مقالات

كبرياء الفقيه: سقوط التاج وانحناء “الملك”

 

البحرين اليوم – (خاص)

بقلم: باقر المشهدي

كاتب متخصص في شؤون الخليج

الصراع بين العمامة والتاج صراع تاريخي أبدي، أو هكذا يبدو في حالة الصراع العلني بين عمامة الفقيه الشيخ عيسى أحمد قاسم، وتاج حمد عيسى حاكم البحرين. يقول أحد المقربين من الأستاذ عبدالوهاب حسينالمحكوم عليهبالمؤبد حاليا أنه عندما عاد الشيخ عيسى أحمد قاسم إلى البحرين في مارس ٢٠٠١م؛ كان استقبال الناس له بمثابة بيعة سياسية لم تشهدها البحرين من قبل، حيث توافد الناس واحتشدوا على طول الطريق الذي سلكه الشيخ، من مطارالمحرق إلى قرية الدراز. وقتها، اتصل سلمان حمد نجل الحاكم للأستاذ عبدالوهاب حسين ونقل له رسالة من والده فحواها أن حمد عيسى يريد أن يعرف منْ يحكم البحرين: هو أم الشيخ عيسى قاسم؟

في الواقع، لم يكن هناك لبس أو شك في حاكمية الشيخ عيسى قاسم على قلوب الناس طواعية ورغبة وتعاقدا، وأن حمد عيسى يحكم حكما سلطويا ويُكره الأجساد على الانحناء له. لقد رسخ هذا الموقف حقيقة العلاقة بين الصافريةوجامع الدراز، باعتبارهما طرفي حكم متضادين يصعب التقائهما، ويسهل كثيرا افتراقهما. حتى حالات التقرب التي كان حمد عيسى يحاول إظهارها نقافا تجاه الشيخ عيسى قاسم؛ لم تكن خفية على الناس لفهم حقيقتها، خصوصا وأنالناس في البحرين وجدوا أنفسهم أمام خديعة وانقلاب سياسي على وعود ما قبل ميثاق العمل الوطني في فبراير ٢٠٠١.

سقوط التاج وصعود العمامة

علاقة الحذر التي طبعت مسار عشر سنوات فجّرت نفسها في ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١م؛ وأعلن التاج فُحش الخصومة عندما وصف الثورة في أحد حواراته الصحافية؛ بأنهافعل شرذمة قليلة، فجاءه الرد سريعا وحاسما بدعوة الشيخعيسى قاسم لأكبر مسيرة سياسية في تاريخ البحرين، ليتبين أن منْ يصفهم بالشرذمة هم غالبية الشعب. جاءت مسيرة ٩ مارس لتصيب الحاكم والمشيرخليفة أحمد في مقتل، إذ ظنّا أن إجراءات قوات درع الجزيرة وقمع قوة الجيشكفيلة بأن تُركع الناس وتُجبرهم على الانحناء؛ وكانت هذه المرة الأولى التي ظهر فيها الشيخ عيسى قاسم موجِّها مباشرة للتظاهر والرد على صاحب مقولةالشرذمة

وبالفعل جاء الرد صاعقا، فخلت الديار من الأهل، وأقفلت البيوت، وعُطلت الأعمال، وانحشر الناس كافة في شارع البديع، وبقيالملك والمشير مع شرذمتهم الصغيرة في الرفاع والصخير. وبدا واضحا للجميع أن هناك سقوطامدويا للتاج الملكي في مستنقع الانتقام والتسلط، مقابل صعود بارز ومشرف للعمامة التي دافعت عن الوطن ووقفت ضد سُرّاقه، حيث كانت كلمة يطلقها الشيخ الفقيه في جامع الدراز كفيلة بأن تجعل وحمد ومشيره ر ينفجران غضباوحقدا، وأن يعرفا حدود سلطتهما، وهي حدود المرتزقة والطباليين لا غير. فأنْ تكون ملكا لا يعني أنك تملك القدرة دائما، وأنْ تكون ملكا لا يعني امتلاكك الصلاحية الدائمة، بل أن تكون ملكا يعني أنه بالإمكان أن تنحي أو أن تنكسر،وأن كسرك وإجبارك على الإنحناء وأنتملك؛ سيأتي من عمامة ملفوفة بطريقة متواضعة، يجلس صاحبها في مجلس متواضع، ومنزل يوشك على الانهيار.

إسقاط الجنسية وسحب الشرعية

على حين غفلة، وكعادة الملوك الفجرة؛ تلقى الناس والعالم في يونيو ٢٠١٦ خبر صدور مرسوم إسقاط جنسية الشيخ عيسى أحمد قاسم، موقَّعا من الحاكم حمد عيسى، وتوجيه تهم غسيل الأموال إليه، بالإضافة إلى تهم تليق بملقيهاأساسا. اعتقد الحاكم أن إسقاط جنسية الشيخ عيسى كفيل بأن يجعل الشيخ يرتعد خوفا، ويطلب الصفح طمعا، أو هكذا خُيّل إلى الحاكم وهو يتمشّى بـبجامة النوم السكسي التي تحدث عنها فيصل الزيرة. مشكلة الملوك الفجرة أنهيصعب عليهم تعلم الدروس وإتقان فنون التعامل مع الكبار، فقرار سحب الجنسية قابله إعلان سحب الشرعية من نظامالملك وجنوده وأمواله.

قرر الحاكم فرض الحصار والإمعان في إظهار الكراهية والحقد، أملا في إضعاف موقف الشيخ عيسى قاسم، وجعله يتراجع عن قرار سحب شرعية الحكم والحاكم، وارتكب في ذلك أكبر مجزرة معاصرة، حيث قتلت قوات جيشهوحرسه الوطني خمسة من خيرة الشباب أمام منزل الشيخ عيسى قاسم، كما فعل ابن زياد فعلته الخسيسة في كربلاء. كربلاء المعاصرة لم تختلف عن كربلاء الأمس، فالقاتل واحد والمظلوم واحد، والموقف من الظالم لا يتغير. اعتقدالحاكم أنه ظفر بالنصر في هذه الجولة، وأن جدار الكبرياء والعزة ربما خُدش الآن، فجاءه الرد مجدّدا:ما رأيت إلا جميلا، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين،  وبذلكانتهت صرامة التاج، وسقط على الأرض مُداسا بأقدام الأطفال وعجلات السيارات، ونصب الناس الرايات المزينة بصور الفقيه الشيخ عيسى قاسم، وحان وقت الحساب.

الخلاصة

بعد أن شد رباط الجوع على بطنه، وبعد أن فقد نصف وزنه؛ لا يزال الفقيه محاصرا كما هم أهله وشعبه في الدراز، وأن الذي يفرض الحصار والإقامة الجبرية هو من يسعى لأن يكونكوميدياً، وأن يتقمص شخصية أحد الأطباءوينطق من خلاله بأمنياته التي يحلم بها وهو مرتد بيجامتهالسكسي. فقد رفض الشيخ الخضوع والانحناء حتى وهو يشرف على الموت، جرّاء توسع الفتق بأضعاف ما يحتمله جسد شاب في مقتبل العمر، وأعطى دروسا في المقاومةوالعصيان المدني أجبر بعدها الحاكم على الانحناء.

ولا يزال الفقيه يصر على رفع الحصار عن الدراز، وأن يعرف العالم أن الذي يفرض الحصار والإقامة الجبرية عليه وعلى أهل الدراز هو الذي أُسقط التاج من رأسه وأُجبر على الانحناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى