ما وراء الخبر

عاشوراء البحرين ١٤٤٠ هجري: أوج التصعيد.. وأخطر التآكل

 

البحرين اليوم – (متابعات)

انقضت عشرة محرم الحرام في البحرين، وأصبح من الممكن الخروج بخلاصات مركّزة حول المشهد العاشورائي في البحرين للعام ١٤٤٠ هجري، وعلى النّحو الذي يفتح بعض الآفاق على مشروع الإصلاح العام، الذي كان شعاراً مركزيّاً في ثورة الإمام الحسين بن علي.

في واجهة المشهد، يبرز الهجوم التصعيدي غير المسبوق لآل خليفة هذا العام ضد كل ما يتعلق بإحياء عاشوراء، وقد بدا من الواضح أن الخليفيين سرّعوا في هذا الموسم من تنفيذ المخطط الذي تحدث عنه وزير الداخلية راشد عبدالله تحت عنوان الانتماء والخطاب الديني المعتدل، ضمن المشروع الذي تم الإعلان بأن الحكومة الخليفية أقرته، وجار العمل به، وقد بدأ التنفيذ الفعلي باعتقال خطباء المنبر، وإغلاق بعض المآتم، واستدعاء رؤوساء المآتم في البحرين للتوقيع على بيان إدانة واستنكارلما تقول السلطات بأنهإساءة وتسييسلعاشوراء، في إشارة إلى الشعارات واليافطات السياسية والثورية التي تنتشر في المناطق والبلدات خلال إحياء الموسم وتسيير المواكب العزائية.

ويأتي هذا الاستحواذ الكامل على عاشوراء في ظل مساع، قديمة، ومتواصلة من أجل الإجهاز على المؤسسات والمنابر الدينية في البلاد، والسيطرة عليها، وإشاعة الخوف في نفوس الرموز والشخصيات الدينية لمنعها من تسجيل المواقف العلنية، ذات الصلة بالوضع السياسي العام، أو التنديد بالسياسات القمعية ضد المواسم والشعائر الدينية.

ويمكن الخروج بخلاصة مكثفة في هذا المجال، مفادها أن عاشوراء العام ١٤٤٠ هجري، سيكون من أصعب الاختبارات أمام الوجود الشيعي المعارض في البحرين، وخاصة القيادات الدينية، حيث اختار الخليفيون أن يكون هذا الموسم الفرصة السانحة لقطف ثمار كل المشروع التدميري الذي تمت المباشرة به خلال السنوات الماضية، والذي كان عنوان “قطع رأس” هذ الوجود، وتجفيف منابعه الأساسية.

وفي هذا العام، تمضي ثماني سنوات على غياب الرموز القادة عن عاشوراء البحرين، حيث يمضون داخل السّجون الخليفيّة في ظروفٍ غير إنسانيّة، ويحاصَرون بسلسلةٍ لا تنتهي من الإجراءات الانتقاميّة، وقد برزت في هذا الموسم قضيّة الرمز الكبير الأستاذ حسن مشيمع، بما هي عنوان لمعاناة الرموز، وعموم السجناء الأسارى. وكان الفضل الأبرز لهذا الحضور؛ يعود إلى اعتصام الناشط علي مشيمع أمام السفارة الخليفية في لندن، والذي أخذ لونه الخاص خلال موسم عاشوراء حينما ارتفعت رايات الإمام الحسين أمام السفارة ومحيطها، وتوافد خطباء ورجال دين للتضامن مع مشيم، كما أُقيمت مجالس عاشوراء هناك.

وقد كان من الطبيعي أن يستحضر المواطنون في البحرين، وخلال مراسم عاشوراء، القادة المعتقلين، وأن يكون لهم حضور خاص في الفعاليات الإعلاميّة والمواد التي يتم توزيعها خلال البرامج العاشورائية داخل البحرين، إلا أن ذلك كان في مستوى ضئيل، باستثناء الحضور الأكبر لآية الله الشيخ عيسى قاسم الذي ارتفعت صوره وكلماته العاشورائية في مختلف المناطق خلال الموسم، بما في ذلك العاصة المنامة ليلة العاشر من المحرم.

وباستثناء المطبوعات والبنرات والتصاميم الفنية التي رُفعت على الجدران، في مختلف المناطق، فإن هناك شبه غياب لذكر الرموز والقادة على المنابر وفي مجالس أبي عبدالله، وكذلك الحال في عموم المواكب العزائية، ضمن القصائد الحسينية، وهو أمر مبرّر بسبب الوضع الأمني، والاستهداف الممنهج الذي أخذ شكل الإرهاب الجدي بالاعتقال والاضطهاد المباشر، حيث كان واضحاً أن الأجهزة الخليفية، وبالتعاون مع المخبرين المحليين الذي ظهروا بشكل فعال في هذا الموسم كانت تدقق في كلّ ما يُطرح في المجالس والمواكب، كما ظهر من اعتقال عدد من الخطباء ومسؤولي المآتم والرواديد، واستدعاء آخرين، بسبب الخطب الدينية التي تم طرحها في المجالس، والتي تطرقت بشكل من الأشكال إلى الأوضاع المحلية، ومن ذلك ما أشار إليه الشيخ ياسين الجمري ليلة الرابع من المحرم، حيث ربط بين محنة مسلم بن عقيل في الكوفة، ومعاناة المطاردين السياسيين في البحرين، ما دفع السلطات الخليفية لاستدعائه وتوقيفه أسبوعين بتهمة التحريض على كراهية النظام بغرض إرهابي، بحسب مدعى النيابة العامة الخليفية.

من جهة أخرى، كان لافتا في موسم هذا العام انتشار المطبوعات الجدارية التي تضمنت بنرات لكلمات من مراجع الدين والمفكرين الإسلاميين والجهاديين، والتي تطرقت إلى ثقافة عاشوراء، والمعاني الحيوية لها. وقدّمت هذه البنرات الجدارية ومنها تلك التي دعمها تيار الوفاء الإسلامي وحركة (حق) إضافية هامة في إدخال المحتوى الفكري إلى المنشور الدعائي الخاص بعاشوراء، والذي كان يقتصر عادة على المعاني السياسية والثورية المباشرة.

على المستوى الميداني، برزت في هذا الموسم فعالية حمد تحت الأقدام، بكتابة اسم الطاغية الخليفي حمد عيسى في الشوارع العامة، وبكثافة ملحوظة. وكان حرص المواطنين على اختيار الشوارع التي تعبر منها المواكب العزائية، ليكون اسمه مداسا للأقدام. وفي حين أن هذه الفعالية معتادة في مختلف المناطق، وبشكل شبه يومي، ومنذ سنوات، إلا أن تنفيذها في موسم عاشوراء اتخذ عنوانا خاصا، فهي من جهة شكلت أسلوبا من أساليب التحدي الشعبي للاعتداءات والتهديدات الخليفية بقمع المواكب والشعائر الحسينية، وكانت ردا على التعديات التي تواصلت هذا العام على مظاهر إحياء عاشوراء، كما أنها من جهة أخرى عبّرت عن الموقف الشعبي الرافض لمخطط الخليفيين في تحريف رسالة عاشوراء، ومن خلال إدارة الأوقاف الجعفرية وبعض مسؤولي المآتم، حيث جرت محاولات لإدماج النظام الخليفي داخل المشاريع العاشورائية، وفتح بعض الثغرات لنفوذ البعد الرسمي داخل الإحياء العاشورائي، وهو ما يتعارض جوهريا مع حقيقة الثورة الحسينية من جانب، وحقيقة الخليفيين من جانب آخر.

وكان متوقعا إقدام السلطات الخليفية على استدعاء وتوقيف مسؤولي بعض المآتم في المناطق التي شهدت فيها عمليات حمد تحت الأقدام، كما هو الحال في بلدة المالكية، وكذلك مسؤول مأتم رأس رمان. إلا أن حجم المواجهة التي قامت بها السلطات الخليفية، هذا الموسم، كان عنيفاً وشاملا، بعد اعتقال إدرايي المآتم، وإغلاق بعضها، وإطلاق حملة دعائية واسعة ضدها من خلال التصريحات والبيانات التي صدرت تباعا عن الجهات الرسمية.

وكما هو متوقع، كان الرد الشعبي هو بتنفيذ المزيد من هذه الفعالية الاحتجاجية، وفي مختلف المناطق، رغم الانتقادات لها التي تسربت في بعض أوساط المعارضة، وتحت تأثير الدعاية المضادة والهجوم الترهيبي الخليفي للفعالية وللمناطق التي تنفذها.

نظرا لسرعة الإجراءات وتسارع وتيرة الأفعال الخليفية في خصوص إحياء عاشوراء، فإن الوقت لازال مفتوحا على ما هو أخطر، وخصوصا مع غياب الشيخ قاسم عن البلاد، والانحسار اللافت في “القوة العلمائية” داخل البلاد، وتآكل المعارضة وتحلّل حضورها الموازي لتعديات السلطة، وهي فراغات تشجع النظام الخليفي على المزيد من الهجمات، مما يبدو أن الأيام المقبلة حبلى بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى