مقالات

الملك والحاشية: علاقة العجز بالتوحش

 

البحرين اليوم – (خاص)

باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

 

يثير العديد من المراقبين مسألة وجود ثنائية أو ثلاثية، بل وحتى رباعية، في منصة اتخاذ القرار السياسي في البحرين. ويُساق في هذا الصدد وجودَ قطبين قويين يمثلان جانب التشدد بقيادة الخوالد، مقابل جانب المرونة بقيادة ولي العهد الخليفي، ومن خلال هذه الثنائية يجد البعض تفسيرات مقنعةً لما يمكن تسميته بمعضلة الإصلاح والمصالحة في البحرين. فهناك طرف متشدد يمنع ويعرقل جهود أي مصالحة سياسية، وأكثر من ذلك يسعى هذا الطرف المتشدد الى تأجيج الصراع وحدّته بين النظام والمجتمع. الصورة التي يمكن أن نتخيلها وفقاً لهذا السيناريو أن هناك تضادّاً بين تلك الأطراف، وإنْ لم يكن هناك تضاد، فهناك اختلاف مصالح على أقل التقديرات.

المقلق هنا ليس في تحديد أيٍّ من الأطراف هو المتشدد أو الطرف المرن، فهذه مسألة تعتبر هامشية إذا ما أثير السؤال الجوهري المتعلق بدور “الملك” حمد عيسى الخليفة في القرار السياسي وموقعه الفعلي في اتخاذ القرار السياسي، ورسم الإستراتيجيات العليا للبلاد.

بحسب تفسيرات الأجنحة المتصارعة؛ فحمد عيسى يصبح ساعة بلا عقارب أو ملكا بلا مملكة يديرها، لأن الدور المرسوم له هنا لن يكون سوى التصديق على محصلة القرار، وعلى نتيجة الصراع بين تلك الأطراف. وقد حاول حمد عيسى أن يوحي بوجود مثل هذه العلاقة أمام الرأي العام. ويتذكر الجميع كيف ظهر حمد عيسى في أحداث 14 فبراير 2011 من خلال دعوته لتشكيل لجان تحقيق “مستقلة” كان الغرض منها هو التنصُّل من مسؤولية الأحداث والانتهاكات التي صاحبتها، ومحاولة إظهار نفسه على أنه فوق تلك الصراعات وغير منغمس فيها.

وفي الواقع؛ فإن جُلّ ما يفعله حمد عيسى هنا هو التحلي بفضيلة الصمت باعتبارها إستراتيجية دفاعية يحمي بها نفسه من تداعيات الانتهاكات والاستبداد من جانب، ومن جانب آخر أكثر أهمية هو إحاطة نفسه بقدر من الغموض المراد منه تعزيز قوة السلطة ورفعها إلى مقام القداسة.

إن فهْم تركيبة النظام السياسي في البحرين تبقى عنصرا مهما وأساسيا لفهم مجريات اتخاذ القرار، ومن شأنه أن يوضح العلاقة بين حمد عيسى وحاشيته سواء كانت ممثلة في الخوالد أو في ولي العهد أو حتى عمه رئيس الوزراء. فكل هذه الأطراف تعتبر حاشية لحمد عيسى وتختلف في درجات القرب؛ لكنها لا تجعله عاجزا أو منقادا لهم.

لنأخذ مسار عسكرة الدولة وصفقات الأسلحة الضخمة التي يتم عقدها بين فترة وأخرى، وهل هي صفقات تتبع الحاشية أم إن الحاشية تنفذ رغبات وتوجهات عليا. نحن نتحدث هنا عن صفقات تجاوزت حدود 15 مليار خلال السنوات القليلة الماضية في ظل مناخ يؤكد إفلاس الدولة وعدم قدرتها على تسديد فوائد الدين العام، وأن ما تمتلكه من الاحتياطات لا يكفي الدولة سوى شهرين على أكثر التقديرات. مسار العسكرة التسليحي يتزامن مع عسكرة مدنية وفرض قوانين مجحفة وقاسية ومستبدة بكل واضح. مثل هذا التوجه يعتبر إستراتيجية عليا للدولة، ولا يمكن لأي حاشية أن تقرّه أو تعمل على تنفيذه دون أن يكون له قوة سياسية عليا تدعمه وتشرعنه.

وبالمثل يمكن رؤية إستراتيجية التجنيس السياسي، حيث وصلَ أعداد المجنسين إلى أكثر من 120 ألف شخص خلال العشر السنوات الماضية. فتجنيس هذا العدد لا يمكن أن يحدث لولا وجود إستراتيجية كبرى تستهدف تفتيت الكتلة التاريخية أو الكتلة الأكبر، ومحاولة خلق أمة وشعب مفتّت ومجزأ يسهُل السيطرة عليه وضبطه بأسهل الوسائل.

وفي عمق هذين المثالين، يمكن التعمُّق أكثر في ربط الأهداف الإستراتيجية لهما (العسكرة/ تفتيت الكتلة الأكبر) بإستراتيجيات إقليمية محاطة برعاية أمريكية بريطانية تحديدا.

محصلة الحديث، أن علاقة حمد عيسى بالحاشية ليست على غرار علاقة العجز والنفوذ، كما تحاول تفسيرات الأجنحة المتصارعة أن تصل إليه، بل هي علاقة توحُّش تنبع من طبيعة الاستبداد والتعالي، ومن طبيعة التركيبة الخاصة بالنظام السياسي في البحرين.

وهذا الفهم يقود إلى إعادة رسم المشهد السياسي في البحرين على قاعدةٍ ربما تختلف كثيرا عن مقولة الأجنحة المتصارعة، أقله فهْم يؤسّس إلى أن القرار السياسي في مستوياته العليا والمتوسطة على أقل التقادير يخضع لتوجيهات حمد عيسى، وأنه هو القابض على زمام البندقية والمشرف العام على المشاريع السياسية التي تناهضها القوى المجتمعية بشكل عام والقوى المعارضة بشكل خاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى