مقالاتنادر المتروك

مرض "الرياض" وابتلاء الإقليم

نادر المتروك - كاتب صحافي - بيروت
نادر المتروك – كاتب صحافي – بيروت

في عام ٢٠٠٩م، برزَ الشّيخ حسن الحسيني في البحرين وهو يدعو لما يُشبه “الوحدة” بين المسلمين، اعتماداً على مقولة “الصّحب وآل البيت”، التي تحوّلت لتكون عنواناً لجمعيته التي تتخذ من الرّفاع مقرّاً لها. سنتان فقط كانت كافية ليتحوّل حسن، وشقيقه محمّد، إلى أبرز الوجوه الفاعلة في الاحتراب الطائفي الذي اشعله دخول قوّات درع الجزيرة إلى البلاد، في مارس ٢٠١١م، تحت شعار مواجهة الخطر الصفوي الذي زُعِمَ أنّه كان يُداهِم البحرين تحت غطاء الثورة التي وصلت أوجهها في اعتصام دوّار اللؤلؤة (فبراير ٢٠١١).

تجربة “الآل والأصحاب” سرعان ما انتقلت إلى أكثر من بلد عربي، ومنها مصر، التي يشنّ فيها سلفيّون ناشطون في تجمع يحمل عنوان “ائتلاف الآل والأصحاب”، أعنف هجوم مذهبي ضدّ الشيعة، وبإيعاز مباشر من السعوديّة.
السّعوديّة أرادت أن تجرّب خطّة جديدة في إدارة أزمتها الخاصة. تعتقد الرّياض بأنّ المطلوب تفجير المحيط لإبعاد احتمالات التفجير الدّاخليّ، أو تأجيله والتخفيف من آثاره. خبراء الإستراتيجيّات الذين تعوِّل عليهم السعودية يرون بأنّ الحلّ الأمثل لإبعاد إيران عن المنطقة، هو تهديد وجودها، أو إشعارها بأنّ أمْنها الدّاخلي لن يكون هادئاً. بمعنى آخر، فإنّ الخّطة تقضي بأن يُفعَل بإيران ما تفعله هي – بحسبِ الاتهامات – بجيرانها.
تبرّع كثيرون لتجميع الحطب.

الكويتي عبدالله النّفيسي، مثلا، قام بتسويق – أو إحماء – هذه الخطّة. كان من حُسن الصّدف – كما بدا للوهلةِ الأولى بالنسبة لنظام البحرين – أنّ النّفيسي كان قد أتمّ الخروج على ذاته، في ذات الفترة التي اكتملَت فيها ملامح ثورة البحرين. انكبّ “الخبير الإستراتيجي” على تفريغ محصّلته الجديدة على هذه الثّورة، ووجدَها المختبرَ الجاهز لتجريب تحوّلاته غير المفاجئة. فتحَ “المشيرُ”(وزير دفاع البحرين) له البابَ، والمزراب. استقبله في مكتبه، وتبادلا الخبرات. زاوَجَ الرّجلان طرفي النّقيض، وجمعا قوّةَ الفكر المتخيّل مع سطوة العسكر المهجّن. النتيجة كانت أكبر عملية تنويمللدّماغ، لازال مفعهولها يفعل فعلته فيهما.
انتفخ المشيرُ كثيراً، حدّ تورّطه في الانتشاء الذي رعته الطفيليات التكفيريّة التي رفعت سيوفها في دوّار السّاعة وساحة “الشرفاء”. ضخّت فظاعاتُ”درع الجزيرة” شعوراً “تاريخياً” بأنّ انتصاراً عظيماً تمّ عبر دحر جحافل “الصفوي” الذي كان على وشك الإنزال البحري على مقربة من دوّار اللؤلؤة. سيناريو مُفعم بالإثارة فُصِّلَ على هوى الحلف الجديد الذي كان بحاجةٍ ماسّة لكذبة طويلة تعينه على الهروب من عاهات نهاية العمر.
طيلة السّنوات الماضية، لم تفلح الرياض في أنتكون الراعي الصالح لأبنائها المرضى. لم يُعينها التاريخ ولا الجغرافيا ولا منظومتها الهويّاتيّة، ووجدت نفسها مُحاصَرة ببيت الحُكم المتدهور، وبحدودها المتصدّعة، وبأبنائها “الضّالين” الذين ارتدوا عليها. علاجاتُها المستعملة كانت سبباًفي توسيع جراحاتها، وفي افتضاح الأدواء المتفشّية فيها. استعملت الرياضُ أدواتها المجروحة للحدّ من آلامها: سلاحُ النّفط الذي لا يعرف وفاءاً لحامله/ شيوخُ الوهابيّة الذين كلّما دافعوا عن حكّام السعودية كلّما زادوا عليها المآزق واللّعنات/ أمبراطوريّة الإعلام التي وفّرت دون قصد المزيدَ من “مستندات” الإدانة ضدّ الرياض/التدلّل إلى حلفائها الكبار بوسائل هستيرية تفشل في إخفاء التذلّل.
هل ابتعلت الرياض الطُّعم؟ أم أنها تمضي في”سيرورتها التاريخية الطبيعية”؟

لا فرق، حتّى الآن. النّتيجة واحدة في النّهاية. ومع تخفيف حجم التفاؤل، فإنّ “المملكة” ليستعلى ما يُرام وما عادت “الشقيقة الكبرى” ولا صاحبة “النفوذ الأقوى”، وهي تواجه، يوميا،النتائج المتراكمة لما يصفه الباحث حمزة الحسن بأعطاب “النخبة النجدية” الحاكمة، والتي فشلت في الانتقال إلى “الدولة الحديثة”، وتعثّرت عليها السّبلُ الملتوية التي بذلتها لجمع الانقسامات المذهبية والإثنيّة المترامية على خارطتها المحاطة بأكثر الحدود اشتعالاً أو قابلية للاشتعال.
سياسة الرياض في “تشتيت” الألم الداخلي نحو الأطراف الداخلية وفي اتجاه الخارج، كان سبباً في انفجارات الداخل، وفي الابتلاءات المستدامة على مستوى الإقليم. وإذا كانت البحرين الضّحية الأولى لهذه السياسة، فإن المنامة صالحة لأنْ تكون محطة العلاج الأولى للرياض، إنْ أراد آل سعود علاجا فعّالا. ولكن، المكابرة وعدم الاعتراف بالمرض، أو التحايل عليه، لا ينبيء بأن حكّام السعودية جاهزون لهذه الوصفة، وهو ما يظهر من تغوّل النظام في البحرين وتعنّته المسنود من السعودية. نتائج ذلك ستكون المزيد من الويلات، وهذه المرة لن تكون من نصيب الشعوب فحسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى