جواد عبدالوهابمقالات

آل خليفة.. إلى استراتيجية الطاولة بعد خسارة إستراتيجية القوة

جواد عبدالوهاب - كاتب إعلامي - لندن
جواد عبدالوهاب – كاتب إعلامي – لندن

مخطط السلطة في إخماد الثورة عن طريق القوة؛ وصلَ إلى طريق مسدود، ووجدت السلطات الخليفية نفسها أمام مشهد صعب يسبّب لها الخسائر كل يوم.

لقد باتت هذه السلطة عاجزة عن بلوغ أهدافها بالقوة العسكرية والأمنية، وهو عجزٌ ألزمها مراجعة حقيقية لأدائها وسبل تحقيق أهدافها، فاختارت كعادتها الالتفاف على المطالب عن طريق التفاوض الذي تهيء هي بيئته وقواعده وإعداد أوراقه، وذلك بعد ما قامت خلال السنوات الماضية بانتزاع الأوراق واحدةً تلو الأخرى من قوى المعارضة.

ولأن المفاوضات بحاجة إلى تهيئة الأجواء الممهدة والملائمة، فإننا نرى أن السلطة الخليفية مارست عدة وجوه لإحداث المطلوب، فطرحت ورقة أقل ما يقال عنها أنها إهانة لشعب البحرين وتضحياته، وصعّدت من عمليات القمع واعتقال الناشطين، ورفعت سيف المحاكم فوق رقاب الجمعيات السياسية  لإجبارها على الجلوس على طاولةٍ لم تشارك في إعداها، ولا في ترتيب أوراقها.

نقول ذلك لأننا نعلم أنه في القواعد العامة للتفاوض؛ يحرص المفاوض الحاذق على جمع أوراقه، ثم ترتيبها، ثم تفعيلها ومنع تعطيل أو انتزاع أو فقدان أي منها، وبعد ذلك يعمد إلى تعطيل أو انتزاع بعض أوراق الخصم. ويعود ذلك إلى أن المتفاوضين يفرضون مواقفهم بقوةِ ما يملكون من أوراقٍ يضعونها على الطاولة، ولا يفرضون أو ينتزعون حقوقهم بقوة الحجة والحق، فطاولة المفاوضات ليست محكمة تبحث عن الحق وتحكم به، بل هي ميدان حرب من غير نار، يكون سلاحها الظاهر الأوراق التي يُمسك بها فوق الطاولة وهي الظهير الذي يستند عليه المفاوض.

وعلى هذا الأساس نقول أن المعارضة السياسية في البحرين ليس من مصلحتها اليوم – وفي هذه اللحظة – الجلوس على طاولة مع النظام، لأنه يمتلك من الأوراق ما يستطيع به قلب الطاولة على المعارضة.

وعلى العكس من ذلك، فالمعارضة قوية في الشارع حيث يكمن ضعف النظام الذي لم يبادر إلى طرح ورقته السياسية إلا بعد فشل ورقته الأمنية، ووصولها إلى طريق مسدود، ولذلك نراه اليوم يستعمل كل أوراق القوة والضغط، ليس من أجل إيجاد حلّ سياسي، بل من أجل دفع الجمعيات السياسية إلى طاولة مفاوضاتٍ أعدّها ورتّب أورقها بما يؤهله لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه بقوة السلاح.

وحسناً فعلت الجمعيات السياسية عندما التجأت إلى الشارع في رفضها لمشروع ورقة النقاط الخمس، فعندما يُقدِم النظام على بعثرة أوراق المعارضة وسحبها، فلا خيار أمامها إلا التمسك بالورقة الأقوى والأجدى، وهي “الثورة”، التي تعتبر صمام الأمان الوحيد القادر على إجهاض كل مخططات السلطة وألاعيبها.

على الجمعيات السياسية أن تعلم أن السلطة ليست في مرحلةٍ تؤهلها لفرض الشروط، خاصة إذا كان الشارع لا يزال يتمتع بحيويته وبإصراره على مطالبه، وأنه في كل يوم يعلن عن جهوزيته، سواء من خلال استمرار حضوره اليومي في الشارع، أو من خلال الصمود الأسطوري أمام الممارسات والانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية بحقه.

إن التشبث بورقة الجماهير في مواجهة مشروع السلطة المتمثل في “إستراتيجية العبور إلى الطاولة” المهترئة والبالية؛ هو الخيار الوحيد أمام الجمعيات، خاصة أن السلطة ليس لديها ما تقدمه في هذه المرحلة، ولديها فقط مشروع واحد، وهو الانتخابات، الذي يهدف إلى إرضاء الخارج والالتفاف على مطالب الداخل، وهي لذلك ستحاول في هذه المرحلة أن تكثف من ضغوطها على الجمعيات، وذلك عبر التهديد بالتجميد والحل ومحاكمة قادتها. كما ستضغط على الشارع من خلال التصعيد الأمني والتضييق على الناس، وفي كافة المجالات. وأي كلام عن ما يسميه البعض بـ”الحوار الجاد” سيبدو في هذه المرحلة غير منطقي، لأن جميع الأطراف غير مستعدين للدخول فيه، ولعدة أسباب، منها الموضوعي المتعلق بعملية الأوراق التفاوضية، جمعا وترتيبا وتفعيلا، ومنها الذاتي المتعلق بالأطراف أنفسهم، وخاصة الطرف الخليفي الذي أفصح عن نواياه من خلال تقدّمه بورقة النقاط الخمس عن طريق منْ كان البعض يأمل فيه خيرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى