ما وراء الخبر

الشيخ علي سلمان هدفاً جديداً لحماقات آل خليفة: أما آن أوان نفاذ الصمت؟

 

البحرين اليوم – (متابعات)

مثل ما يفعله العجوز المريض الذي فقد كلّ صلاحياته؛ يفتح آل خليفة النار على المعارضة في البحرين، وكأنهم يأملون أن يجدوا في ذلك نتيجةً تُنقذهم من الإنزلاق التدريجي نحو المجهول. بمقاربة أخرى؛ تكاد تكون “الحفرة” التي يحفرها الواقفون خلف السّتار للخليفيين – ومن الملف القطري تحديدا – هي “المقبرة” التي يُجهّز حمقى آل خليفة – وكلهم حمقى – آخر ما يستلزم لإتمام مراسم السقوط فيها. وإلا – يقول أحد المعارضين – ما الذي سيجنيه الخليفيون من هذا “الإندفاع الغبي لأن يكونوا حطباً في نار الأزمة مع دولة قطر، وهم يعلمون أن نهاياتها ستطول، ونتائجها لن تكون في صالح أيّ طرف من أطراف الأزمة المفتعلة، وخاصة الأطراف الهامشية، مثل نظام آل خليفة؟!”

الاستهداف الجديد ضد الشيخ علي سلمان، من خلال قصّة المحادثة الهاتفية مع حمد بن جاسم آل ثاني (شاهد الفيديو: هنا)، يؤكد أن هناك إفلاسا غير طبيعي في أدوات النظام الموجّهة للمعارضة، وهو من نوع الاستهداف الذي لا يحمل حدّا أدنى في مصداقية الاتهامات، أو في ذكاء تسديد الضربات، سواء في التوقيت أو في إدارة اللعبة برمتها. من حقّ أي متابع أن يسأل: “ما الذي يعنيه استغراق النظام في البحرين، منذ أشهر، في توظيف الأزمة مع قطر لتوجيه اتهاماتٍ لجمعية أغلقها رسميّاً، وقياداتها إما في السجون أو في المنافي، ومنْ تبقّى منهم داخل البلاد اختاروا مرغمين الصّمت لاجتناب عذابات جديدة ذاقوها في المبنى الأمني بالمحرق؟!” وإذا كان هناك منْ يملك قدرا أوسع من حرية السؤال والتفكير، من حقه أن يسأل أيضاً: “أليس كلّ ما يُشنّع به الخليفيون على قطر – وعلى النحو الذي اختصره وزير إعلامهم علي الرميحي – هم أولى به، وغارقون فيه حتى الثمالة، ليس ابتداءاً بملف التعامل مع الإسرائيليين، ولا انتهاءاً بسياسة التدليس والتحريض الإعلامي وإنتاج الكراهيات والأكاذيب على الناس. ماذا سيستفيد آل خليفة من المضيّ في هذه الطريق التي لا نهاية لها إلا الخيبة؟”.

ولكن، من المفيد ألا يؤخذ تحليل الأمور من أفواه الطّبالة والمستخدمين لدى النظام كأدوات تنظيف وتلميع. فمجلس النواب الخليفي، مثلا، عرّض نفسه للسخرية الإضافية ولمزيدٍ من المقت بين الناس بعد أن أصدر بيانا الأربعاء طالب فيه بمحاكمة الشيخ سلمان بتهمة الخيانة العظمى، أي الإعدام. ليس هنا فقط موضع السخرية، ولكن أيضا حينما وصفَ البيان المحادثة الهاتفية بأنها “تسجيل سري”، في الوقت الذي يعرف الجميع عنها بعد توثيقها في تقرير المحقق شريف بسيوني، هذا “الشريف” الذي بات عليه أن يخرج من سُباته، أو غشاوته، وأن يقول كلمة “حق” أخيرة بحقّ هذا النظام بعد أن اختار – أي بسيوني – أن يكون سترة النجاة له في العام ٢٠١١م.

عدا ذلك، فإن محتوى الاتصال الهاتفي بين الشيخ سلمان وحمد بن جاسم، لا يمكن الخروج منه إلا بنتائج لصالح الشيخ سلمان. وبفضل الفبركات والإضافات الفلمية والتحليل “التافه” المعدّ في تقرير تلفزيون آل خليفة؛ يُتاح لأي حصيف أو مهتم بتوثيق الحاضر أن يضع للأجيال المقبلة واحدة من وثائق الإدانة لهذا النظام التي تبرّر أن يدوس الناس على أسماء حكامه كلّ اليوم. إنّ النتيجة التي يخرج بها المتابع للاتصال هي ذاتها التي خلُص إليها المعارض إبراهيم شريف: “براڤو تلفزيون البحرين!” وذلك لأنه قدّم للبحرانيين، وللرأي العام غير الملوَّث، برهانا على أن الشيخ سلمان كان يجتهد من أجل تجنيب استعمال “القوة” في مواجهة الاحتجاجات، وبالتالي تجنيب البلاد المزيد من الدماء. وهذا، لعمري، الدليل الكافي لتبرئة الشيخ من التهمة التي حُكم عليه بسببها تسع سنوات، والتي يريد الخليفيون، بالدليل نفسه أن يُضيفوا عليه المزيد. وهذا الفجور كاف لمعرفة أي نظام قضائي يستعمله آل خليفة لملاحقة المعارضين والنشطاء والمواطنين. عدا كلّ ذلك، فإن كلّ ما سيخوض فيه إعلام آل خليفة هو “عرض مسرحي مملّ وفاشل”، كما يقول إبراهيم شريف أيضاً.

من المفترض أن المعارضة السياسية داخل البحرين اكتشفت مليّاً أن النظام استنزف كلّ أدواته في القمع، وفي تلبيس الحقائق. ولجوء النظام إلى ملف الأزمة مع قطر وتوظيفه في الهجوم على المعارضة هو مؤشر واضح على هذا الاستنزاف، وبالتالي وصول النظام إلى ذروة الانحدار السياسي والبنيوي. ولكن نظام آل خليفة يأمل من مواصلة القمع والترهيب الإعلامي والسياسي، رغم نفاذ الذخيرة الحية، أن يرفد نقاطه في الحرب الرديفة أو المكملة لحرب القمع والتعذيب والاضطهاد، وهي الحرب النفسية، وذلك بإجهاض أي آمال أو توقعات إيجابية داخل المعارضة وقياداتها السياسية بإنفكاك عُقد “حلّ الأزمة”، ولاسيما وأن النظام يعرف أن وضعه الإقليمي والدولي ليس على ما يرام، وأكثر مما مضى، وهو يريد أن يزيح آمال وأنظار المعارضة عن الشعور بالطمأنينة حيال ذلك، لكونه (النظام) يُدرك جيدا أن هذا الشعور في غير صالحه فيما تبقى من معركة “عضّ الأصابع” التي وصلت إلى مرحلة “انتظار منْ يصرخ أولا”.

يُنتظر أن يدفع ذلك – كما يتأمّل البعض – المعارضة داخل البلاد لأن تقطع هي بدورها المرحلة التي قضتها خلال العام الماضي، وخصوصاً قيادات “الوفاق” الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على الخروج من الحصار المفروض عليهم جراء القمع “الشخصي” والعمومي، وقدّروا أن تحييد الذات وحمايتها من ما هو أشد فظاعة؛ هو أفضل الخيارات الممكنة، وبالتوازي مع خطة إيكال كلّ المهام المتبقية للمعارضة إلى جناح “الوفاق” في الخارج. قد يكون عقيماً الجدال الآن في جدوى هذا التكتيك، والمساءلة حول الكلفة الباهظة التي جنتها المعارضة “الوفاقية” جراء تسليمها للأمر الواقع، وقبولها أن تكون في مهبّ الاستسلام لتجارب مؤلمة، بحقّ، مورست ضد قيادات في الطابق الثالث من مركز شرطة المحرق. كلّ ذلك لا فائدة تُرجى من النقاش فيه الآن، ومن الممكن الاتفاق على اعتبار أن مرحلة الخيارات الصعبة يجب أن تبدأ قيادات الداخل الوفاقية في تجاوزها رويداً رويدا، وبعد أن أعاد النظام كرّته مجددا باستهدافها وأمينها العام المعتقل، وهو استهداف لا يقلّ خطورة، ورعونة، عن استهداف آية الله الشيخ عيسى قاسم الذي أخرج بعض القيادات عن صمتها الاضطراري، وقبل أن تعود إليه من جديد بعد أن توغّل الاستهداف إلى حدود فض اعتصام الدراز وفرض الإقامة الجبرية على الشيخ قاسم.

يسند هذا الإلحاح خشيةُ البعض أن تكون سياسة الصمت سبباً في سرعة انتشار “الجمعيات البديلة” التي يتحضّر لإطلاقها منْ يفضّل الناشطون وصفهم بـ”المرجفين”. التحضيرات الجارية للدخول في سباق الانتخابات البرلمانية المقبلة (العام ٢٠١٨م) قد لا يكون بعيدا عن أهداف النظام من توسيع استهدافه للشيخ سلمان، لكي يُجبر “الوفاقيين” في الداخل على لزوم صمتهم، والتلويح بالعقاب القاسي الذي ينتظر منْ يجرؤ على الخروج منه. فالنظام يرى أن المطلوب أن يعبر “المرجفون” الطريق وهي خالية من “المنغّصات”، وألا يجدوا أصواتا عالية من المعارضة تترصد لهم وتعيق انخراطهم – أو اختراقهم – للمناطق والمجتمعات المحسوبة على الوفاق.

في الخلاصة، إن مخاطر استمراء الصمت رغم عظم البليّة وفجور الظلم، أشدّ وأطول ضررا على الذات والجماعة. وأن سلّة الكلام السياسي، ولو كان على طريقة ما قبل مرحلة الصمت – أي قبل مايو ٢٠١٧م – هي أنفع قليلاً من تلك المخاطر. فهل يكون استهداف الشيخ علي سلمان دافعاً للتفكير في العودة إلى السلّة القديمة، والعمل من جديد على توسعتها، وبتكتيكات الكلام لا الصمت؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى