تقارير

حكم “المشير” في البحرين: المستذئب العائد باللباس المدني

 

البحرين اليوم – (خاص)

 

إنها عودة المستذئب الذي لبس لباس الجدّة وقلّد صوتها لكي يدخل غرفة الخراف الصغيرة ويأكلها. هذا ما يمكن قوله وسط التسريبات المتناقلة حول احتمال تقليد “المشير” خليفة أحمد الخليفة “منصبا سياسيا رفيع المستوي”، وذلك في تعديلات “سياسية” ربما تشهدها البحرين قريبا.

عندما أوصت لجنة تقصي الحقائق برئاسة السيد بسيوني بأنْ تُرفع حالة السلامة الوطنية (الطواريء)، وأن تعود وحدات قوة الدفاع (الجيش الخليفي) إلى ثكناتها؛ أصيب المشير خليفة بخيبة أمل كبيرة. فهذا القادم من الصحراء، ومن معسكرات تدريب يُحظر على المواطنين الشيعة العمل فيها؛ كان يترقب ومنذ ٢٠٠٨ أن يعتلي كرسي السلطة السياسية، لقناعته الدفينة أن موقعه الحالي وألقابه العسكرية الكثيرة؛ هي علامات وهمية لأعمال لم يختبرها أساسا. كانت أول وآخر معارك حربية “حقيقة” شهدها؛ عبارة عن مشاركة “خفيفة” مع قوات التحالف الدولي في عملية تحرير الكويت في ١٩٩١ من الاحتلال العراقي. وقتها؛ كان الجميع يعرف أن محور العمليات العسكرية في التخطيط والتحرك الميداني؛ كانت محصورة في القيادة الأمريكية، وأن الوحدات العربية والخليجية المشاركة لم تكن سوى “بيادق متحركة”.

وهْمُ البطولة الذي رافق “المشير” خليفة لم يكن منفصلا عن خلفية تاريخية تخصّ فرعه الخليفي المتلطخ بالهزيمة والعار، وفي أكثر من حادثة. صحيح هو تاريخ دموي اعتمد طريقة “العصابات” في تحصيل وتحصين نفوذه السياسي – وهذه سمة جوهرية في سمات نظام الحكم في البحرين عموما – إلا أن مطاردة المجير ديلي لجده خالد بن علي وإصدار حكم قضائي بنفيه خمس سنوات من البحرين، ومن ثم الاكتفاء بما تم نهبه من أملاك في جزيرة سترة.. كل ذلك لم يُمْحَ من ذاكرة المواطنين الشيعة الذين كانوا يلاقون الأهوال تحت حكم جده خالد بن علي عندما كان يحكم جزيرة سترة، كما بقيت هذه الحادثة تحفر في خيارات أبناء وأحفاد الطريد خالد بن علي متأهبين للعودة مجددا، لا لكي يظهروا كصلحاء بل مهوسين بعودة المنتقم.

اتخذ “المشير” خليفة جزيرة سترة مقرا لإدارة أعماله في إشارة واضحة لحكم جده خالد بن علي الخليفة في هذه الجزيرة خلال عشرينات القرن الماضي عندما كانت البحرين تُحكم عبر نظام المقاطعات وتحت ولاية الحاكم عيسى بن علي الخليفة. فأسّس “المشير” في سترة – بمعية الحاكم حاليا وولي العهد سابقا حمد عيسى الخليفة – “نادي الضباط”، وتحديدا في جزيرة النبيه صالح، كما قنّن استيلاء جده ووالده على أملاك المزارعين والمُلاّك الأصليين للأراضي في سترة، وضمّ إليها معالم أثرية وتاريخية، مثل القلعة التاريخية والأثرية التي ضمّها لأملاكه أيضا.

وجد “المشير” المنتفخ بالأوسمة فرصةً ذهبية في ٢٠١١ من أجل أن يعيد عصر جده، مستثمرا في ذلك نفوذ أخيه الآخر خالد أحمد في الديوان الملكي، حيث سَهُل عليهما إصدار قرار إعلان أحكام الطوارئ في البحرين بتاريخ ١٤ مارس ٢٠١١، واعتبار المشير خليفة حاكما عسكريا. ولسنا في حاجة للتذكير بمدى حدة الانتقام والتشفي التي كانت تعجّ بها فترة “السلامة الوطنية”، وفي كل حارة وطريق من البلاد. فالتعليمات الصادرة للجنود ورجال الشرطة لم تكن تخرج عن قاعدة مفادها: “اعمل على إذلال وإهانة منْ تجده، فليس مهماً أن يكون متهما..”. وهكذا كانت ممارساتهم موجّهة بعقلية انتقامية، فيما أظهر تقرير لجنة تقصي الحقائق “قمة جبل الجليد” فقط من تلك الممارسات التي كان الحاكم العسكري، المشير، مسؤولا عن ترسيخها وتطبيقها.

في كل الأحوال، تعلّق “المشير” بشهوة الحكم، ولم تعد تفارق عقله الانتقامي. فعودته إلى ثكناته الصحراوية ما كان لها أن تكون لولا مقاومة وصمود المواطنين الذي أراد الانتقام منهم. لقد أعادوه مكسورا خائبا مهزوما رغم أوسمته الوهمية، وأجبروه على الاختباء في مقار الصحراء التي أتى منها أسلافه القدماء.

أصبح “المشير” بعدها مستوعبا لأهمية السلطة السياسية، ووهْج الإعلام كذلك، فأصبح مكتبه بوابة إعلامية ومقرا عسكريا، وتحول إلى أشبه ما يكون بالاستوديو لالتقاط الصور وعقد الاجتماعات التشريفية من أجل إظهارها في وسائل الإعلام. الهدف من كل ذلك هو محافظة “المشير” على صورته بوصفه حاكما ومؤثرا في سياسات الحكم، وأنه لا يزال قويا رغم هزيمته أمام حشود الناس العُزّل الذين لا يتقنون فنون القتال، لكنهم يتقنون فنون الصمود والمقاومة.

في إحدى مقابلاته الصحيفة في ٢٠١٤ عندما ظهرت “حركة تمرد البحرين”؛ كشف “المشير” هذه الرغبات بصورة خفية، لكنه لم يرد أن يفوت الفرصة مرة أخرى لكي يقول إنه سيعود للحكم مجددا، وأن على الناس انتظار عودته ولو بلباس مدني. وقد عملت الماكينة الإعلامية التابعة له على إظهار صوره مرتديا لباسه المدني في مرات كثيرة، كما عمل على ترويج أوسمته الوهمية بطريقة ساذجة. ولم يكتف بذلك، بل تمدّد جسمه على أكبر مساحة ممكنة، ليستولي على ثلث موازنة الدولة ويضمها لميزانية مقر إقامته في الصخير، تحت عنوان الموازنة العسكرية وهوس البطولات العسكرية التي لم يخضها في يوم من الأيام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى