما، أو استدعاء معارض للتحقيق في مركز الشرطة لأقل من ساعة.

المشاركة في أيّة فعالية تفضح جرائم آل خليفة؛ مطلوبة، وبدون أي نقاش في التفاصيل. إلا أنّ على الذين يجْهدون ويجتهدون في ابتكار “الشعارات” وعناوين “الحملات” المؤثرة والبرّاقة؛ أن يخصصوا قدْرا من الجهد والوقت لإدارة هذا الملف الهام وبما يلائم خطورته الشديدة، ولكي لا يكون الغضب مجرد صرخةٍ في واد، ولكي لا يكون الأمرُ فقط محاولة لشغْل الفراغ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى