مقالاتنادر المتروك

معايير التحوّل: لكي لا تكون قفزة خاسرة للمثبطين

نادر المتروك - كاتب صحافي - بيروت
نادر المتروك – كاتب صحافي – بيروت

البحرين اليوم – (خاص)

لا تمثل ظاهرة التحوّل، والانتقال من المواقفِ والأفكار بدعةً في التاريخ.

ارتبط سيْر الزمانِ والمكان بالتحوّلاتِ التي تقطعُ مساراً، وتصنعُ آخر، وعلى أكثر من صعيد.

في البحرين، تحضر ظاهرة التحوّل في شؤون الأفكار والسياسة، ولكن من العسير القبض على تحوّلاتٍ جديرة بأن تكون قابلة لأن تُصبح من نوع التحوّلات التي تغيّر الموازين، أو تخترق السياقَ العام وتُحدِث فيه تغيّراً كاملا، سلباً أو إيجاباً.

في المجال الدّيني، تكثر هذه الألوان التّحوليّة. من النادر الوقوف على نموذج تحوّلي مؤهّل لأنْ يُضاف إلى “تحوّلات التاريخ”. الندرة تكون أكبر في المجال السّياسي.

ولكن، كيف نقيّم التحوّل – وخاصة حينما يأخذ عنواناً سياسياً أو يترشّح آثاراً في السياسة – وعلى أي نحو يمكن تفكيك التحوّلات التي تخرج من/عن السّياق العام، ولكنها تظل تنتمي إليه، أو تكون مرهونةً لبنيته وطبيعة ما يموج فيها من مواقفَ مسبقة، أو أفكار مبتلاة بما هو شخصيّ؟ متى يُصبح التحوّل تثبيطاً، وإجراءاً شكلياً لتمرير “الإرجاف”، ومتى يكون إجراءا نقدياً مطلوباً؟

لذلك عدّة معايير. أوّلها، ألا يكون التحوّلُ محاولة للتجريب والفذلكة والحذلقة، وعلى طريقةِ “التمرين العقلي” الذي يكون ترفيّاً، وترويحا عن النّفس المنكوبة، أو النّفس الغارقة في “نعيمٍ مفاجيء”. وفي كلا الحالتين، فإن تحوّلا من هذا القبيل هو محض “تنفيس” عن احتقانٍ مكبوت، أو دفْعٍ لمستحقاتِ الرّكون إلى “الحظوظ الجديدة”.

المعيار الثاني للتحوّل المعتبَر والمحمود، هو ألا يكون وقتيّاً، أو طارئاً، ووليد “الطفرة”. مثل هذا التحوّل مُصابٌ بداء “الفجأة”، وهو داءٌ عضال، وينطوي على حالٍ من الاستسهال، أو الإسهال، أو الاستهبال. وهي حالاتٌ سياسيّة تركب أولئك الذين يظنون أنّهم باتوا فوق “الواقع”، وملكوا “القدرة” على أن يكونوا “قادةً”، أو “أوصياء جُدد” على النّاس.

المعيار الثالث هو أن يكون التحوّلُ رزيناً. الرزانة في القوْل والفعل معاً. صفة الرّزانة تعني أن تكون الفكرةُ الجديدة، أو الانتقال إليها، مُصاغةً في قالبٍ متين، وعبر خطابٍ متقن، ومنسجم، وبالاستناد على الوقائع الكاملة، وليس الوقائع المنقوصة، أو المجتزأة، أو المحرَّفة. وهذا معيارٌ، في الغالب، لا يتحصّل بسهولةٍ، ويكون مُتاحاً بعد تراكمٍ طويل من الخبرةِ و”التاريخ النضالي”، والأهم من ذلك أنه يتطلب بناءاً فكرياً مترابطاً، وخاصيّة أخرى في الخطابِ النقدي يُطلِق عليها المختصون صفة “التداول المنطقي”.

المعيار الرابع هو المصداقيّة. وهي تعني خلوّ التحوّل من أيّة شوائب تبعث على الشكوك في أهدافِ التحوّل، أو في توقيت إعلانه. وهذه الشّوائب عادةً ما تظهر حينما يكون التحوّلُ المعلَن مصحوباً بادّعاءاتٍ ودعاياتٍ شبيهة ب”الفلاش” و”التوك شو”، ومغموسة بمحاولات “للانتقام الشخصي”، لاسيما حين يُعلَن عن هذا  التحول على طريقة “كبسة الزّر”، وحينما تُفتَح النّارُ الحامية على جبهةِ المعارضة “المضطهدة”، ويُكتفى بالمرور السّريع و”الدبلوماسي” على جبهة النظام الطاغي. وينكسرُ عنصرُ المصداقية أكثر عندما يجرّب المتحوِّل قفزة التحوّل في الأوقاتِ “المريبة والمشبوهة”، وفي “الأماكن الموبوءة” بالرِّيب. ربّما لا يكون صاحبُ التحوّل مشبوهاً، أو محلا لسوء الظنّ، ولكنّ ظهوره في “الوقت المشبوه” و”المحلّ المشكوك”؛ يدفع نحوه الشّبهات.

“الأوقاتُ المشبوهة” و”الأماكن المريبة”؛ تكون مسألة مهمة في إجراءِ التّحول السياسيّ، وخاصة عندما يدّعي صاحب هذا التحوّل أنه يصبو لمصلحةِ النّاس، ولا يُعبّر عن “خدمةٍ مجانية للسلطات”. فهذا يتطلب أن يُراعى “الوقت والمكان المناسبين” في قفزة التحوّل، وبما لا يضرّ النّاس، أو يتعارض مع الخيار الذي يعلنون عنه عملياً وعلى مرأى من الجميع.

السؤال الآن، هل تنطبق هذه المعايير على أصحاب التحوّلات الأخيرة في البحرين، وتحديدا في المجال السياسيّ، وضمن ظروف السنوات الخمس من الثورة؟

مساهمة تطبيقيّة لهذه المعايير ستكون مادة المقال التالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى