المنامةتقارير

تفسيرات ثلاثة تجيب على سؤال: لماذا تُرفَع صور الدكتاتور صدام حسين في البحرين؟

حمد صدام

المنامة – البحرين اليوم

مع ذكرى إعدام الدكتاتور العراقي صدام حسين، بحسب التاريخ الهجري (عيد الأضحى)؛ يقول مواطنون في البحرين بأنهم لاحظوا انتشارا جديداً في الأسواق والمحلات لمنتوجات تطبع صوره مع عبارات تعبر عن تمجيده والثناء عليه، رفقة صور لحكام آل خليفة وآل سعود، وهي ظاهرة يقول متابعون إنها ملحوظة أيضا في السعودية، ولكنها أخذت انتشارا “أوسع وأسبق” في البحرين لأسباب كثيرة تتعلق بالطبيعة المتشابهة بين صدام وآل خليفة من ناحية، وما أدخله الخليفيون من ظروف ووضعيات مستجدة من ناحية أخرى.

يستذكر الكويتيون في الثاني من أغسطس (١٩٩٠) ذكرى احتلال صدام لبلادهم، ولكنهم لن يجدوا بينهم الكثيرين ممّن يجرؤ على تقديم تفسيرات “موضوعية” لاكتساح صور الدكتاتور الدموي في بعض شوارع البحرين، وفي جامعتها الرسمية، وفي مقاهي المحرق والرفاع، وعلى سيارات أولئك الذين يدخلون أو يخروجون باتجاه مناطق تصحو وتنام على أغاني الولاء لآل خليفة.

DIOZT4SWAAEmZx3

من المفيد في البداية العودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً عند حفل “تأبين” صدام حسين الذي أقيم في البحرين بعد مرور أربعين يوما على إعدامه في العام ٢٠٠٦م. الحفل الذي نظمه التجمع القومي – المحسوب اسميا على الجمعيات السياسية المعارضة – شارك فيه “أهالي الرفاع والمحرق”، بحسب ما نقلت الصحافة المحلية آنذاك، وأُقيم في حالة أبوماهر في المحرق، وشارك فيه حسن العالي (التجمع القومي)، وأحمد سند (جمعية الوسط العربي الإسلامي) وعبدالله هاشم (المحامي) ومحمد الشروقي (الإعلامي والذي أصبح اسمه لصيقا بكل الخبائث الطائفية) وعارف الجسمي (باسم أهالي الرفاع).

سميرة صدام

الكلمات التي أُلقيت في الحفل كلها توّجت صدام “بطلاً وشهيداً خالدا”، وأكد المتحدثون جميعاً على أن إعدامه هو إعلان “لبدء المقاومة”.

وربطاً بما قيل ومنْ قال في هذا الحفل؛ من المفيد أيضاً التذكير بأن بروز سميرة رجب في ساحة الولاء لآل خليفة كان قد بدأ بالصعود من بوابة التمجيد لصدام بعد إعدامه، حيث بدأت رجب تنشر المقالات التي تعتبره “صلاح الدين” وأن إعدامه هو شكل من أشكال “الحرب الصليبية” على المنطقة. وهي تعبيرات لابد من استرجاعها على نحو مركّز لفهم ما حصل لاحقاً، وخصوصا بعد بروز الجماعات الإرهابيّة في العراق من رحم البعث العراقي وبقاياه، وشيوع تلك الصّيغ الأيديولوجية التي نطق بها المحتفلون في حالة أبو ماهر واحتشدت آنذاك في مقالات رجب التي ستحظى بالقرب أكثر من آل خليفة بعدها وتُمنح وزارة الإعلام، ولو لبعض الوقت. وهي ذاتها الصّيغ الأيدلوجية التي سيرفعها “داعش” لاحقا، وقبل ذلك حفلات الخليفيين ومواليهم على سحق ثورة ١٤ فبراير بالبحرين في العام ٢٠١١م.

صدام ٤

الجدير بالتذكير أيضا، هو أن حفل “التأبين” أعْلن عنه بشكل خاص في صحيفة “أخبار الخليج” في عدد ١٤ فبراير ٢٠٠٧م، كما غطّت الصحيفة الحفلَ بعد إقامته. ومن المعروف أن الصحيفة المذكورة تابعة لرئيس الوزراء الخليفي خليفة سلمان، وهي تعمل وفق “التوجيهات المباشرة” التي تتلقاها من ديوانه، كما أن العاملين “المخضرمين” فيها يحرصون على حضور مجلسه، وتلقي الأوامر مباشرة منه.

بعد إعدام صدام بدأت أولى إرهاصات الاستقطاب الخليفي للصداميين، تأسيساً على العلاقة “الودية” التي جمعت بين الدكتاتور العراقي وبين خليفة سلمان، وهذه العلاقة يمكن اعتبارها “التفسير المنهجي” لشيوع صور صدام في مناطق معينة في البلاد منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. وهي علاقة يتحدث عنها مطلعون بما يجري في مكتب رئيس الحكومة الذي لم يغادر منصبه منذ أكثر من ٤٠ عاماً، وقد كان خليفة يعتز، بحسب المصادر، بالصورة التي تجمعه بصدام وهما يتشابكان الأيدي. (الصورة البارز لهذا التقرير)

صدام ٣

شكلت هذه العلاقة الأساس الأول لفتح الباب أمام ما يُعرَف بفدائيي صدام، وهو التفسير الثاني لرفع صور صدام في مناطق الموالاة في البحرين. وهذا التفسير يفضل أحد المهتمين وصفه بـ”التفسير الوظيفي”، حيث قدّم فدائيو صدام “خدمات جليلة” لآل خليفة توازيا مع الخدمات الأمنية والقمعية التي وفرتها جيوش أخرى من “المرتزقة”. وقد كُشف عن قوائم بأسماء “فدائيي صدام” في العام ٢٠٠٧م، وتبيّن أن عددا كبيرا منهم جرى استجلابهم إلى البحرين منذ العام ١٩٩٤م، أي بعد اندلاع انتفاضة التسعينات، وتحدثت تقارير عن توظيفهم في الأجهزة الأمنية الخليفية ومنحهم جنسية البلاد. وبحسب بعض التقارير، فإن وسائل التحقيق والتجسس وانتزاع الاعترافات في الأجهزة الخليفية؛ جرى “تطويرها” بفضل “الخبرة الواسعة” التي يحظى بها “فدائيو صدام” والذين كانوا يتولون مهاما استخبارية وتجسسية في المدن الشيعية الكبرى إبان ما عُرفت بالانتفاضة الشعبانية.

صدام ١٢

 

أما التفسير الثالث فيمكن وصفه بـ”التفسير الأيديولوجي”، حيث إن هناك تشابها في العقل الاستباحي بين آل خليفة وبين ما يمكن تسميته بـ”العقيدة الصدامية”، وهي عقيدة تقوم على تشكيلة مركبة من أيديولوجيا القهر والقتل الجماعي والسحق الجذري للمعارضين والغرور الجنوني، مع إضفاء ذلك بطابع “ديني” ممذهب بغرض إسباغ “الجهادية المؤمنة” على عمليات القتل والسحق الطائفي والسياسي، واستنهاض الشعور الطائفي الجمعي. باستحضار السيرة “الخليفية” الطويلة في سياسات القتل والإبادة الديموغرافية؛ من الممكن التقاط التشابه العميق مع تلك التي ارتبطت بصدام حسين وبتاريخه المليء بالحروب وجرائم الإنسانية.

صدام ٨

من هذه الزوايا، يمكن معرفة سبب “الاستدعاء التلقائي” والواسع لصدام حسين عندما بدأ آل خليفة وآل سعود أوسع عمليات الاضطهاد السياسي والطائفي في البحرين بعد دخول قوات درع الجزيرة للبحرين في مارس ٢٠١١م. وقد أخذ هذا “الحضور” توجيها ودعماً واسعاً من الجهات الرسمية، ما يوضّح ذلك التعدُّد أشكال استحضار صدام وتوزيعه الرمزي، وفي تنويع توظيفه الطائفي على وجه الخصوص، إضافة إلى امتداد هذا الاستحضار ليشمل الفضاء العام والخاص، فيقرر روّاد مقاه في المحرق والرفاع على التمسك بصوره، ويقطع أولئك الذين رقصوا فرحاً بقدوم قوات درع الجزيرة كعكة ميلاد صدام داخل مكاتبهم في وزارة الدولة، ويكون هو “العنوان الوطني” للجالية العراقية في البحرين (أي عناصر فدائيي صدام وعوائلهم) ضمن مهرجان خاص بالجاليات بجامعة البحرين في العام ٢٠١٤م.

صدام ١١

لكلّ ذلك، يقول ناشطون في البحرين بأن على “المسؤولين في العراق، من الرسميين ومن الجهات الشعبية، أن يُدركوا هذه الحقيقة (الدفنية) في تركيبة آل خليفة”، كما يدعون العراقيين إلى “أخذ الحيطة والحذر” من الانفتاح الخليجي (الخليفي والسعودي خاصة) على بلادهم، وهو انفتاح مفاجيء بدأ في وقت سابق من شهر أغسطس ٢٠١٧م بعد نجاح العراقيين في الحرب على تنظيم “داعش” (الذي رفده بقايا صدام حسين ورُفعت أعلامه في مناطق الموالاة بالبحرين، وشارك في قيادته أشخاص خروجوا منذ هذه البيئة). كما يفضل أحد النشطاء البحرانيين أن يوجه “نصيحة” خاصة إلى الزعماء السياسيين في العراق ويحثهم على “عدم تصديق وزير خارجية الخليفيين، خالد أحمد، الذي حاول التبرؤ فيما سبق من تمجيد صدام حسين ورفْع صوره في البحرين، ولكنه لم يفعل شيئا أكثر من ذلك”، ويضيف هذا الناشط” “بقي صدام يحظى بالقبول داخل النظام وفي محيطه الموالي، وكان الاحتفاء بصوره احتفاءا بسيرته الدموية التي بات آل خليفة ورثاء حقيقيين لها”.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى