عباس الجمري

قراءة في “الإسلام الوسطي” لمحمد بن سلمان

البحرين اليوم – (خاص)

عباس الجمري

كاتب من البحرين

حينما طرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مفهوم “الإسلام المنفتح” أو “الوسطي” قبل أسابيع، في اجتماع أعلن فيه عن وجه السعودية الجديد وإطلاق مشروع “مدينة نيوم” العملاقة، لم يكن “الإسلام المنفتح” أو “الوسطي” يحمل دلالات فكرية ذات مغزى مفهومي، ولم يكن تنظيراً كلامياً يحوي في طياته عددا من الاجتراحات الثقافية التي تؤلف بين الثابت والمتغير، كما أنه ليس طرحه من باب التقديم الجديد كما فعل مالك بن نبي مثلاً، وليس هو مزيجاً من الحداثة والأصالة كما راح حسن حنفي، وبالطبع ليس سبراً لغور التاريخ واصطفاءً للدلالات اللسانية كما نظّر محمد أركون.

المؤهلات الواضحة لمحمد بن سلمان أقل من كل ذلك، ولا يمكن له التفكير في هذه الساحة أصلاً فضلاً عن الذهاب إلى معمعتها، فإذا كان في السياسة قليل الخبرة كما يصفه الغربيون، فهو للثقافة أقرب لهذا الوصف.

فإذن ما هو المعنى الذي أراده في إعلانه، وقابله بالقول: “لن نعيش ثلاثين عاماً أخرى في ظل الإسلام المتشدد”؟

حينما نتأمل سلوك آل سعود، نرى أن التشدد لا يخرج عن سكناتهم وحركاتهم، ولم يعرف اللين طريقاً لسليقتهم، وحينما عقد محمد بن عبدالوهاب مع محمد بن سعود عام 1744م حلفهم ، كان الطرح “إصلاح الدين” وكان أنصار الحركة الوهابية يسمون محمد بن عبدالوهاب بالمصلح والمجدد، وكأن فتحاً عظيماً جاء به ليكنس به الأولين ويهدي له الآخرين من الأمة، لكن المحطة التي كان قد انطلق منها الرجلان، هي السياسة ولا غير، فحينما جاء، أخرج محمد عبدالوهاب المذهب الحنبلي بأبشع ما فيه، ليحارب الدولة العثمانية التي كانت تتبنى المذهب الحنفي، هذا على الصعيد الخارجي، وعلى الصعيد الداخلي، لكي يثبت محمد بن سعود دولته، يحتاج لرافعة تشرعن قتل مخالفيه وسجن معارضيه وسحل من يقف في طريقه، ولم يكن غير الدين أداةً لتنفيذ ذلك، ثم أن السيطرة على “الحرمين الشريفين” وهي مركز الأمة الإسلامية وقبلتهم، كان هدفاً مهماً، لاحظ أن محمد بن سعود لم يملك السيطرة على كل ربوع الجزيرة العربية، وكان “كتاب التوحيد” لابن عبدالوهاب مسطرةً يغير بها ابن سعود على القبائل في شبه الجزيرة حتى قتل منهم قتلة عظيمة كما يذكر المؤرخ ابن زريق العماني، إلى أن استولى على كامل الحجاز إنطلاقاً من نجد.

من هنا نعرف أن المصلحة السياسية هي التي تفصل الدين عند آل سعود، وحينما تبدلت الأحوال وانقلبت الأمزجة وصار باب المصلحة السياسية والاقتصادية يفتح على مساحة التملص من كل قيد ديني ويلتصق بكل إباحة ممكنة، جاءت دعوة محمد بن سلمان إلى هذه الضرورة، لا سعياً في إصلاح ولا رجاءً لفلاح، ولا طلباً لهدى ولا اتباعاً لتقوى، إنما هي المصلحة أينما دارت تدور رحى آل سعود، فينهمكون في تعديل الدين وينكبون على تعدين المتدينيين، من هنا، فإن التشدد الذي سيجيء به محمد بن سلمان هو التشدد المقابل لتشدد أجداده، وإن كان المآل نفس المآل، تثبيت العرش وتوسل الفائدة، لكن من يدري أن هذه الطريقة تنجح في تمديد عمر الدولة السعودية؟ ولعل المؤرخين المعاصرين سيكتبون أن محاولة محمد بن سلمان جوّفت أركان الدولة وعمدت صنوف العلة إلى أن تداعى الضعف في جسدها وانبرى الهرم في مفاصلها، فشاخت قوتها وانطفأت نائرتها حتى تهاوت بحرب أهلية لا تبق ولا تذر لواحة للبشر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى