ما وراء الخبر

“ملك” البحرين لسماحة السيد عبد الله الغريفي: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد

رأي البحرين اليوم – خاص

جرت العادة أن يقوم النظام في البحرين بالضغط على رجال الدين الشيعة للإلتقاء بالطاغية حمد، واستغلال ذلك لنفي حقيقة التمييز والإضطهاد الطائفي الممنهج.

وبخلاف العادة ظهر سماحة السيد عبد الله الغريفي من دون وفد ديني يرافقه في مقطع مصور بثه التلفزيون الرسمي مع حمد الخليفة. وقال التلفزيون في بيان مقتضب (يوم الأحد ١٣ ديسمبر) أن حمد الخليفة “شكر سماحة السيد على بحوثه العلمية”.

الأمر المؤكد أن هذا اللقاء ليس له علاقة بأي بحث علمي كما زعم البيان الرسمي، إذ لم يصدر لسماحة السيد الغريفي أي بحث أو كتاب جديد. ولا يوجد شك لدى المتابعين أن ذلك اللقاء ليس له صلة من قريب أو بعيد بالأبحاث العلمية! الأمر الذي فتح بابا واسعا من التحليلات والتكهنات لدى جميع الناس، خاصة وأن السيد الغريفي لم يفصح في العلن عما دار في ذلك اللقاء وكيف تم الترتيب إليه. كما أن اللقاء يأتي في ظرف وتوقيت حساس على مستوى البحرين والمنطقة. ومن جهة أخرى تزامن مع توارد أنباء عن احتمالية إطلاق سراح دفعة من السجناء السياسيين مع حلول ما يسمى زورا ب”العيد الوطني”، وبعد مرور شهر على تقلد سلمان الخليفة منصب رئيس الوزراء بعد موت خليفة.

وعليه ذهب بعض المحللين إلى أن سماحة السيد الغريفي لم يطلب لقاء حمد الخليفة، بل إن الأخير هو من قام باستدعاء سماحة السيد في محاولة للإستفادة من موقعه في ثلاث أهداف رئيسية، ولإيصال الرسالة لبقية رجال الدين وعموم الناس والمعارضة.

أولى محاولات الإستغلال التي يصبو النظام لها هو نفي تهمة الإضطهاد الديني الذي يتحدث عنه حلفاء النظام قبل خصومه. فالخليفيون ورغم الدعاية الكبيرة التي أنفقوا فيها الملايين ليقولوا للعالم بأن الحريات الدينية مكفولة والبحرين بلد التسامح والتعايش بين الأديان، ثم قيامهم بتشكيل الوفود تحت مظلة رابطة (هذه هي البحرين) التي زارت الكنائس والمعابد والمساجد، (رغم ذلك) لم ينجحوا في التغطية على حقيقة الإضطهاد الطائفي والتمييز الممنهج في البحرين. فقد أشارت الخارجية الأمريكية قبل غيرها إلى مسألة الإطهاد الطائفي بشكل واضح في تقريرها السنوي، وتحدثت المنظمات الدولية عن هذه السياسة التي عرت مشاريع التعايش التي سوقها النظام الخليفي. وجاء اللقاء مع واحد من أكبر علماء الشيعة في داخل البحرين في محاولة بائسة لنفي تلك التهمة، ومن دون أي تغيير في سياسة التمييز.

من وجهة نظر موضوعية مثلّ اللقاء تكريسا إضافياً للسياسة الطائفية، إذ يُستشف منه بأن حمد الخليفة حاول بائسا إغراء سماحة السيد عبد الله الغريفي بنيته إطلاق سراح دفعة من السجناء السياسين، مع تهديد مبطن من خلال إظهار انزعاجه الشديد من خطابات آية الله الشيخ عيسى قاسم والجماعات التي يصنفها النظام بأنها محسوبة على إيران. وليس بعيدا عن هذه النقطة ربما أوصل حمد الخليفة تحذيره الثاني بعدم السماح بالتدخل فيما يعتبره النظام الخليفي قراراً سياديا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. بمعنى أوضح يجب أن ينفصل شيعة البحرين عن مراجعهم في الخارج، ويصمتوا عن التطبيع، إن لم يطبلوا لهذا المشروع.

علاوة على ذلك أن إطلاق سراح السجناء السياسيين إن تم فسيتم بشكل جزئي وليس إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، فالأستاذين عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع مثلا وغيرهما من الرموز بما فيهم سماحة الشيخ علي سلمان يجب أن يعاقبوا في نظر النظام الخليفي. والأسوأ من ذلك أن النظام في حال أقدم على إطلاق سراح بعض المعتقلين في المستقبل، فهو لن يتعدى تلك الخطوة، ولن يقرنها بأي تنازلات سياسية أو يتبعها بخطوات “ إصلاحية”. كما لن يكون المفرج عنهم بمأمن من الاعتقال مجددا في حال عبروا عن أراء لا تروق للخليفيين.

ورغم خيبة بعض العوائل لعدم الإفراج عن أبنائهم، إلا أن أسباب عديدة قد تدفع النظام الخليفي في المستقبل القريب للقيام بالإفراج عن بعض السجناء، منها تفادي أي ضغوطات خارجية، في ظل التحولات المرتقبة على مستوى المنطقة، خصوصا بعد استلام جو بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، حيث يتوقع محللون وخبراء بأن يقوم الأخير بإعادة التفاوض مع إيران، والبحث عن مخرج للعدوان على اليمن. وحتى يثبت بايدن بأن سياسته مختلفة عن سلفه فمن غير المستبعد أن يظهر إهتماما بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة.

من جانب آخر يتم التعامل مع البحرين في قضية الخلاف الخليجي بطريقة دونية، إذ تتطلع قطر للتفاهم مع السعودية دون أي اعتبار للبحرين التي تنظر إليها كذيل لا يمثل أهمية. وفي ذات الوقت يظهر القطريون قيادة وشعبا في تماسك وانسجام، بينما يظهر المعارضون البحرانيون على شاشة الجزيرة وهم يتحدثون عن جرائم النظام الحاكم في بلدهم. مثل هذه الصورة يريد سلمان بن حمد ووالده أن يغيرها، ليعطي صورة إيجابية ومختلفة عن الحكومة السابقة، ولكن دون أي تغيير حقيقي.

وبالعودة إلى ملف السجناء السياسيين فليس هناك شك من أن سماحة السيد عبد الله الغريفي يعتصر قلبه ألما على معاناة السجناء وعوائلهم، ويتمنى أن يكون سببا لرفع معاناة الأسر التي تشتت بسبب فقدان أحبتها في السجون. كما أن الجميع في تيارات المعارضة دون استثناء يريد للسجناء الحرية والخلاص، لكن التباين الحاصل هو في طريقة التعاطي مع هذا الملف. إذ يشدد المعارضون من التيار الثوري على ضرورة الحذر وعدم الوقوع في شراك النظام الخليفي، والمحافظة على الخطاب الرزين الذي لا يستطيع النظام الاستفادة منه، والإصرار على المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين دون قيد أو شرط. وفي حال تم إطلاق سراح معتقلين تحت أي مسمى وعنوان مثل العقوبات البديلة يستمر انتقاذ النظام وهذا لا يعني لوم السجين الذي يخرج تحت هذا العنوان أو غيره. فالظلم واقع على السجناء في كل الأحوال وحقهم ثابت في جبر الضرر ومحاسبة المنتهكين لحقوقهم والمسؤولين عن تعذيبهم وسجنهم بغير وجه حق.

خلاصة الرسالة التي أراد حمد الخليفة إيصالها لسماحة السيد عبد الله الغريفي، أنا البلد لنا وعليكم أن تسمعوا وتطيعوا و” ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”. وأمام هذا الواقع والتهديدات المبطنة لسماحة السيد الغريفي وعلماء البحرين، فإن جواب الشعب للطاغية “ لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى