ما وراء الخبر

آل خليفة “فئران تجارب” آل سعود: ما هو أخطر من استقبال الوفد الرياضي “الإسرائيلي” في المنامة

البحرين اليوم – متابعات

مثلُ آل سعود، يظنّ الخليفيون أن المنقذ من سقوطهم القريب هو التعلق بالحبال الإسرائيليّة، والارتماء أكثر وأكثر، وعلنا، في أحضانهم. هذا باختصار ما تعنيه “الجرأة الوقحة” التي ظهر بها وزير الخارجية الخليفي في شهر أغسطس الماضي وهو “يعزي” الإسرائيليين بموت شيمون بيريز، وهي “التعزية” التي فتحت الطريق لكل ما هو “متوقع” في تعبيد الطريق نحو تل أبيب، ومن أكثر من بوابة، وبينها بوابة “الرياضة” بعد أن “رحّب” الخليفيون باستقبال الوفد الإسرائيلي ضمن “كونغرس الفيفا” الذي وجد النظام فيه فرصة مؤاتية للتعويض، أو للتغطية، على هزائمه المتتالية في مواجهة الثورة المحلية، وإخفاء الإنكسارات غير اليسيرة التي مُني بها هو والحلف السعودي الذي يلتحق به في كل الاتجاهات، بما في ذلك في الاتجاه نحو “السقوط”، وهو “المآل” الذي لا مفر منه، كما يقول العارفون ب”جرثومة” انهيار الدول العوجاء.

img_8840ليست العلاقة بين آل خليفة والإسرائيليين جديدة، وقد استقبل الحاكم الخليفي، حمد عيسى، في قصره أكثر من مرة رجال دين يهود تابعون لإسرائيل، وحظيت هذه اللقاءات بحفاوة في الصحافة الإسرائيلية التي ذكّرت بالتعاون “الاستخباري” مع الخليفيين. ولم يكن وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي يعالون، خارج السياق حينما أشار في فبراير الماضي إلى البحرين ضمن هجومه على إيران، حيث قال إن الأخيرة تريد الوصول “إلى البحرين والهيمنة عليها”، إضافة إلى العراق وسوريا واليمن، وأبدى يعالون استعداده لحماية النظام الخليفي والسعودي مما وصفه ب”المحور الشيعي”، في إشارة إلى إيران وحزب الله، وقد سبق هذا الموقف الإسرائيلي إعلانُ وزير الخارجية الخليفي في مقابلة مع “سكاي نيوز” بأن نظامه (ودول الخليج) تتفاوض لشراء “القبة الحديدية”، وهو نظام دفاع صاروخي إسرائيلي.

خلال الأشهر الأخيرة، ومع ضيق الحضور الإستراتيجي للسعودية، وانكسار وجودها التوسعي في أكثر من منطقة، ومع “اهتزاز” أحلافها مع الغرب والولايات المتحدة؛ كان لافتا “الهرولة” المكشوفة والمتدفقة نحو انفتاح العلاقة مع إسرائيل، والتي يديرها علنا الأمير السعودي، تركي الفيصل، بشكل خاص، وقد أثمرت عن زيارة “الجنرال” السعودي السابق أنور عشقي إلى تل أبيب قبل نحو ٣ أشهر، والتي شكلت “انعطافة” في توجه آل سعود نحو خيار “علنية” العلاقة مع الإسرائيليين، والتي كان من ثمارها أيضا “الاندفاع” الخليفي في هذا المسار، والذي يتولاه بشكل “تنفيذي” وزير الخارجية، فيما يُراد له الآن أن يتكرس بشكل “طبيعي” مع خلال “تطبيع” العلاقة مع الإسرائيليين في الشأن الرياضي، وبما يكشف عن “منافسة” خليجية (آل سعود وآل خليفة من جهة، وقطر والإمارات من جهة أخرى) في هذا الميدان “التطبيعي” الذي يؤكد المراقبون بأنه “ينطوي على أهداف إستراتيجية تتعلق بالترتيبات المقبلة في منطقة الخليج بعد ترنح السياسة الأمريكية القديمة في المنطقة، وشعور آل سعود بالحاجة الماسة لحليف إستراتيجي يحمل مواصفات أكثر تقاربا معه، على النحو الذي تملكها إسرائيل تحديدا”.

لم يحتج الخليفيون ل”جرأة زائدة” للإعلان عن استقبال الوفد الإسرائيلي الرياضي في المنامة خلال “كونغرس الفيفا”، ولكن حتى الآن لا يبدو موقف المجتمع المدني والسياسي في البحرين “مناسبا” لهذه “الجرأة”، حيث توقف الأمر عند إعلان “رفض” تصريح رئيس ما يُسمى باتحاد كرة القدم، الخليفي علي خليفة، الذي برر الموافقة على مشاركة الإسرائيليين بضرورة “فصل الشأن الرياضي عن الشأن السياسي”، الأمر الذي اعتبرته جمعية مقاومة التطبيع – التي لا يُعرَف لها أي نشاط ظاهر، ولم تعلق على (تعزية) الوزير الخليفي بموت بيريز – بأنه “تطبيع واضح ومباشر” و”تنازل غير مسبوق عن ثوابت الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية”، وقال رئيس الجمعية جمال الحسن بأن هذه الاستضافة تمثل “مهزلة” و”تدنيس” لأرض البحرين، وطالب “الجهات الرسمية المختصة العدول عن قرارها”. وعلى المنوال نفسه كان مواقف الجماعات السياسية، بما فيها جمعية “الوفاق” (المغلقة) التي صرّح نائب أمينها العام، الشيخ حسين الديهي، ضد استضافة الوفد الإسرائيلي، وعمدت أوساط الجمعية على ربط التصريح بالجمعية نفسها، حيث لم يصدر عنها أي تصريح رسمي في الشأن العام منذ الإعلان الخليفي عن حلها في يونيو الماضي. وكان رد الخليفيين على تصريح الشيخ الديهي سريعا، حيث هاجمت قوات آل خليفة مقرات الجمعية (المغلقة أصلا) وصادرت بعض الحاجات منها.

الاستنكار الذي ساد مواقع التواصل الاجتماعي كان ملموسا، ومسموعا، ولكن المؤكد أن أثره لن يذهب بعيدا، وإلى حد “إجبار” الخليفيين على التراجع عن تلك “الخطوة” وذلك لأنها “خطوة متدرجة، وجاءت في سياق مبرمج، ومقصود” في شأن توسيع “مدى العلاقات” الخليفية الإسرائيلية، وبالتوازي مع علاقات الأخيرة مع آل سعود. ويرى مراقبون بأن السعوديين، وكعادتهم، لجأوا إلى اختيار آل خليفة مجالا لاختبار “سياسة التوسع” في العلاقات مع الإسرائيليين، بهدف الاستفادة منهم على طريقة “فئران التجارب”، وتلمُّس النتائج الممكنة في تهيئة “الأجواء” لاحقا لخطوات مماثلة في الانفتاح على الإسرائيليين على أراضي السعودية، والتي لا يراها محللون “مستبعدة أو ضربا من الخيال، في ظل الجنوح السعودي غير المسبوق نحو مصافحة الإسرائيليين وملاقاتهم، والرغبة في التحالف معهم”، بحسب ما عبّر مؤسس اللوبي السعودي في واشنطن، سلمان الأنصاري، الذي نشر مقالا الأسبوع الماضي في الصحافة الأمريكية تحدث فيه عن الأدوار التي يمكن لإسرائيل القيام بها من أجل المساهمة في “رؤية السعودية ٢٠٣٠”، داعيا إلى تعاون وثيق بين الرياض وتل أبيب في مواجهة طهران.

المتابعون للسياسات السعودية والخليفية خلال الأعوام القليلة الماضية؛ يدركون أن هناك “هندسة متتابعة” لتلك المرحلة المقبلة التي تكون فيه إسرائيل “دولة صديقة” لأنظمة الخليج، حيث عمدت هذه الأنظمة – وعلى وجه خاص النظامان السعودي والخليفي – لشيطنة إيران، وتحويلها إلى “العدو الحقيقي الأول والوحيد” للخليج، وترسيخ هذه “العقيدة” في مخيال شعوب المنطقة من خلال وسائل الإعلام الموجهة ضد محور المقاومة، والترويج الواسع للخطابات التكفيرية التي أغرقت مجتمعات الخليج وحياتهم الخاصة، وبالتوازي مع استهداف كل المكونات الوطنية والدينية التي يمكن أن تمثل “خطرا” في وجه التطبيع مع الإسرائيليين.

المشكلة التي تواجه شعوب الخليج ونخبها هو أنها باتت محاطة بردود الأفعال المتأخرة، كما أن كثيرا من شرائحها وقادة الرأي العام فيها لازالوا “محاصرين” بالبرمجة المذهبية الرسمية التي وضعت إيران “خطرا يفوق خطر إسرائيل”، وقد تمددت هذه الأفكار داخل مختلف طبقات المجتمع، وعلى النحو الذي يعقّد من سُبل مواجهتها. إلا أن المؤكد أيضا أن “الذنب الكبير” الذي يحمله أكثر شعوب الخليج ومثقفيها جراء الصمت عن قمع ثورة البحرين على وجه الخصوص، والتراخي في مناصرتها ودعمها بعد انطلاقتها، والتآمر في ترويج الأكاذيب الرسمية ضدها منذ أول أيامها وحتى الساعة، والصمت أمام الجرائم والانتهاكات المستمرة التي ترتكبت بحق مواطنيها، ولاسيما تلك الجرائم ذات الطابع المذهبي؛ كل ذلك سيفرز العديد من “الانهيار” في المواقف الشعبية والنخبوية إزاء القضايا “القومية” الكبرى، وبينها قضية فلسطين ومناهضة التطبيع مع إسرائيل. لقد كان التفرج أمام قمع أهل البحرين، وسحق حركته الشعبية المطالبة بالديمقراطية؛ عارا وجريمة لها آثارها الواسعة، ولعل انهيار الإرادة الشعبية والنخبوية في الخليج هي أشد النتائج غير المرئية لخذلان ثورة البحرين، والتي ستنعكس في مجابهة كل المشاريع الأخرى التي تحدق بالمنطقة، وبينها المشروع الإسرائيلي الذي يفتح لها حكام الخليج الأبواب والنوافذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى