مقالات

المجون السياسي: لماذا يكره الديوان الملكي المعارضة (3-3)

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

من بين مواقف عدة سيُسّجل التاريخ براعة الشيخ علي سلمان في قيادة مقاطعة انتخابات 2014 ونجاحه في تصفير صناديق الانتخابات، وفي الوقت نفسه سيذكر التاريخ أيضاً كيف صمّم الديوان الملكي على الانتقام من الشيخ علي سلمان، ومن كلّ قوى المعارضة. نفّذ الديوان تهديده القاضي بمعاقبة كلّ منْ يقف ضدّ توجّهاته السّياسية وأقدم على اعتقال الشيخ علي ثم اتّبعه بإسقاط جنسية آية الله الشيخ عيسى قاسم، وفرْض أطول حصار على منطقة الدراز، وقام الديوان بحلِّ كلّ الجمعيات السياسية المعارضة ( الوفاق/ وعد). لقد كانت سنوات (2015-2017) من أشد سنوات المحنة على الناشطين المتبقّين خارج السجن.

في مجمل خطوات الديوان؛ تظهر الرّغبة الشّديدة في إمحاء الطبقة السياسية الفاعلة واستبدالها بطبقةٍ سياسيّة مخملية ناعمة موالية، حقّق خطوات شبه كاملة فيها. فالقيادات السّياسية بكلِّ توجّهاتها تقبعُ في السجن، والبقية تحت الحصار والابتزاز والترسانة القانونية الجديدة تحاصرهم في كلّ مكان.

تقول إحدى الرّوايات المسربة أن إحدى الجمعيات السياسية الملاحقة قانونيا تسلّمت رسالةً شفوية من وزير العدل الخليفي مضمونها أن الديوان لا يريد أن يرى وجوهكم في أي مؤسسة رسمية، حتى وإن أعلنت الولاء والمشاركة في الانتخابات، وأن الديوان الملكي عازم على إزالتكم من الخريطة السياسية للبلد.

مثّلت هذه الإستراتيجية صُلب عمل الديوان الملكي في انتخابات 2014 والإخراج السياسي والقانوني لأعضاء مجلس النواب الذين لم تتجاوز أصواتهم الانتخابية بضع مئات في أفضل الحالات، أما متوسط الأصوات فلم يخرج عن حاجز 300 صوت لكلّ نائب في دوائر قوى المعارضة المقاطعة.

في المقابل؛ سعى الديوان الملكي أن يوزّع أدوار النواب الجُدد وفقا لتقسيم البلد الطائفي، فأوْكل الأدوار القذرة إلى نواب شيعة يقومون بمهمة تشويه الرؤية الشيعية والقوى الشيعية المعارضة، واستفاد الديوان من بعض الشّخصيات الدينية في هذا الشأن، تنفيذا لبعض بنود تقرير “البندر”، كما في حالة النائب مجيد العصفور الذي كان معارضا في حقبة التسعينات وبداية الألفية.

محو النخبة السياسية واستبدالها بنخبةٍ جديدة؛ تتزامن مع الإستراتيجية الخاصة بتزيف الوعي السياسي وهزّ الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وهذا يتبين في إغراق المشهد السياسي بمترشحين انتهازيين نفعيين من جهة، ومترشحين فاقدي الأخلاق السوية، مثل الراقصات وأصحاب المجون العاهر من جهة ثانية. التزييف طالَ أيضا الجمعيات السّياسية الموالية، مثل الاخوان المسلمين والسلفيين، حيث اقتضت الرؤية إبعادهم عن المشهد السّياسي الرسمي مع السماح لهم بالتوغل في أجهزة الدولة والسيطرة عليها، أما المجال السياسي فأُريد له وفق رؤية الديون أنْ يكون فضاءا مستقلا عن التنظيم السياسي، أياً يكن حجمه، فجاءت الجمعيات السياسية الموالية في آخر قائمة الفائزين، بل إن تجمُّع الوحدة الوطنية بقيادة رجل الديوان عبداللطيف المحمود؛ تلقى لكمةً قاسية أبعدتهم عن حلمه السياسي. وتفاديا لأي خلاف مع الإمارات والسعودية؛ ابعد الديوان الملكي الإخوان المسلمين من المشهد السياسي تماماً، وأبقى عليهم بممثل واحد في مجلس النواب.

قائمة المترشحين الحاليين تختصر مثل هذا التحليل، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال نفي علاقة الديوان الملكي بترشُّحهم أو دعمهم في إعلان ترشّحهم وحمايتهم قانونياً، كما فعل مع المترشحة المصرية أميرة الحسن المتجنسة حديثاً، والتي سخّرت حسابها في توتير للهجوم على الشيعة والطّعن في شرفهم وعقيدتهم، وعندما وصل الأمر للنيابة العامة حُجزت الدعوى ورفضت النيابة مباشرةَ التحقيق فيها.

خلافا لخريطة انتخابات 2006 و2010 وما شهدته من وجود تنافس بين عدة فاعلين سياسيين في المشهد الانتخابي المحلي؛ فإن انتخابات 2018 ستكون خاليةً من أي بعد تنافسي، وذات طابع واحد هو مسايرة السلطة والموالاة لها، وبالتالي فإن ما يُعرف بالسوق الانتخابية ستعرض السلعةَ ذاتها والتوجّهات والممارسات عينها. فتقليص الفاعلين السياسيين في الانتخابات يؤدي إلى أن تكون المنافسة محصورةً بين الجمعيات السياسية الموالية والمؤيدة لسياسات نظام الحكم إجمالاً، بل وتفصيلا، وبين مرشحين مستقلين يقدمون أنفسهم بزعم أنهم خبرات جديدة ووجوه سياسية صاعدة. المنافسة هنا لا تحمل في طياتها برامج انتخابية واضحة، كما لا تعطي الناخب رؤية سياسية منفصلة عن رؤية نظام الحكم في معالجة كافة القضايا. فالنظام الانتخابي وبُنية النظام السياسي قد قضت على كُلّ القوى السياسية الشرعية، وعمدت لإضعافها وإخراجها في صورة تجمّعات كرتونية، وخلْق نوع من العزوف عن المُشاركة السياسية لدى المُواطنين. وإذا ما أخذنا بفرضية إعادة إنتاج مجلس 2014 فإن الخريطة الانتخابية ستكون في انتخابات 2018 لصالح “المستقلين” – المزعومين – أيضا وإن اختلفت مصالحهم، فهذه الفئة من النواب يسهل برمجتهم سياسيا ويفتقدون أساساً لبرامج أيديولوجية، فضلا عن صعوبة اتفاقهم وتحالفهم مع بعضهم ومع الجمعيات السياسية المشاركة. أخيراً، يمكن القول إن الناخبين سيضطرون إلى اقتراع مجهول، وتمثيل برلماني يعيد السلطة التشريعية إلى الخبرة بدرجة صفر.

في المحصلة؛ فإن دعوات البعض للمراجعة واستغلال الفرص السياسية ومحاولة التلاعب بالمعطيات السياسية لتبرير المشاركة والدخول في العملية السياسية؛ تبدو عقيمة وباهتة اللون.

إن خيار المعارضة اليوم يكاد يكون وحيدا وغير قابل لأن يتعدّد في التفضيلات السياسية، فهناك نتيجة من المهم التأكيد عليها، وهي أن مشروع حمد عيسى المُسمى بـ”المشروع الإصلاحي” هذه خلاصته، وهذه معالمه الجديدة، فعلى منْ يريد الإصلاح الابتعاد عن مستنقعات الديوان الملكي ورغباته الدفينة في محو الهوية البحرانية واستبدال شعب الجزيرة بشعب آخر، وتنميط الصورة السياسية للبحرانيين على أنهم “غشم” و”مخبولين” يتنافسون على ترشيح راقصات ومجانين وانتهازين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى