تقارير

:: وجوه الثورة :: الأستاذ عبد الوهاب حسين.. المبدئية وصناعة المبادرات

 

البحرين اليوم – (وجوه الثورة)

اختار الأستاذ عبدالوهاب حسين أن يؤدّي، في أغلب محطات حياته؛ الدور الإنقاذي، ولو تطلّب ذلك منه أن يكون في وجه أكثر المغالطات تصلّبا. من انتفاضة التسعينات تشكّلت الملامح الرئيسيّة للقيادي الذي ذاق كل ألوان المتغيرات. ملامحٌ لا يمكن إكمال تفاصيلها إلا باستحضار وجهه الآخر الذي شكّله الأستاذ حسن مشيمع، والذي مثّل بدوره إيقاعا قياديا غير مسبوق في الحراك المعارض والشعبي في البحرين.

بالنسبة لـ”أبوحسين”؛ فإن الاعتبار الأهم يجب أن يكون في إسناد الفكر إلى العمل، أو ضخّ الممارسة بقوة التنظير والأفكار التأسيسية. لهذا السبب، كانت عناية صاحب مجلس الثلاثاء موجهة دوماً لأجل صياغة الخطاب العام، وتصميم المفردات، والحرص الرصين على بناء المقولات.

الامتياز الذي سيُضاف إلى أستاذ البصيرة؛ هو أنّه لم يكن فقط غير مبال بانقلاب الأحوال، وتبدُّل التحالفات، ولكنه كان معنيا في الوقت نفسه في رسم الأحداث، والمشاركة في بناء الأفعال والمبادرات، أي الخروج من دوّامة ردة الفعل ومواقف الاحتجاج التي لم يكن ليغيب عنها بالطبع، ولو تطلّب أن يجلس على الأرض مشاركا الرموز والناس في الاعتصامات، أو التظاهر قرب الفك المفترس والتعرُّض لاعتداء القوات، كما حصل في اعتصام قرب المرفأ المالي (رمز فساد خليفة سلمان). جنبا إلى ذلك، نحتَ الأستاذ عبدالوهاب أكثر من مبادرة لتخطّي الأمر الواقع، وتجاوز السياسات التقليدية للنظام (وخاصة سياسات القمع).

في مسار ممتد من مبادرة التسعينات (التي وضع مداميكها الأولى الأستاذ مشيمع في المعتقل)، وباتجاه اللمعان الخاص وهو بصحبة الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري؛ ترصّعت في العقل السياسي للأستاذ عبدالوهاب سماتُ المبدئية الدينية، بالدرجة الأولى، وأتْبَعها في خطى ثابتة بالمبدئية الثورية التي تنتمي في جذروها الأم لمدرسة الإمام الخميني والشهيد محمد باقر الصدر على وجه الخصوص. وعلى هذا النحو العميق، كان خروجه من جمعية الوفاق، واعتكافه بعض الوقت في بيته، ومن الإطلالة ذاتها كان جهده الحيوي في تأسيس حركة (حق)، وبعدها إطلاق تيار الوفاء الإسلامي وقيادته.

لم يكن غريبا أن يقود الأستاذ عبدالوهاب أولى تباشير صباح ١٤ فبراير. كانت سيرته معهودة على إقامة الفكرة أمام الجمهور، ودعوتهم لمناقشتها بلا حدود، والمطالبة بالدليل عليها. وحين يجادل مع الناس ويُثبت صواب فكرته، فإنه يكون أول الفاعلين لها. وهكذا كان فعله الأول في ثورة ٢٠١١م، وما تلاها من تأسيسات جوهرية شكلت أهم منعطفات الثورة التي وضع الأستاذ أمامه كلّ استحقاقاتها وضرائبها في الوقت نفسه. من هذه الأنفاس، كان حديثه عن الموت شهيدا، ليُعلّم مستمعيه أن هذه النتيجة ينبغي أن تكون حلما وأمنية، وليس احتمالا سلبيا يفرض إعادة الحساب والتراجع.

من المؤكد أن الجلادين اختبروا هذه الصلابة مرارا وتكرارا، ولا شك أن الرجفة والخيبة كانت تحل على رؤوسهم في كلّ مرة. يقتنع الأستاذ أن بقاءه في السجن، مدى الحياة، لن يُرغمه على تغيير خياراته، أو قلْب صفحات حياته التي آمن بكل قول وفعل فيها. هو يُوقن، كما تقول أدبياته، أن السجن يمثل دوما الوقود الذي لا ينفذ لإشعال الثورة وإبقائها مثل الجمرة التي تلتحم بحرارة الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى