ما وراء الخبر

النسخة المزيقة لجماعة “الإخوان المسلمين” في البحرين: أقصى الولاء للقمع والطائفية.. والوجاهة الفاسدة

 

البحرين اليوم – متابعات

لم يكن متوقّعاً من جماعة الإخوان المسلمين، فرع البحرين، أكثر ممّا فعلوه وقالوه بعد اشتداد الهجوم على الجماعة الأم، وخاصة بعد الحصار الذي أعلنته أنظمة أربع دول، بينها النظام الخليفي، على دولة قطر، وهي الدولة الخليجية التي تحوّلت إلى مقر رئيسي للجماعة بعد إسقاط الرئيس “الإخواني” محمد مرسي في إنقلاب ٢٠١٣م. وبحسب ما يقول عارفون بالأيديولوجيّة الموالية لجماعة الإخوان في البحرين؛ فإن هذا الفرع تشكّلت هويته الإخوانية وفق الزواج الأصيل الذي جمعها مع العائلة الخليفية، حيث كان بعض أفراد هذه العائلة من مؤسسي فرع البحرين (وآخرهم عيسى بن محمد آل خليفة)، وحرص الخليفيون – خاصة في أوقات الأزمات الداخلية – على إضفاء امتيازات خاصة على إخوان البحرين، مع قدْر غير مجهول من الرعاية المادية، وذلك وفق قاعدة العلاقة – المستمرة حتى الآن – والتي تقوم على اقتناص ما يمكن اقتناصه من المصالح الشخصية والعائلية وببركات الاتفاق المذهبي.

لا يقتصر الأمر على جمعية الإصلاح وجناحها السياسيّ “جمعية المنبر الإسلامي”، ولكن تمتد هذه القاعدة لتشمل الشرائح الاجتماعية والثقافية التي تتقاطع مع النسيج الاجتماعي العام الذي يمثله الإخوان في البحرين، وهو السبب الذي كان وراء استعمال النظام لواجهات الإخوان في البلاد لمجابهة ثورة ١٤ فبراير، وتوكيلهم القيام بمهام إفشال الثورة وإضعافها وخلق الطفيليات حولها، ولاسيما بعد أن وصلت الثورة إلى ذروتها في الشهر الأول من انطلاقها في فبراير من العام ٢٠١١م، وكان المحيط الإقليمي والدولي في ذلك الوقت يُحجم آل خليفة – وآل سعود من ورائهم – عن تحريك أدوات القمع التقليدية، فكان الصّنيع الحكومي المعروف باسم “تجمع الوحدة الوطنية”، الذي طُلب من الشيخ عبد اللطيف المحمود التصدّي له وتوسيع نطاقه “الرمزي” لتشكيل تحالف مناهض للثورة ولامتدادها الوطني.

على مدى السنوات الثلاث الأولى للثورة؛ قدّم الشيخ المحمود والوجوه الإخوانية المختلفة في البحرين؛ (قدّموا) خدمات “جليلة” لآل خليفة، وذلك لجهة تثبيت الاتهامات المزعومة من أن الثورة “طائفية”، وأنها مدعومة من الخارج ولها ولاء “إيراني” وليس وطنياً. ولم يدّخر إخوان البحرين ما يملكون من إرث في الترويج لإعادة نشْر الاتهامات المتتالية التي كانت تذيعها الأجهزة الإعلامية والأمنية التابعة للنظام، لينخرط كلّ التيار الإخواني في البحرين ضمن حملات وحفلات “الولاء” لآل خليفة، والتأسيس لشراكة وثيقة معهم عمادُها المال والطائفة، مع غضّ الطرف عن المخالفات الشخصية والسياسية التي يقوم بها الإخوان، ولاسيما في ملفات الفساد والمحسوبية، إضافة إلى الجريمة الموثقة ضدهم بدعم الجماعات المسلحة في سوريا والعراق. ولم يكن ذلك “منّة” من النظام، حيث لم يكن يختلف السلوك الشخصي والاجتماعي والسياسي لإخوان البحرين عن السلوك الذي يمثله النظام أصالةً، وهو ما يجعل الإخوان جناحاً ضمن أجنحة الموالين الكثر الذين كانوا يبحثون عن الارتزاق، بأشكاله المختلفة، ولم يكونوا يجدوا في ذلك ما يُزعجهم أو يجعلهم غير “إخوان”.

لم يؤلم ذلك الثورة البحرانية كثيراً، وعلى النحو الذي كان يأمله آل خليفة وإخوان البحرين على حدّ سواء. وقد كان معلوماً – منذ البدء – أن اندفاع إخوان الداخل لمناوأة الثورة والتحريض عليها؛ كان إملاءا من النظام وبما يُمليه عقْد المصالح بينهما. وكان المراقبون ينتظرون – وهو ما حصل بالفعل – اللحظة المناسبة لكي يغدر الخليفيون بهذا النوع من الموالاة التي تتحرّك وفق نظرية “التكسُّب المتطاير” من النظام، ولكن الغدر الخليفي للإخوان في البحرين لم يكن غدراً مفتوحاً، أو خاطفاً، أو على طريقة الغدر الذي شهده دوار اللؤلؤة أكثر من مرة في شهري فبراير ومارس ٢٠١١م. فالنظام يُدرك أن الإخوان في البحرين ليسوا نسيجاً اجتماعياً معزولاً عن الوضعية العامة التي يتداخل هو نفسه فسها، كما أن الأيديولوجيا الإيمانية لم تعد فعّالة في القيادات المتصديّة للإخوان، بقدر ما تُحرَّكم أيديولوجيات أخرى، من قبيل أيديولوجيات التجانس المذهبي، والعدو الإيراني الأوحد، والمصالح الشخصية والرفاه المادي التي لا خيار مرغوب بدونه. ولذلك اختار النظام أن يتعامل مع الإخوان بأشكال مختلفة، وبتدرّج يُتيح له أولاً امتصاص أقصى ما يمكن من الولاء الأعمى والدائم منهم، وثانياً تفريغ كلّ ما بوسعهم فعله لمواجهة الثورة والتشويش عليها، وأخيراً الاحتفاظ بهم بوصفهم طاقة احتياطية لإنجاز الانقسام العمودي في المجتمع، والذي يُنعش طغيان النظام واستبداده بنحو أكثر، وبما لا يتحقق في الحالات التي تنعم فيها البلاد بتوافقات وطنية أو أمن اجتماعي بين مختلف شرائح المواطنين.

في تدرّجات الغدر المتبعة – وبعد امتصاص أكثر ما يمكن لإخوان البحرين تقديمه لمواجهة الثورة – أعطى النظامُ المعنيين الإشارات المفهومة لغرس الإبرة في البالون الذي سُمّي بـ”تجمع الوحدة”، واستعملت الأجهزة الأمنية – التي تعيش في أوساط الإخوان بشكل طبيعي بحكم الامتزاج الاجتماعي والسكني والعائلي – وسائلَ عديدة لتفريق هذا التجمع، ونزْع الرمزية المصطنعة التي صنعها النظام حول الشيخ المحمود وتجمعه، وبدأت الأجهزة بتسريب معلومات وأخبار عن فساد المحمود المالي، وحصوله على أراض وشيكات مفتوحة لقاء جهوده في تشويه الثورة وترويج الاتهامات الرسمية ضدها. وفي السياق، حرّكت المخابرات الخليفية عناصرها داخل التجمع، وحرّضت عددا من الشبان لتشكيل تجمعات و”إئتلافات” شبابية رديفة أو منافسة لتصحيح ما اعتبرته “انحرافاً” أو “فسادا” في شيوخ التجمع ورموزه. حقّق هذا الأسلوب الهدفَ الأهم بالنسبة للنظام، وهو محو التجمع وإخراجه من الوجود بعد أن استوفى الغرض منه، وفي الوقت نفسه عدم المساس بالقواعد المذهبية الموالية التي شارك التجمُّع وإفرازاته في بنائها خلال موجة “المكارثية” التي اجتاحت البلاد في مارس ٢٠١١م مع بدء الاحتلال السعودي العسكري.

كان مهمّاً لآل خليفة ألا يقع هناك “انشقاق” علني في النسيج الموالي للإخوان في البحرين، واكتفى بتسديد الضربات “الرحيمة” حينما كان يجد أن مصلحته تتطلب ذلك، مع يقينيه بأن إسكات الإخوان سهلٌ وميسور من خلال إغداق العطايا على قاعدتهم وقيادتهم، وزيارة مجالسهم مع حفنة من الأموال وعقود العقارات، إضافة إلى فتح الوزارات الخدمية لهم لكي يرعوا فيها ويتحصّلوا على الوجاهة الشكلية، وهي – أي الوجاهة – جزء لا يتجزأ من شخصية الإخواني في البحرين، كما لم يجد النظام مانعاً من تفريغ وزرات بأكلمها لتكون ملكاً للإخوان، كما هو الحال مع وزارة التربية، أو حتى أن يخلق وزارة وهمية ليضع على رأسها إخوانياً، كما حصل مع صلاح علي ووزارة حقوق الإنسان، التي طارت لاحقاً (ديسمبر ٢٠١٤) واختفى المذكور معها، كما طارت معه فاطمة البلوشي من وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي المعروفة بانتمائها للإخوان. وقد جرى ذلك ضمن مخطط مرافق أفضى بإفشال وصول الإخوان إلى البرلمان الخليفي، حيث اصطنع النظام قوائم جديدة في الوسط السني لإيصال “مستقلين”، وبما يضمن عدم حصول الإخوان على مقاعد مؤثرة.

مع بدء التنافس الإقليمي بين قطر وتركيا من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى؛ كان واضحاً أن التزلُّف والمواقف المزيّفة التي اعتاد إخوان البحرين تقديمها لآل خليفة؛ ما عاد مفيداً بالنسبة للنظام وللمشروع المؤجَّل الذي كان يُراد الرسوُّ عليه بعد أن يكتشف السعوديون – خاصة – بأنهم غير قادرين على البقاء في الصناديق الخاسرة التي كانوا يتوجهون إليها، واحدا تلو الآخر، ظناً بأنهم سينجحون في تثبيت أقدامهم فيها واكتساب مساحات جديدة من النفوذ. كان هناك ما ينبيء بأن آل سعود يُسرعون أكثر من طاقتهم نحو رسم خريطة السقوط المدوّي، فكانوا يمدّون أيديهم في كلّ الاتجاهات لأجل إرضاء منْ يجب إرضاؤه، وقمع منْ يجب قمعه، في حين كان مجيء عبدالفتاح السيسي في ٢٠١٣م على رأس الحكم في مصر، وبقوّة العسكر، المحطة الأساسية لإعادة ترتيب العلاقة من الإخوان في البحرين.

في مارس ٢٠١٤ بدأت الملامح الأساسية للأزمة الخليجية الأولى مع قطر، وكان أزمة سحب السفراء آنذاك من الدوحة “جرعةً سامة” مهّدت لجرعات أخرى من السموم، وخاصة بعد وضْع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب السعودية والإماراتية. كان الخليفيون، في المقابل، غير قادرين على صياغة الموقف المناسب لتلك المرحلة، ووقع وزير خارجيتهم، خالد أحمد، في ورطاته المعروفة مع تصريحاته وتغريداته المتناقضة حول الإخوان. فقد قال الوزير آنذاك بأن حكومته “تتصدى لجماعة الإخوان المسلمين وتهديدها الإرهابي الواضح لاستقرار مصر والسعودية والإمارات وتعتبره تهديداً للبحرين ولأمنها”، وهو ما تعارض مع تصريحات أدلى به خلال زيارة له لإسلام آباد، العاصمة الباكستانية، والتي قال فيها بأن نظامه لا يعتبر الإخوان “جماعة إرهابية وإن كان يتفهم موقف المملكة السعودية من الجماعة”.

وبعد توبيخ سعودي على هذا التصريح، أعلن الوزير الخليفي نفيه عدم اعتبار الإخوان “جماعة إرهابية”، ولكنه قال بأن “كل بلد يتعامل معهم بحسب ما يبدر منهم تجاهه، مع ضمان الموقف الموحد تجاههم”.

بالمقارنة مع السعودية والإمارات؛ كان هناك تعقيد غير مقدور عليه في البحرين لحسم العلاقة مع الإخوان. لا يقتصر الأمر فقط في أنّ هناك تواشجا طائفيا، وتوغلا إخوانيا في أجهزة الدولة، ولكن أيضاً لأن النظام الخليفي كان يرى أن هناك خدمات “طارئة” و”مستجدة” ينتظر من الإخوان أن يقوموا بها، وبما لديهم من مواهب معروفة في العداوة، ولاسيما مع الاستعداء المتصاعد ضد إيران، والحاجة الماسة لأن يُوجّج الإخوان هذه العداوة عبر المسوح الدينية والخطابات المستجلبة من حقول السلفيين والتكفيريين. فضلا عن ذلك، فقد كان عدم حسم الخلاف مع قطر؛ يحتم تأجيلا في تسديد الضربات القاتلة للإخوان في الخليج، وبينها البحرين.

وفي كلّ الأحوال، فإن اندلاع الأزمة مجددا مع قطر في يونيو ٢٠١٧م، وتصاعدها حتى اليوم، لن يكون خطراً “وجودياً” على النسخة الإخوانية في البحرين، وذلك لأنها من أسوأ النسخ، ومن الصعب إيجاد تشابها بينها وبين النسخ الأصلية أو شبه الأصلية للأخوان في العالم. عدا ذلك؛ فإن أخوان البحرين لا يملكون شيئاً يُذكر في قدرات التكتيك السياسيّ بعد أن تورطوا حتّى الثمالة في الولاء لآل خليفة، وأضحى هذا الولاء هو قاعدتهم الأيديولوجية، وليس أيّ شيء آخر. وبالدرجة نفسها؛ فَقَدَ إخوان البحرين موهبة التوازن، وارتفع عن ذهنهم المؤدلج نقاءُ الدعوة و”الإصلاح”، وفضّلوا أن يكونوا في الخندق الطائفي الذي حفره لهم الخليفيون.

لهذه الأسباب؛ فليس من الهم كثيراً المراوحة المحلية على تصريح وزير خارجية آل خليفة خلال اجتماع القاهرة يوم الأربعاء، ٥ يوليو ٢٠١٧م، بعد هجومه على جماعة الإخوان المسلمين وتأكيده بأنها “جماعة إرهاببة استباحت دماء المصريين وأبناء الخليج”، ومشدّدا على أن “منْ سيتعاطف مع الإخوان سيحاكم”. فالأمور في البحرين مع الأخوان ستظل تحت السيطرة، وبما لا يحتاج إلى كثير من التحليل أو استغلال الخلاف. وقد كان متوقعاً الهجوم الذي شنته جماعة الإخوان في البحرين عبر واجهتهم الصحافية: “النبأ”، وذلك بعد محاولة وسائل إعلام قطرية تجيير مقال نشرته الصحيفة، والقول بأنه جاء ردا على الهجوم الخليفي على الإخوان. وركزت الصحيفة هجومها على قناة الجزيرة، وكالت عليها سيلاً من الاتهامات المعروفة في قاموس التصعيد الخليجي الجديد ضد قطر. وهي إشارة تقدّم – مرة أخرى – اختصاراً لطبيعة هذه النسخة الممجوجة للإخوان.

سيفعل إخوان البحرين كلّ ما يُطلَب منهم. أي ما يطلبه الخليفيون والسعوديون تحديداً. وكما فعلوه سابقاً وحاضراً.. مراراً وتكراراً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى