مقالات

العبيد وانتخابات مواسم البغاء السياسي في البحرين

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

الانتخابات في أي بلد يحترم مواطنيه – ولو قليلا – لها طابع وطني وحصة من المشاركة الوجدانية يظهرها المواطنون عادة. بذلك تكون الانتخابات في الغالب معبرة عن إرادة الناس وتطلعاتهم، ولأنها حدث وطني بامتياز تصبح الانتخابات مؤشرا على وجود هوية وطنية يشارك فيها الجميع بشكل متساوي.

الانتخابات في بلد يحكمها الاستبداد والجشع والعبودية مثل البحرين، هي على خلاف كل ذلك، فالانتخابات هنا تؤكد الولاء للحاكم الطاغية، قبل أن تؤكد الولاء للوطن، والانتخابات هنا عبارة عن حفلة زار وموسم من مواسم البغاء السياسي حيث يقوم العبيد أو من يقوم مقامهم بترشيح أنفسهم أمام شاشة كبيرة يختار الحاكم في الديوان الملكي ما يلائمه منهم ليقدمهم كقرابين طائعة للحاكم الخليفي حمد عيسى المتربع على سدة الحكم منذ ١٩٩٩م.

فارق آخر بين الانتخابات ذات المصداقية والانتخابات التي يجريها سدنة الديوان الملكي في البحرين؛ وهو عزوف الناس عن المشاركة فيها والترفع عن الترشح إليها. فالمترشحون ومنذ ٢٠١١ هم غالبا متسلقون طبالون تحدوهم رغبات الأموال والحظوة عند الحاكم. لهذا فإن الأصوات التي يحصل عليها هؤلاء لا تتعدى أصوات انتخابات جمعية خيرية في قرية صغيرة في شارع البديع. فالمطلوب عمليا هو عشرات الأصوات أو كسر حاجز الـ ٣٠٠ صوت بقليل لكي يفوز أحدهم بمعقد يمثل ١٨ ألف صوت. وهكذا هي باقي الدوائر المصنفة سياسيا بأنها دوائر لقوى المعارضة والتي تشكل حوالي ٦٠٪ من إجمالي الكتلة الانتخابية، إلا أن قانون الدوائر الانتخابية لا يعطيها سوى ٤٠٪ فقط لصالح دوائر خالية من السكان ومن الحياة الطبيعية، ولا يسكنها سوى كائنات الضباب المشهورة ضمن الحيوانات البرية في البحرين.

يعتقد البعض أن القصة تنتهي عند فرز الأصوات أو عند رسم الدوائر الانتخابية، كل ذلك في الحقيقة زبد وخربشة أمام الواقع الحقيقي للانتخابات ولماذا تحدث في البحرين.

نظريا لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الانتخابات في البحرين عن مسألة الصلاحيات والسعة التشريعية التي يمارسها الأعضاء المنتخبون فعلا. فالسلطة التشريعية وفقا لقواعد الدستور البحريني مكونة من ٨٠ نائبا يتم تعيين نصفهم بأمر ملكي مقابل انتخاب النصف الآخر، علما بأن هذا النصف المنتخب تتم هندسته أولا في الديوان الملكي بقيادة الخوالد من العائلة الخليفية. وبذلك فإن التعويل على إمكانية النهوض والإصلاح من المؤسسة النيابية ما هو إلا ضحك على الذقون بالتعبير العربي، وهو تعبير ملطف لمفهوم البغاء السياسي السائد في البحرين منذ ٢٠١١. فقد جربت المعارضة المشاركة في الانتخابات منذ ٢٠٠٢  على أمل الوصول لتسويات ولو أولية، إلا ان النتيجة كانت محبطة وداعية لأن يكفر بها زعيم المعارضة المعتقل الشيخ علي سلمان، فهل سيكون المرشحون الآن أكثر دراية وخبرة منه؟!

أكثر من ذلك فإن الانتخابات التي تم خوضها منذ ٢٠١١ لم تعد تعبر عن رغبة الناس ومشروعهم السياسي، فقد استملكها الحاكم حمد عيسى واستملكها الديوان الملكي تماما، ولم يعد يفكر أحد حتى في الثلث السياسي الذي كان الديوان يسمح به لقوى المعارضة أن تمتلكه. فهناك رغبة عارمة وشهوة لا يمكن مقاومتها تجتاح الحاكم الخليفي وسدنة ديوانه رغبة وشهوة في امتطاء الجميع وتسخيرهم، ولهذا فالانتخابات وكما قلنا هي موسم من مواسم البغاء السياسي، وكل ما يحمله الموسم من تفاصيل لا حاجة للتطرق لها.

لقد برهنت تجارب الانتخابات على الأقل منذ ٢٠١١ أنها انتخابات مائعة منزوعة الدسم كلية، وأن وظيفتها هي تجميل وجه الحاكم المستبد وتمرير رغباته وشهواته. ولن يستطيع أحد مهما كانت قوته البلاغية أن يقنع الناس في البحرين أن هناك بصيص أمل لأن تكون الانتخابات وسيلة من وسائل التغيير أو أداة من أدوات نيل الحقوق، فالمطلوب ثانيا هو أن يكون هذا المجلس أداة من أدوات القهر والإكراه ووسيلة من وسائل تمرير رسالة الحاكم وشهواته. فالمومس ليست زوجة شرعية ووظيفتها ليست سوى تفريغ شهوات الزبون، وهكذا باتت الانتخابات في البحرين موسما من مواسم البغاء السياسي لاختيار البغايا لمدة أربع سنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى