ما وراء الخبر

العزل السياسي .. قبل أن نخوض مع الخائضين

البحرين اليوم – خاص ..

متابعات ..

برز مصطلح (العزل السياسي) مؤخرا بصورة لافتة في التصريحات السياسية والحقوقية لبعض الشخصيات المؤثرة والنشطة في ملف البحرين. تناغمت أغلب التعليقات في فحوى الرسائل، لكن المؤكد أن ذلك لا يعني بالضرورة وجود اتفاق مسبق لتوظيف هذا الشعار في أهداف محددة.

التركيز على تناول ذلك الشعار قد يكون له صلة بقرب موعد انعقاد “الإنتخابات النيابية” المقررة في البحرين هذا العام. وهي الانتخابات الثانية في البلاد بعد صدور قوانين تمنع مشاركة الجمعيات السياسية المنحلة، وجميع الأعضاء المنتمين إليها من المشاركة سواء في الترشيح أو الإنتخاب بصورة قاطعة. صدرت تلك القوانين في العام ٢٠١٨ واصطلح عليها في الأوساط المعارضة ( قانون العزل السياسي).

بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف على وصف تلك القوانين الجائرة ب(العزل السياسي)، فإن الإشكاليات التي ترد في هذا السياق تتعلق بالرسائل التي يتلقفها النظام ويفهما المراقبون من فحوى ما يكتب وينشر حول هذا القضية!
يلاحظ هنا أن شعار العزل السياسي يشي برغبة المعارضة برفع الحظر عنها للمشاركة في الانتخابات والعودة للإنخراط في مشروع النظام الخليفي، والإقرار على صك العبودية.
لا شك أن شيئا من ذلك غير وارد البتة في المعارضة التي تحترم نفسها وتقدر نضالات شعبها، وتتحرك من منطلق الثقة بالقدرة على التغيير رغم كل العراقيل والمعوقات. مع هذا فإن الخطاب الذي ينغمس في القشور وينشغل عن لب القضية، يوجه رسائل يصفها محللون بالخطيرة، ذلك لأن النظام يستخدمها في سياسة الاستهبال التي يعتمدها أمام الرأي العام في معالجة “الأزمة”!

كيف ذلك؟ في ظل الحديث الشائع عن احتمالية إقدام النظام على بعض التغييرات الشكلية هذا العام، بغية انجاح الانتخابات، والتخفيف من الضغوطات الخارجية، يصبح الحديث عن العزل السياسي الرامي لإلغاء عزل الجميعات وأعضائها من الترشح والإنتخاب، (يصبح) حديثا ضعيفا هينا لينا، يساهم في تحجيم قضية الصراع مع نظام دكتاتوري مستبد، إلى قضية مشاركة في انتخابات تزيد الطينة بله، وتساهم في تهميش المعارضة، ومن شأنها أن تعطي صبغة شرعية لكل القوانين الجائرة التي تصدر من النظام رغما عن أنف النواب سواء كانوا راضين أم معترضين. حين ينهمك المؤثرون في هذه المرحلة بهذا الطرح وعلى مستوى هذا السقف، فإنهم يسهلون للنظام وحلفائه فكرة إلغاء هذه القوانين وتقديمها على أنها انجاز كبير يبرر للجمعيات الانخراط مجددا في الانتخابات الشكلية دون تغيير جوهري في أصل قضية الدستور.

أفصح بعض الدبلوماسيين الأمريكيين عن رغبة الإدارة الأمريكية في إنجاح الانتخابات المقررة هذا العام، وتعهدوا بمساعدة آل خليفة في إزالة بعض العقبات وتهيئة مناخ أفضل للتشجيع على المشاركة. وفهم من كلام يدور في بعض الاوساط الدبوماسية أن البحرين قد تتخذ في وقت قريب بعض الخطوات التي تعزز فكرة المشاركة في الانتخابات، ومن أهمها إطلاق سراح سجناء سياسيين، وإلغاء قوانين (العزل السياسي).
بناء على تلك المعلومات يصبح الانغماس في المطالبة بإلغاء (العزل السياسي) يصب في منح مشروع مخادع بريقا زائفا.

ربما من الجيد التذكير هنا أن النظام قبل أن يقدم على إصدار قوانين العزل المشار إليها، فإن المعارضة هي التي قامت عمليا بعزل النظام وسحب بساط الشرعية من تحت قدميه، وذلك حينما قررت صائبة بمقاطعة الانتخابات احتراما لنضال الشعب ورفضا لسياسة الاستهبال البالية.

إذا كان قرار الشعب والمعارضة الصادقة هو مقاطعة البرلمان، ورفض الدستور المنحة، لأنه وثيقة غير شرعية، ولأن البرلمان فاقد للصلاحية التشريعية، فلا شك منطقيا أن الحديث عن التفاصيل الأخرى يعد في نظر العقلاء قضية هامشية، وأن الاستغراق في نقاش التفاصيل قد يفهم منه بشكل خاطىء تراجعا، وإشارة على التعب والتقهقر، أو أنه انشغال بالتفاهات التي ينبغي عدم تضييع الجهد والوقت فيها.

يستعد البحرانيون لاستقبال الذكرى الحادية عشر لثورة ١٤ فبراير المجيدة، ويستذكر البحرانيون شهدائهم بفخر واعتزاز. وكما في كل عام يؤكد الشعب على أن النظام الحاكم فاقد للشرعية بما ارتكبه من جرائم، وأنه هو المعزول عن الشعب، وأن هذا الشعب لن يقبل بالفتات تحت التهديد أو الترغيب، وسيتمسك بحقوقه التي تعطي له الكرامة والسيادة والحرية.

مع هذا قبل أن نخوض مع الخائضين، لا بد أن نفهم ما هو المقصود بالعزل السياسي، وكيف يوظف هذا الشعار، وأين يصب، هل في مصلحة تقوية صفوف المعارضة أم جرها للتجاذب في القضايا الثانوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى