ما وراء الخبر

اجتياح العوامية: هكذا طبّق محمد بن سلمان هجومه على “أيديولوجيا” المهدي المنتظر

البحرين اليوم متابعات

هو تطبيق عملي للعقيدة التي عبّر عنها محمد بن سلمان، حينما تحدّث في مقابلة تلفزيوينة أخيرة عن (أيديولوجيا” المهدي المنتظر، وشنّع بهذه العقيدة وهو يهاجم إيران. على هذا النحو يقرأ أحد المعارضين ما يفعله آل سعود بالعوامية منذ ثلاثة أيام. في هذا الموضوع، لا يوجد خلاف بين المحمدين، ابن سلمان وابن نايف، فكلاهما معمَّدان بالوهابية البغيضة، يضيف المعارض الذي يرى أنتوقيتاجتياح القوات على حيّ المسورة لم يكن بمحض الصدفة، حيث جاء الاجتياح متزامناً مع احتفال المسلمين الشيعة بمولد الإمام المهدي، والذي عادة ما يكون مناسبة خاصة لتداول أحاديث الخلاص من الظلم، وانتظار الفرج من الظالمين. إلا أن السعوديين كانوا يريدون أن يقولوا أن هذا الخلاص مستحيل، وأن رصاصهم وقذائفهم ستكون أعلى صوتا من احتفالات المولد الشريف!

من المؤكد بأن العواميّة، بأحيائها التي تزخر بأنفاس الشهيد الشيخ نمر النمر، لا تزال تمثّل مأزقاً لآل سعود، والأرجح أنهم لم يستطيعوا حتى الآن الانقضاض على إرثه وتراثه المعنوي والمادي، ولعل استهداف حوزته أكثر من مرة، وتعقّب المؤمنين بنهجه من الشّبان الناشطين؛ يكشف عن ذلك الحجم الكبير من الرّعب الذي لازال يُشكله الشهيد النمر، كما يؤكد الذين رصدوا تفاصيل الحرب التدميرية التي يتعرض لها حي المسورة بالعوامية، والتي أدت حتى الآن إلى استشهاد أربعة أشخاص، بينهم طفل لم يتجاوز عمره الثلاث سنوات، إضافة إلى إصابات حرجة طالت الرجال والنساء والأطفال.

أحد المعلقين يفضّل الذهاب باتجاه الجنوب، فالمأزق العميقفي اليمن أراد السعودية تحويله إلى الشرق. من زاوية بعيدة، يمكن أن تخطيء العين معرفة أن مشاهد الدمار المتداولة هي في البلد النفطي الأكبر، وفي البلاد التي تستعد لاستقبال أكبر رئيس دولة في العالم كان قد توعّد آل سعود باستنزاف أموالهم ثمناً لحمايتهم الطويلة وتورط أيديولوجيتهم المتطرفة في توريد الإرهابيين إلى الخارج. سُحب الدخان، والمنازل المهدَّمة، وتوغل المدرعات داخل الأحياء المأهولة بالسكان، وانتشار المئات من الحواجز الإسمنتية حول العوامية وضواحيها، فضلا عن قصف المساجد والبنى التحتية؛ هو بعض من إنجازات هذا الاجتياح الذي لا يختلف كثيرا عما فعله، ويفعله، الإسرائيليون، والخليفيون أيضاً. هو، كما يصف البعض، تشابه أفعالٍ لتشابه في الأصول بين الدولتين اللتين تستعدان لاستقبال ترامب“.

في السياسة، هناك منْ يجد نفسه في حيرة في فهْم ما يقوم به النظام السعودي. فقبل أيام كان مسؤول أممي يزور البلاد، وسجّل انتقادات لاذعة لأوضاع حقوق الإنسان هناك. كما أن التقارير الدولية لا تتوقف في اعتبار السعودية نموذجاً لـصندوق الانتهاكات” الأكثر سواداً. وعدا عن ذلك، فإن المنطق الطبيعي يفترض أن يلجأ النظام لـتبريد ساحته المحلية، والتفرُّغ لوضعه المتوتر على الحدود، وفي محاور الصراع الإقليمية. هذه الفوضى في الخيارات الداخلية تدفع البعض للاعتقاد، مجدداً، بتلك النظرية التقليدية التي تقول بأن هناك أيدٍ خفية تجرّ آل سعود للوقوع أكثر في الفخ، أو لتوريطه في أكثر من فخ. مع قلة إمكانات التحليل الواقعي للسياسة السعودية؛ فإن هذه النظرية قد تكون الأقرب لتفسير ما يفعله أمراء الحرب بأنفسهم.

ولكن، في الوقت نفسه، لا ينبغي التقليل من الحافز الإضافي الذي يُوقد هذا المستوى الفاضح من الجرأة التي يتحلى بها السعوديون والتابع الخليفي كذلك وهو حافز ينبع من يقينهم أن العصا بعيدة عنهم، وهم يجدون أن الضّوء الأخضر أو غيره – أكثر لمعاناً هذه المرة من جانب الأمريكيين والبريطانيين، فيما يجد الألمان أنفسهم في موضع جديد من المنافسة على أداء هذا الدور، ولاسيما بعد زيارة انجيلا ميركل إلى الرياض الأسبوع الماضي تثبياً لصفقات وعقود سابقة لها علاقة بالتسليح والتدريب العسكري. والحقيقة الماثلة تقول إن الأوروبيين في بلاد المشيخيات يطبقون مقولة “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، وهم لا يجدون بعد اليوم حرجاً في فعل ذلك، وليس هناك منْ/ أو ما يكسر “حياءهم” حينما يعيدون توزيع الديباجة الخاصة بحقوق الإنسان، والتزامهم بـ”أشد المعايير صرامة” في هذا الشأن خلال إبرامهم عقود التسليح مع أبشع الديكتاتوريات في المنطقة!

إذن، هو خليط من الإرادة الداخلية، أو الجنوح الذاتي نحو القتل والتدمير، من جهة ومن التلويح بعدم الممانعة أو التصريح بها من جانب “الحلفاء الكبار”، من جهة أخرى. ولهذا السبب، مثلا، ليس من العسير استيعاب استمرار السعودية في عدوانها الشامل على اليمن، في الوقت الذي بات غير خاف على أحد حجم الكارثة التاريخية والإنسانية التي تتواصل في “البلد الأفقر بالمنطقة”، وعلى مرأى وتدوينات العالم ومنظماته الدولية والأممية. رغم ذلك، يعُلن الأمريكيون والبريطانيون، بين فترة وأخرى، عن أسلحة جديدة “وذكية” تُباع إلى السعودية وإلى الدول المشاركة في العدوان على اليمن. هذا الخليط، من جانب آخر، يُسعف على معرفة طبيعة “الإمدادات” التي يتغذى بها “الشر الإستراتيجي” العائم في هذه المرحلة “المجنونة” من الكرة الأرضية. فليس هناك، أولاً، إرادة “دولية” حقيقية، وناصعة، ولوجه “الإنسان”؛ لإحلال السلام والأمن والعدالة والتنمية.. كما أن الدول التابعة، ثانياً، أضحت أكثر فقداناً لاستقلالها وإرادتها الحرة، وباتت في وضع يُشبه “الانصياع المغناطيسي” لمنشآتها التاريخية، ومحاضنها الأيديولوجية، ومفارخها الأولى. والأمر الثالث هو أن الشعوب – ورغم قلة الحيلة والناصر وكثرة القمع والدمار – تظل هي “العدو المشترك” للأنظمة التابعة، ولأنظمة “السلاح” معاً، وكلاهما يفعل بطريقته الخاصة ما يُتيح إسكات هذه الشعوب وسحقها (كما تفعل أنظمة القمع التابعة)، أو تخديرها وتجويف تفكيرها الإستراتيجي في الخلاص وتقرير المصير (كما تفعل أنظمة السلاح المهيمنة).

قد يكون الصمت المطبق إزاء ما يجري في العوامية منذ أيام؛ هو علامة على “تحوّلات جديدة” يظن السعوديون أنهم استطاعوا الحصول عليها من دول الغرب. ولكن، ومن غير تدقيق طويل، لا ينبغي أن يغمض السعوديون أعينهم عن دروس التاريخ والجغرافيا و”الأيديولوجيا”. لقد تحدث محمد بن سلمان، في مقابلته المتلفزة الأخيرة، عن “أيديولوجيا” تؤمن بها إيران، وهي سبب عدم إمكان التفاهم معها أو التقارب منها، وهذا “الأمير الصغير” المُغرم بالألعاب الإلكترونية قد يكون معلمه الوهابي أخفى عنه أن “أيديولوجيا المهدي المنتظر” كانت – عبر التاريخ – واحدة من أهم أسباب رفْد المؤمنين بها بالقدرة على تحويل المحن الكبيرة إلى “منح إضافية” للبقاء والاستمرار، وأن “انتظار الفرج” في التفاسير “العصرية” لهذه الأيديولوجيا ليست انتظارا خاضعا وركوناً للاستسلام. لقد صنعت هذه الأيديولوجيا “مقاومات” سيكون حريّاً بآل سعود استرجاع أبرز نماذجها الماثلة في لبنان، حيث نطق “الوعد الصادق” هناك ردّاً على “ترهات الابن المدلل لسلمانكو”، كما يحلو لأحد المعارضين أن يختم “أصلَ الموضوع وفصله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى